337
إكليل المنهج في تحقيق المطلب

وتحقيق المقام : أنّ الطبيعة الإنسانيّة والجبلّة البشريّة تقتضي حدّا لو بلغ المعاشرة والتفتيش إلى ذلك الحدّ ، يعلم غالبا كون الرجل ثقة ، والمعاشرة قد تكون مع شخص الرجل من جهة أقواله وأفعاله وأعماله ، وقد تكون مع غيبته ـ ولو بموت ـ من جهة الاطّلاع بأقواله وأفعاله وأعماله ، وفي زمن النجاشي والشيخ الطوسي وابن الغضائري وأضرابهم لوجود كتب الأصحاب بينهم ، كان يمكنهم الاطّلاع بحالهم من جهة ما في كتبهم ، فإنّ هذا الاطّلاع أيضا كان نوع معاشرة معهم ، فحيث كان متون رواياتهم موافقة للمذهب مطابقة للأحكام المشتملة عليها الاُصول المحكوم بصحّتها من غير اشتمال على غلوّ وتخليط ومناكير وغرائب وما يوافق مذاهب أهل البدع وأهل الخلاف وكان غيرهم من أصحاب الكتب ناقلين أخبارهم في أبوابهم ، كان ذلك كلّه دليلاً واضحاً على ثقتهم وضبطهم من جهة المعاشرة ، ومن أنكر ذلك فقد استحال استعلام حال الرواة بالمعاشرة ، وهذا مرادهم من قولهم : فلان صحيح الرواية ، أو ثقة في الحديث ، أو كتبه من الصحاح وغير ذلك .
وأمّا في زمن العلاّمة ومن قاربه حيث ذهب أكثر الكتب وتغيّر طريق العمل ولم يكن الأمر على مراجعة الكتب ومقابلة الاُصول ، واختلفت طريقهم طريقة السلف ، وكان جلّ نظرهم إلى الكتب الفقهيّة والفتاوى واشتغالهم بها ، ذهب الاطّلاع بحال الرجال من هذا الوجه ، وبقي حكمهم بحالهم مصروفا على تقليد محض واجتهاد صرف ، ولذلك لا يطمئن القلب على توثيقهم من جهة سلوكهم استعلام حال الرجال ، والمتأخّرون كلّهم سواء في ذلك ، وللعلاّمة ونحوه طريق إلى معرفة حال من قاربهم من المشايخ ومن ذكر في طرق الكتب إليهم .
نعم ؛ نحن نعلم أنّ الرؤساء بعد الغيبة وضعوا اصطلاحات بحسب ما يوافق رأيهم في تصحيح الكتب كما ذكرنا في عنوان محمّد بن أحمد بن يحيى ، وذلك كلّه كان اجتهادا منهم ، ولذلك آل الأمر إلى الاجتهاد في الكلّ والتبس الأمر في الكلّ ، فقبول التوثيق عن العلاّمة وغيره كالنجاشي والشيخ وغيرهما على السواء .
والذي يدلّ على توثيق ابن الغضائري عند العلاّمة أنّه قد يذكر قوله من غير إسناد إليه ، ومن ذلك ما قال في عبداللّه بن بحر : في « صه » ، وفي نقد الرجال : عبداللّه بن بحر كوفي ، روى عن أبيبصير والرجال ، ضعيف مرتفع القول « غض » ۱ ، وفي عبداللّه بن الحكم : وفي « صه » ... إلى آخر الترجمة ، وفي نقد الرجال : ضعيف مرتفع القول « غض » ۲ ، وفي عبداللّه بن سالم : في « صه » ، وفي نقد الرجال :

1.نقد الرجال ، ج ۳ ، ص ۸۷ ، الرقم ۴۵ ؛ الرجال لابن الغضائري ، ص ۷۶ ، الرقم ۱۱ .

2.نقد الرجال ، ج ۳ ، ص ۱۰۰ ، الرقم ۹۵ ؛ الرجال لابن الغضائري ، ص ۷۶ ، الرقم ۹ .


إكليل المنهج في تحقيق المطلب
336

مرسلة ، فلا تعارض التوثيق لعدم العلم بالقائل ، ولا وجه لعدّ الرجل في قسم الضعفاء .
فإن قلت : مقتضى عدّ العلاّمة الرجل في قسم الضعفاء قبول قول ابن الغضائري ، وحينئذٍ يكون توثيقا له ، والجرح مقدّم على التوثيق كما قرّر في موضعه .
قلت : لهذا الكلام وجه وكثيرا ما يخطر بالبال ، حيث إنّ المتأخّرين يردّون قول ابن الغضائري بجهالة الحال ، ويقبلون قول العلاّمة في التوثيق ، واحتمال غفلة العلاّمة عن حال ابن الغضائري لا وجه له ، بل لا ينبغي ذكره .
نعم ؛ الحقّ ما قرّره الوالد قدس سره مشافهة من أنّ العلاّمة لا يعتمد على توثيقه لما يعلم من حال الخلاصة أنّه أخذها من كتاب ابن طاوس ، وأوهام ابن طاوس كثيرة كما نبّه الوالد قدس سره في حواشي كتاب ابن طاوس ، وحينئذٍ فالتوثيق إذا كان من المتقدّمين اطمأنّت النفس إليه .
والحال أنّ توثيق ابن الغضائري ـ وهو أحمد بن الحسين ـ غير معلوم من كتب المتقدّمين ، فإن قلت : أيّ فرق بين العلاّمة والشيخ والنجاشي لأنّهم لم يشاهدوا الرجال المذكورة في كتبهم ، واحتمال السهو قائم في الجميع ؟ قلت : الفرق يظهر بملاحظة الكتب ، فإنّ ذلك أعدل شاهد على ما ذكرناه « م د » .
مضى ذكر ابن الغضائري في مواضع منها : في عنوان إبراهيم بن عمر اليماني ، وفي كلام « جش » : « وقد قيل : فيه تخليط » ، وليس الأمر كما ظنّ المحشّي « م د » في أمر العلاّمة آية اللّه في العالمين ، ولعلّه اشتبه قول الوالد عليه ولم يتحصّل مراده ، أو كان كلامه في محل معيّن وواحد من الرجال ، ومن المعلوم أنّ الخلاصة كالشرح للنجاشي وأنّ عباراتها عين عبارات النجاشي ، وصرّح الشهيد الثاني بذلك في ترجمة عبداللّه بن ميمون .
والعجب أنّ العلاّمة في « صه » لم يذكر شيئا يخالف ما ذكره الأصحاب موافقة لابن طاوس إلاّ في عبداللّه بن الفضل بن عبداللّه [ بن ] ببة كما يأتي في الإكليل في محلّه ، وهذا دليل واضح على أنّ المحشّي لم يتحصّل مراد الوالد .
وبالجملة القول بأنّ العلاّمة لا يعتمد على توثيقه من الأوهام ، وليت شعري هل كان حال سيّدنا الطاهر الإمام المعظم فقيه أهل البيت السيد بن طاوس قدس سره بحيث إنّ الآخذ من كلامه وكتابه لا يعتمد على توثيقه ، بل العلاّمة يلاحظ كتب أصحاب الفنّ كلّهم سواء ، إلاّ أنّ النجاشي عنده أثبت من غيرهم ، ولذلك ركونه على ما ذكره النجاشي أكثر ، ويعتمد على تحقيقه بحسب ما لا يعتمد على غيره ، وكتبهم شاهد صدق على ذلك ، والمعاصرون للعلاّمة ومن قاربه كلّهم داخلون في حزب العلاّمة وليس لهم قول ، بل كلّهم تابعون للأوائل ، وتحقيقات العلاّمة ورأيه الصائب وجودة ذهنه الوقّاد ليست ممّا يخفى على أحد .

  • نام منبع :
    إكليل المنهج في تحقيق المطلب
    سایر پدیدآورندگان :
    الحسيني الاشكوري، سيد جعفر
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 57058
صفحه از 647
پرینت  ارسال به