259
إكليل المنهج في تحقيق المطلب

هذا القسم لذكر من يقبل روايته ويطلب من كان حاله ذلك عن هذا القسم .
وأنت ترى أنّ المصنّفين يتعهدون في فاتحة تصنيفهم بأُمور وقواعد يبتني عليها المباحث والأحكام ، ثمّ في تضاعيف المباحث يؤول الأمر إلى ما يلزمهم الخروج عن قواعدهم ولا يتيسّر لهم الخروج عن عهدة ما قرّروه أوّلاً ، و من ذلك قول الشيخ في عنوان الكتاب على ما في نقد الرجال :
فإنّي قد أجبت إلى ما تكرّر سؤال الشيخ الفاضل فيه من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن رسول اللّه وعن الأئمة عليهم السلام من بعده إلى زمان القائم عليه السلام ، ثمّ أذكر بعد ذلك من تأخّر زمانه عن الائمة عليهم السلاممن رواة الحديث أو من عاصرهم ولم يرو عنهم ۱ .
وخالف ذلك في مواضع كثيرة من ذلك عند ذكر القاسم بن عروة مرّة في باب أصحاب الصادق عليه السلامومرّة في باب من « لم » ۲ ، ومحمّد بن عيسى اليقطيني مرّة في باب أصحاب الرضا عليه السلامومرّة في باب أصحاب الهادي عليه السلام ، ومرّة في باب أصحاب العسكري عليه السلام ومرّة في باب من « لم » ۳ ، فمرادهم أنّ الأصل في وضع كتابهم ذلك وأنّهم لا يخرجون عنه بغير ضرورة .
ونقول فيما نحن فيه : إنّ في رجال أصحابنا الثقات من اُسند إليه الآراء الفاسدة صريحا كالغلوّ ونحوه ، والنجاشي ـ ولا شكّ أنّه أثبت من غيره ـ يكرّر منه القول فيهم بأنّ رواياته لا تدلّ على ذلك ، وفي كلام الشيخ في حقّ كثير : أنّه ثقة واقفي ، أو فطحيّ ، أو نحو ذلك ، والنجاشي وثّقه بقول مطلق .
ومنهم من ليس فيه تعديل من أهل الرجال صريحا إلاّ أنّه وجه من وجوه أصحابنا وعين من عيونهم .
ومنهم من فيه الاختلاف الشديد من أصحاب الرجال من جهة اختلاف الروايات واختلاف أقوال الرجال بحيث لا يتيسّر الحكم بشيء .
ومنهم من وقع فيه رواية يشكل الأمر فيها من جهة الدلالة ، وربّما فهم بعضهم أنّها تدلّ على تعديله ، وعند آخرين أنّها قاصرة عن ذلك ، وربّما يقوي الدلالة في وقت في بادي النظر ويضعف في وقت آخر كمحمد بن عيسى في ترجمة بكر بن محمّد الأزدي وفي ترجمته ، وغير ذلك من الاُمور الواردة في محالها .
وطريق الخلاص في جميعها أن يراعى الأصل والقاعدة الموضوع عليها الكتاب مهما أمكن ، ثمّ رعاية القريب إليها والمناسبة على بعض الوجوه ، فيبحث عن حال الرجل في الباب اللائق بحاله ، والاعتراض في أمثال ذلك وتكرّره والمبالغة في ذلك بعيد عن تحقيق الحقّ وخارج عن مسلك السداد .
ويأتي النقل عن الشهيد الثاني في عمر بن حنظلة : (ولكن الأقوى عندي أنّه ثقة لقول الصادق عليه السلامفي

1.رجال الطوسي ، ص ۱۷ .

2.رجال الطوسي ، ص ۲۷۳ ، الرقم ۵۱ ، وص ۴۳۶ ، الرقم ۸ .

3.رجال الطوسي ، ص ۳۶۷ ، الرقم ۷۷ ؛ وص ۳۹۱ ، الرقم ۱۰ ؛ وص ۴۰۱ ، الرقم ۳ ؛ وص ۴۴۸ ، الرقم ۱۱۱ .


إكليل المنهج في تحقيق المطلب
258

فقد استبان ممّا ذكرنا وما في مواضع من « صه » أنّ الرواية مقبولة عنده إذا كان رواتها عدلاً ، وأنّ الأصل في قبول الرواية ذلك ويردّ رواية الرجل أو يتوقّف فيها بحسب مراتب قوّة الرجل إذا لم يبلغ أدلّة حسن حاله ذاك المبلغ ، إلاّ أن يكون الرجل ذا قوّة عظيمة كعلي بن الحسن وأمثاله ، فإنّه حينئذٍ يقبل روايته ، ولذلك يصحّ أن يقول في دليل حال الرجل : هذا ليس من الدلائل على التعديل ، كما يصحّ أن يقول : أعتمد على روايته وإن كان مذهبه فاسدا .
ثمّ إن كان دليل حسن حال الرجل قويّا بحيث يصلح أن يكون مرجّحا كما في ترجمة حماد السمندري وفي ثوير بن أبيفاخته يصحّ عنده التوقف فيه وربّما ذكره في القسم الأوّل لذلك ، وإلاّ يقول بردّها ولم يذكره في هذا القسم إلاّ بوجه من الوجوه كما سنذكره .
ثمّ لا يخفى أنّ الرجل قد يقبل روايته لتوثيق بعض من لا عبرة بمذهبه كابن عقدة وابن نمير والبخاري وأضرابهم لوجه من الاعتبارات وتعديل غير الإمامي إذا كان ثقة جليلاً لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد ، فإنّ الفضل ما شهدت به الأعداء .
نعم جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به وإن كان الجارح ثقة .
وبالجملة العبرة تدور بالاعتبارات ، ولذلك من يعتبر قوله في موضع ، قد يردّ في موضع آخر ، وقس على ذلك ما يتراءى من قبول الرواية فيما كان الراوي يشهد لنفسه في روايته ، ويدور تحقيق ذلك كلّه على ما في الإكليل في عنوان عبدالسلام بن صالح عند قولنا : ( وعن زرعة صحيح ) .
ونقول في المقام الثاني : إنّ المقصود من القسم الأوّل ووضعه أن يذكر فيه من يقبل روايته ، ولا يلزم من ذلك التزام أنّ كلّ الداخل في هذا القسم حاله ذلك ، ومن هذا الباب أنّ وضع الخلاصة أن يذكر فيه من يكون ممدوحا أو مذموما ، وهو قد يذكر فيه المجهول .
وقال في باب الفضل : الفضل بن غياث من أصحاب الباقر عليه السلام ، مجهول ۱ ، وكذا في عبدالرحمن بن زرعة ۲ . ومن المعلوم أنّه لم يذهب عنه وضع كتابه ، وفي يزيد بن نويرة : إنّما ذكرت هذا الرجل هنا لشرفه وكون القضية مقتضية لعلوّ شأنه ، وهي وإن كانت مرسلة لا تقتضي إدخاله في هذا القسم لأنّ رواية هذا الرجل للأحكام الشرعيّة غير موجودة فيما نعلم ، فلا يضرّ ذكره هنا مع التنبيه على ذلك ، انتهى .
فقد استبان من ذلك أنّه قد يذكر من لا يقبل روايته في هذا الباب لكون ذكره فيه أولى وأنسب باعتبار بعض الاُمور حتّى أنّ مدح الرجل في الجملة مرجّح لإيراده فيه باعتبار عدم وجود الرواية عنه ، فوضع

1.خلاصة الأقوال ، ص ۲۴۶ ، الرقم ۱ ؛ وفيه : فضيل بن غياث .

2.خلاصة الأقوال ، ص ۲۳۹ ، الرقم ۱ .

  • نام منبع :
    إكليل المنهج في تحقيق المطلب
    سایر پدیدآورندگان :
    الحسيني الاشكوري، سيد جعفر
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 56597
صفحه از 647
پرینت  ارسال به