159
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
158

الهديّة التاسعة:

كاد أن توجب هذه الفقرات خاصّة القطع بأنّ خطبة الكافي من أمالي الصاحب عليه السلام ، كما يوجب ساير فقراتها ظنّا بذلك. وإنّما الشرط من اللّه جلّ ذكره على خلقه فيما ذكر كما ذكر؛ لأنّ عظمته جلّت جلالته لن ترضى إلّا بأن يُخبر عباده بما يحصل لهم به المعرفة الدينيّة بحيث يكون اعتقاد الجميع بجميع ضروريّات الدِّين على السواء، كالشمس بالنظر إلى جميع الأنظار، فكما أنّ الشمس في كلّ نظر خال عن الآفة هي بعينها في جميع الأنظار السليمة، كذلك الاعتقاد بضروريّات الدِّين لجميع المؤمنين ، ولذا اعتقاد أبناء السبع منهم بتسوية الأرض بزلزلة الساعة ـ مثلاً ـ بحيث يرى من في المغرب البيضة التي في المشرق كما سمعوا من آبائهم ومعلّميهم هو بعينه أصل اعتقاد السبعين منهم وإن كانوا فضلاء متبحّرين. وهل تفاوت عند المؤمنين صبيانهم وكبرائهم، مبتديهم ومنتهيهم في الاعتقاد بجسمانيّة نكير ومنكر وعموديهما الموصوفين، وسؤالهما عن الربّ تعالى، والنبيّ، والإمام، والكتاب وغير ذلك، وإحياء الميّت في القبر وجلوسه حيّا، ثمّ قبضه ثانيا، والحشر الجسماني لجميع الأوّلين والآخرين، والميزان والصراط الجسمانيّين ۱ ، وتطاير الكتب الجسمانيّة، وكذا النار ودركاتها بعقاربها وحيّاتها ، والجنّة بدرجاتها وحورها وقصورها وعيونها، وغير ذلك ممّا لا عين رأيت ولا اُذن سمعت؟! ۲
ولانحصار القطع بحقّيّة حكم ممّا يجري فيه الاختلاف وفي دليله بلا مكابرة في حكم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام في مدبّره سبحانه، انحصر حصول المعرفة الدينيّة على «علمٍ ويقين وبصيرةٍ» في الفرقة الإماميّة، بطاعة مفترض الطاعة، وهو الذي لعصمته وامتيازه عن الجميع في جميع المكارم، ودلالات حجّيّته، ومعجزات حقّيّته لا يتطرّق الشكّ إلى حكمه أصلاً، فيكون المؤدّي للفرائض بطاعته وحكمه «محمودا عند ربّه، مستوجبا لثوابه وعظيم جزائه»؛ لأنّه الذي يؤدّي بعلمٍ ويقين وبصيرةٍ.
أمّا الجاهل بالحجّة المعصوم فلا يؤدّي إلّا على شكّ وشبهة؛ لامتناع أن لا يتطرّق إلى مثله الشكّ؛ لما صحّ من الانحصار المذكور بالإجماع الحقّ من غير المكابرين، والشاكّ لا يكون له ممّا ذكر مثل ما يكون من العالم المستيقن، وقد قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الزخرف: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»۳ .
(والأمر في الشاكّ المؤدّي بغير علم وبصيرة إلى اللّه عزّ وجلّ): جواب عن سؤال مقدّر ينبغي الجواب عنه؛ لكثرة خطوره على الأفكار في أكثر الأعصار، أو عن سؤال محقّق في جملة شكاية ذلك الأخ إلى ثقة الإسلام ومسائله عنه طاب ثراه. وهو مثل، فما أمر أكثر الناس في أكثر الأعصار وهم منتمين ۴ إلى الإماميّة بإيمانهم بولاية الاثني عشر عليهم السلام وإنكارهم الفلان والفلان والفلان، إلّا أنّهم متوقّفون في طعن طائفة من مشائخ وكبراء الصوفيّة القدريّة ولَعنِهم؛ لجهلهم بأصل طريقتهم، المحفوف بفنون خادعة ورسوم رائعة من خدع الشيطان بفكره في أواخر عمره، وميلهم بالاستحسان إلى ظواهر من مخادعتهم في الأقوال، ومطايبتهم في الأمثال، ومجاهدتهم في الأعمال، وإلى هذا صرّح طاب ثراه بقوله بعد : «لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء مالَ معه، وكلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قَبِله».
وخلاصة الجواب: أنّ مثل المنتمي الموصوف منتحل شاكّ لا يؤدّي ما عليه بعلمٍ ۵ ويقين وبصيرة فأمره إلى اللّه عزّ وجلّ، وللّه فيه المشيئة، إن شاء تفضّل عليه بالتوفيق للتوبة وقبول توبته فقبل عمله، وإن شاء ردّ عليه بالخذلان ؛ لأنّ الشرط على كلّ شيعة من اللّه في الميثاق أن يؤدّي ما عليه بعلمٍ وبصيرة ويقين كما حكم به الحجّة المعصوم المبين.
وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة». ۶
وقال الهادي أبو الحسن الثالث عليه السلام : «إنّ أخسّ الطوائف: الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة»، ۷
الحديث. وقد ذكر في أواخر الهديّة الاُولى.
وإلّا فكان ممّن وصفه اللّه تعالى في سورة الحجّ فقال تبارك وتعالى: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَى حَرْفٍ»۸ الآية، أي على شكّ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «نزلت هذه الآية في قوم وحّدوا اللّه وخرجوا من الشرك، ولم يعرفوا أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه ، فهم يعبدون اللّه على شكّ في محمّد وما جاء به صلى الله عليه و آله ، فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا: ننظر، إنّ كثرت أموالنا وعوفينا في أبداننا ۹ وأولادنا علمنا أنّه صادق وأنّه رسول اللّه ، وإن كان غير ذلك نظرنا، فأنزل اللّه تعالى: «فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ» مشركا يدعو غير اللّه ويضلّ. ومنهم مَن عرف فدخل الإيمان على قلبه، فهو مؤمن مصدّق ونزوله عن منزلته من الشكّ إلى الإيمان . ومنهم من يلبث على شكّه. ومنهم مَن ينقلب إلى الشرك». ۱۰
(وقد قال العالم عليه السلام )، يعني الكاظم، أو الصاحب عليهماالسلام ، أو واحدا من الأئمّة عليهم السلام : (مَن دخل في الإيمان بعلم) الحديث، أي في التشيّع، بعلمٍ ويقين لا يجري فيه الشكّ أصلاً كما وصف.
(وقال عليه السلام : مَن أخذ دينه من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ) الحديث، أي من محكمات الكتاب، أو من كتاب اللّه الخاصّ علمه بقيّميّة المعصومين، وسنّة نبيّه المحفوظة المضبوطة بأوصيائه المنصوصين صلوات اللّه عليهم.
(وقال عليه السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن) أي فرض طاعتنا من محكمات القرآن، أو من القرآن المخصوص علمه بالحجّة المعصوم المنصوص؛ لم يتباعد عن الفتن ومضلّاتها، كالمنتمي إلى الإماميّة وهو شاكّ في بطلان طريقة التصوّف، ومتوقّف في طعن أهله ولعن طواغيتهم ومشايخهم لعنهم اللّه .
«تنكّبه» على المعلوم من التفعّل: تجنّبه وتباعد عنه.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
و«الشرط من اللّه جلّ ذكره»: عاطفة على جملة «كانت الحجّة»، أو حاليّة.
والمراد بالفرائض هنا: الواجبات التي أوعد اللّه تعالى على تركها بالنار.
وب «العلم»: القطع ببراءة الذمّة من الفريضة، فلا ينافي جواز العمل بالخبر الواحد بشروطه المقرّرة؛ فإنّ البرهان الدال على جوازه يفيد العلم ببراءة الذمّة به. وهذا احتراز عن التأدية ظنّا ببراءة الذمّة، كطاعة واحدٍ من المدّعين للإمامة من دون علمٍ بأنّه بخصوصه مفترض الطاعة، وكتأدية صيام شهر رمضان بلا صيام يوم الشكّ، وبلا دليل من الخارج دالّ على الإجزاء.
وذكر اليقين بعد العلم، إشارة إلى أنّ العلم قد يُطلق على الأعمّ من اليقين والظنّ، وليس المراد هنا.
وذكر البصيرة بعد اليقين إشارة إلى أنّ اليقين قد يُستعمل فيما صاحبهُ معرضٌ عن مقتضاه، كما في آية سورة النمل: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ»۱۱ ، وليس المراد هنا .
فظهر أنّ عطف اليقين والبصيرة من قبيل عطف التفسير؛ لأنّ «الذي يؤدّي بغير علم وبصيرة» استدلال بدليل عقلي على الشرط المذكور.
و«الباء» في «بغير علم» للسببيّة. والمراد «بغير العلم» القدر المشترك بين الظنّ، والتقليد، واعتقاد المبتدي.
وصدر الآية في سورة الزخرف: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَا»۱۲ الآية. ولا يخفى ما في هذه الآية من الدلالة على أنّ العمل بفتوى رجل من الرعيّة على ثلاثة أقسام: الأوّل: أن لا يكون الفتوى من اليقين بالحكم الواقعي. والثاني: أن يكون من اليقين به مع تجويز السائل خلافه، والثالث: أن يكون من اليقين به مع علم السائل بأنّه من اليقين به . والفتوى على الأوّلين لا يقبل ولا يجوز العمل به بخلاف الثالث، فإنّه يقبل ويجوز العمل به.
وأشار المصنّف طاب ثراه بذكر آية سورة الحجّ: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَى حَرْفٍ» الآية، إلى أنّ أهل الشكّ لهم خطران: أحدهما: في الدنيا، والآخر. في الآخرة، وأهل الشكّ على ثلاثة أقسام؛ فإنّ المكلّفين في كلّ زمانٍ إمّا المؤمنون حقّا و «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» في الفاتحة عبارة عنهم. وإمّا الكافرون قلبا، سواء كان جحدهم لسانا أيضا أو لا، كالمنافقين و «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» فيها عبارة عنهم. وأمّا الواسطة بين المؤمنين والكافرين والضالّين عبارة عنهم. والضّالون قسمان: أهل الشكّ، وغير أهل الشكّ. والأوّل أقسام ثلاثة : من يعبد اللّه على حرفٍ، والمُعارون، والمؤلّفة قلوبهم. والثاني، يعني غير أهل الشكّ من الضالّين أقسام أربعة: أهل خلط العمل الصالح بالعمل السيئ، والمُرْجَون لأمر اللّه ، والمستضعفون، وأصحاب الأعراف.
وسيبيّن تداخل بعض هذه الأقسام في بيان الأوّل والثاني في الباب الرابع والستّين والمائة من كتاب الإيمان والكفر، كبيان الأقسام السبعة للضالّين، كلٌّ في باب على حدة منه، إلّا أهل الخلط وذكرهم في باب أصحاب الأعراف، لما سيذكر هناك إن شاء اللّه تعالى.
والمراد من «العالم» في الأحاديث الثلاثة خصوص صاحب الزمان صلوات اللّه عليه بتوسّط السُّفراء أو مشافهة، أو المراد واحدٌ من الأئمّة عليهم السلام ، أو الكاظم عليه السلام .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«ومن الناس من يعبد اللّه على حرفٍ» أي على وجهٍ واحدٍ، كأن يعبدهُ على السرّاء لا الضرّاء، أو على شكّ، أو على غير طمأنينة. والحاصل: أنّه لا يدخل في الدِّين متمكّنا مستقرّا. ۱۳
وقال السيّد الداماد ثالث المعلّمين قدس سره:
«وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ»۱۴ ، «الحرف» في الأصل: الطرف والجانب، وبه سمّي حروف التهجّي، أي على حرف من الاعتقاد يُميله كلّ مميل، ويُزعجه كلّ مُزعج، لا قارّ البصيرة، ثابت التبصّر على حاقّ اليقين، ومستقرّ العلم، ومتن العقل المضاعف كالجبال الرواسي، فلا يستطيع أن يقلقله صوت هايل. ولا أن يزلزله ريحٌ عاصف. ۱۵

1.في «الف»: «الجسماني».

2.اقتباس من المرويّ في الفقيه، ج ۱، ص ۲۹۵، ح ۹۰۵.

3.الزخرف (۴۳): ۸۶ .

4.في «ب» و «ج»: «منتهين».

5.في «ب، ج»: «بعين».

6.التوحيد، ص ۳۸۲، باب القضاء والقدر و..، ح ۲۹؛ بحارالأنوار، ج ۵ ، ص ۶ ، ذيل الحديث ۴؛ سنن أبي داود، ج ۲، ص ۶۳۴ ، ح ۴۶۹۱.

7.حديقة الشيعة، ص ۶۰۲ ـ ۶۰۳ ؛ ورواه عن قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص ۱۲۹.

8.الحجّ (۲۲): ۱۱.

9.في المصدر : «في أنفسنا».

10.تفسر القمّي، ح ۲، ص ۷۹، ذيل الآية ۱۱ من الحج (۲۲).

11.النمل (۲۷): ۱۴.

12.الزخرف (۴۳): ۸۶.

13.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۳۷.

14.الحجّ (۲۲): ۱۱.

15.الرواشح السماوية، ص ۵۹.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 114231
صفحه از 644
پرینت  ارسال به