ثمّ قد احتجّوا أيضا بأنّ بين الحكم بالنفي ، والحكم بالإثبات واسطةً ، وهي عدم الحكم . فمقتضى الاستثناء بقاء المستثنى غيرَ محكوم عليه ، لا بالنفي ولا بالإثبات .
ويقال : إنّه يقلب عليهم في الاستثناء من الإثبات ، فيلزم أن لايكون نفيا للواسطة ، وقد صحّ الوفاق على ذلك فيبطل الاحتجاج .
قيل : المشهور من كلام الشافعيّة أنّ ذلك وفاق وإنّما الخلاف في كونه من النفي إثباتا .
والمذكور في كتب الحنفيّة أنّه ليس من الإثبات نفيا ولامن النفي إثباتا ، بل هو تكلّم بالباقي بعد ۱ الثُنْيا ، ۲ ومعناه أنّه أخرج المستثنى وحكم على الباقي من غير حكم على المستثنى ، ففي مثل : «عليّ عشرة إلاّ ثلاثة» لاتَثبت الثلاثة بحكم البراءة الأصليّة ، وعدمِ الدلالة على الثبوت لابسبب دلالة اللفظ على عدم الثبوت . وفي مثل :«ليس عليّ إلاّ سبعة» لايثبت شيء بحسب دلالة اللفظ لغةً ، وإنّما يثبت بحسب العرف وطريق الإشارة كما في كلمة التوحيد ، حيث يحصل الإيمان بها من المشرك ومن القائل بنفي الصانع ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ بحسب عرف الشارع .
ويأوّلون كلام أهل العربيّة ـ أنّه من الإثبات نفي ـ بأنّه مجاز تعبيرا عن عدم الحكم بالحكم بالعدم ؛ لكونه لازما له . لكن إنكار دلالة : «ما قام إلاّ زيد» على ثبوت القيام لزيد يكاد يلحق بإنكار الضروريّات ، وإجماعُ علماء العربيّة على أنّه من النفي إثبات لايحتمل التأويل .
وفي الشرح العضدي محاولة التوفيق بين كلامهم وكلام أصحاب العلوم اللسانيّة ، بما تلخيصه على تقرير شارح الشرح : أنّ الخبر يدلّ على نسبة نفسيّة ، لها متعلَّق يعبّر عنه بالنسبة الخارجيّة الواقعة في نفس الأمر ، فإن اعتبرت دلالته على النسبة الخارجيّة الواقعة في نفس الأمر ، فلا نفي ولا إثبات في المستثنى ـ أي لا دلالة في اللفظ على أنّ