303
الرواشح السماوية

ثمّ قد احتجّوا أيضا بأنّ بين الحكم بالنفي ، والحكم بالإثبات واسطةً ، وهي عدم الحكم . فمقتضى الاستثناء بقاء المستثنى غيرَ محكوم عليه ، لا بالنفي ولا بالإثبات .
ويقال : إنّه يقلب عليهم في الاستثناء من الإثبات ، فيلزم أن لايكون نفيا للواسطة ، وقد صحّ الوفاق على ذلك فيبطل الاحتجاج .
قيل : المشهور من كلام الشافعيّة أنّ ذلك وفاق وإنّما الخلاف في كونه من النفي إثباتا .
والمذكور في كتب الحنفيّة أنّه ليس من الإثبات نفيا ولامن النفي إثباتا ، بل هو تكلّم بالباقي بعد ۱ الثُنْيا ، ۲ ومعناه أنّه أخرج المستثنى وحكم على الباقي من غير حكم على المستثنى ، ففي مثل : «عليّ عشرة إلاّ ثلاثة» لاتَثبت الثلاثة بحكم البراءة الأصليّة ، وعدمِ الدلالة على الثبوت لابسبب دلالة اللفظ على عدم الثبوت . وفي مثل :«ليس عليّ إلاّ سبعة» لايثبت شيء بحسب دلالة اللفظ لغةً ، وإنّما يثبت بحسب العرف وطريق الإشارة كما في كلمة التوحيد ، حيث يحصل الإيمان بها من المشرك ومن القائل بنفي الصانع ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ بحسب عرف الشارع .
ويأوّلون كلام أهل العربيّة ـ أنّه من الإثبات نفي ـ بأنّه مجاز تعبيرا عن عدم الحكم بالحكم بالعدم ؛ لكونه لازما له . لكن إنكار دلالة : «ما قام إلاّ زيد» على ثبوت القيام لزيد يكاد يلحق بإنكار الضروريّات ، وإجماعُ علماء العربيّة على أنّه من النفي إثبات لايحتمل التأويل .
وفي الشرح العضدي محاولة التوفيق بين كلامهم وكلام أصحاب العلوم اللسانيّة ، بما تلخيصه على تقرير شارح الشرح : أنّ الخبر يدلّ على نسبة نفسيّة ، لها متعلَّق يعبّر عنه بالنسبة الخارجيّة الواقعة في نفس الأمر ، فإن اعتبرت دلالته على النسبة الخارجيّة الواقعة في نفس الأمر ، فلا نفي ولا إثبات في المستثنى ـ أي لا دلالة في اللفظ على أنّ

1.متعلّق بالباقي .

2.الثُنْيا هو المستثنى .


الرواشح السماوية
302

ولا شيئا ممّا عدا العلم ، ولا الصلاةُ على وجه آخَرَ من الوجوه المعتبرة فيها أصلاً إذا حصلت مع الطهور .
والجواب عنه على ما قد قُرّر في علم المعاني من سبيلين ، بل من سُبُل ثلاثة .
فإنّ من القصر قصْرَ الموصوف على الصفة ، وقصرَ الصفة على الموصوف ، وكلّ منهما منقسم إلى : الحقيقي ، والإضافي ، والتحقيقي ، والادّعائي ، وما على الحقيقة ، وما على المبالغة . ف «ما زيد إلاّ عالم» ليس يصحّ حقيقيّا تحقيقيّا على الحقيقة ، بمعنى أنّه لاصفة له في نفس الأمر سوى العلم . وإنّما يصحّ إضافيّا ردّا على من يزعم أنّه جاهل ، أو يردّده بين العلم والجهل ، ويعتقده عالما أو شاعرا مثلاً . فأنت تثبت العلم وتَنفي غيره ممّا يظنّه مخاطبك .
أو حقيقيّا ادّعائيا لما أنّك تجعل سائر الصفات بمنزلة العدم فتدّعي أنّه لاصفة له غير العلم .
أو تحقيقيّا لاعلى الحقيقة ، بل على مذهب المبالغة ، كأنّك تقول : إنّه من كمال علمه كأنّ نفس حقيقته وجوهر ذاته وجميع صفاته العالمُ . فكأنّه عينُ مجرّد العالم لاغير .
وكذلك : «لاصلاة إلاّ باقترانها بطهور» إمّا حصر بالإضافة إلى عدم الطهور ؛ ردّا على من يتوهّم أنّ الصلاة تصحّ إذا استجمعت سائر الشرائط غير الطهور ، أو ادّعائي ؛ تنزيلاً لسائر الشروط بالنسبة إلى الطهور منزلةَ العدم ، أو للمبالغة في افتقار الصلاة إلى الطهور ، كأنّها من كمال الافتقار وشدّة الاحتياج إلى الطهور لامجال لها لأنْ تفتقر إلى غيره ، كما قول القائل : «لاقضاء إلاّ بالعلم والورع» مفاده العرفي أنّ الشرط الأعظم في القضاء هو العلم والورع كأنّه لايحتاج إلاّ إليهما ، إمّا لأنّهما أقوى الشروط ، أو لأنّه ـ من شدّة الاحتياج إليهما ـ لايتفرّع ۱ للافتقار إلى غيرهما ، فليُفْقَه .

1.كذا . لعلّه : لايتفرّغ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    الاولی
    پیوند معرفی کتاب :
    http://www.hadith.net/post/49603
تعداد بازدید : 91805
صفحه از 360
پرینت  ارسال به