قال ثقة الإسلام طاب ثراه:
فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلَا بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَبَ أَنَّهُ لَابُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ ، كَامِلِ الْالَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ .
فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ الْفَطِنُ ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ ، الْعِلْمُ بِالدِّينِ ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللّه ُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً ، وَالتَّكْلِيفُ لَازِما ، وَالْعُمْرُ يَسِيرا ، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ .
الهديّة الثامنة:
(بقاؤهم) أي بقاء أهل الصحّة والسلامة بصلاح معاشهم.
(من مؤدّب) من الحقّ.
(ودليل) إلى الحقّ.
(ومشير) إلى الخير، وحسن العاقبة لصلاح المعاش والمعاد.
(وآمر) بالمعروف.
(وناهٍ) عن المنكر.
وطريقة مستقيمة بتعريفهم وتعليمهم إيّاها، وسؤاله المتشابهات، ومسألته الأحكام عنهم.
(فأحقّ ما اقتبسه العاقل) أي بعدما أعطاه اللّه من المعرفة الفطريّة الحاصلة بالشواهد الأوّليّة للربوبيّة من الأرض والسماء وما بينهما من سائر الآثار العجيبة المعلنة، والصنايع الغريبة المتقنة. وأوّليتها بالنسبة إلى خواتيم شواهد الربوبيّة من الحجج المعصومين ودلالاتهم، والكتب الإلهيّة وآياتها.
(العلم بالدِّين) أي المعرفة الدينيّة، وهي (معرفة ما استعبد اللّه به خلقه من توحيده) على ما عرّف به نفسه، بحيث لا يتمّ إلّا بمعرفة الرسالة والإمامة.
(إذا كانت الحجّة ثابتة). ناظر إلى ما سبق من قوله طاب ثراه: «فوجب في عدل اللّه جلّ وعزّ وحكمته أن يخصّ» إلى آخره.
(والتكليف لازما) إلى مثل قوله : «فندبهم إلى معرفته».
(والعمر يسيرا) تشييد لتأثير النصيحة والموعظة، وإيقاظ للنائم من نوم الغفلة عن قِصَر العمر في دار العمل، وطول زمان الخلود في دار المكآفأة.
(والتسويف غير مقبول)؛ لما ذكر.
قال برهان الفضلاء:
«صحيح الخلقة»، عبارة عن المقابل للتكليف من جملة الرعيّة. وكلّ من «المؤدّب» و«الدليل» و«المشير» و«الآمر» و«الناهي» عبارة عن الإمام العالم بجميع الأحكام في كلّ زمان، نبيّا أو وصيّا .
و«الإشارة»: إخراج العسل من الكندوج، استُعيرت هنا لبيان الأدب الخالص.
و«الأدب» و«التعليم»: إشارة إلى قسم من الأدب، وهو الذي علّم قبل السؤال بمحكمات الكتاب.
و«السؤال» و«المسألة»: إلى قسم آخر من الأدب، وهو الذي ليس في محكمات الكتاب، وعِلْمُه يحتاج إلى سؤال أهل الذِّكر.
و«المسألة»: مصدر ميمي، من باب مَنَع بمعنى التوقّف عند السؤال لفهم المسؤول عنه حَسَنا.
و«الفاء» في «فأحقّ» للتفريع.
و«إذ كانت الحجّة»: تعليل للأحقّية المذكورة.
وقال الفاضل الاسترآبادي: «وجب أنّه لابدّ لكلّ صحيح الخلقة» الدلالة على بطلان الاجتهاد الظنّي. ۱
فإن أردت البيان لإجماله، فخُذ معيارا ممّا بيّناه في الهدية الاُولى بعد نقل كلام برهان الفضلاء وحكايته كلام شيخ الطائفة في كتاب عدّة الاُصول.