299
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
298

الحديث الثلاثون ۱

۰.روى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :«مَنِ اسْتَحْكَمَتْ لِي فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ ، احْتَمَلْتُهُ عَلَيْهَا ، وَاغْتَفَرْتُ فَقْدَ مَا سِوَاهَا ، وَلَا أَغْتَفِرُ فَقْدَ عَقْلٍ وَلَا دِينٍ ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الدِّينِ مُفَارَقَةُ الْأَمْنِ ، فَلَا يَتَهَنَّأُ بِحَيَاةٍ مَعَ مَخَافَةٍ ، وَفَقْدُ الْعَقْلِ فَقْدُ الْحَيَاةِ ، وَلَا يُقَاسُ إِلَا بِالْأَمْوَاتِ» .

هديّة :

«أحكمت الأمر فاستحكم»: صار محكما . والمستحكم بكسر الكاف : المحكَم بفتحها ، فإن صحّ استحكام الشيء بمعنى إرادة إحكامه صحّ المستحكم ـ بفتح الكاف ـ فيجري الوجهان في (استحكمت). والمعنى على التقديرين : من صارت لي فيه خصلة من جنود العقل مستحكمة بحيث تصير خُلقا له ومَلكة راسخة فيه كما في الخليق والسخيّ .
و(لي): دلالة على أنّ المراد ب «من» من أظهر ولايته عليه السلام .
(احتملته عليها) أي قبلته لأجلها بأنّه من شيعتي ، ورحمتُه في الدنيا ، وشَفَعتُ له في الآخرة .
(واغتفر فقد ما سواها)؛ يعني إذا كان ذا عقل قاطع بحقّيّة دينه . وقد مرّ مرارا أنّ القطع لن يُحصل بدين إلّا عن الحجّة المعصوم العاقل عن الربّ الحكيم المنحصر فيه الأعلميّة بما دبّر في هذا النظام العظيم .
وفي عطف (ولا دين) إشارة إلى مضمون الحديث الثاني ، وفيه تخيير آدم عليه السلام بين العقل والحياء والدِّين ؛ لأنّ مفارقة الدِّين مفارقة الأمن الحاصل من القطع ، فلا يهنأ بحياة مع مخافة حاصلة من عدم اليقين ، ألا يُرى أنّ الجاحد لليوم الآخر على ما أخبر به الحجج عليهم السلام لا يمكنه نفي احتماله. ۲ ونِعمَ ما قيل : واي بر منكران آن ديوان كه ندارند تاب شايدان.
و«التهنّؤ» على التفعّل : صيرورة الشيء هنيئا ، أي (فلا يتهنّأ) شيء ۳ لمفارق الأمن بسبب حياة تكون مع مخافة من الضلال والعذاب. ويحتمل المجهول، فالباء للتعدية.
(وفقد العقل) أي العقل الموصوف ، وهو عقل الإيمان . (ولا يقاس) أي فاقده.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
«استحكمت» على المعلوم ، أي صارت ثابتة محكمة . «احتملته عليها»، أي عددته لأجلها من شيعتي .
«ولا أغتفر فقد عقل»، أي عقل مستلزم للدِّين .
«فلا يتهنّأ» على المعلوم ، والباء للملابسة.
وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله:
«الخصلة» ـ بالفتح ـ يستعمل في الصفات ، فضائلها ورذائلها ، واستعمالها في الفضائل أكثر. ويُقال: أحكمتها فاستحكمت ، أي صارت محكمة. والمراد صيرورتها مَلكة .
و«لي» باعتبار تضمين معنى الثبوت ، أو ما شابهه . «احتملته عليها»، أي احتملته كائنا عليها .
«واغتفرت فقد ما سواها» من خصال الخير ، وما آخذتُه بفقدها و ارتضيت بحاله هذه له . والحاصل تجويز نجاته بسبب الخصلة الواحدة .
والمراد بخصال الخير الخصال الذي من توابع الخير . وقد سبق أنّ الخير من جنود العقل وزيره ، فالعقل خارج من خصال الخير ، وكذا الدِّين ؛ فإنّه لا يُعدّ خصلة عرفا.
فالمعنى أنّ من وجدتُه ذا خصلة واحدة محكمة فيه من خصال الخير ، قبلتُه ورضيت باحتماله ، وتجاوزت عن فقد ما سواها. وأمّا العقل والدِّين فليسا ممّا يُكتفى بأحدهما عن الآخر ، أو يكتفى عنهما بغيرهما، بل إنّما يكتفى في القبول بالخصلة الواحدة من خصال الخير بعد العقل والدِّين كما قال عليه السلام : «ولا أغتفر فقد عقل ولا دين» .
ويمكن أن يجعل هذا القول قرينةً على كون المراد بخصال الخير ما عداهما.
ويحتمل أن يكون المراد بخصال الخير هنا ما يشتمل ۴ العقل والدِّين ، ويكون «ولا أغتفر» كالاستثناء.
ثمّ استدلّ على أنّ فقدان العقل والدِّين لا يغتفر، ولا يقبل فاقد أحدهما بقوله: «لأنّ مفارقة الدِّين مفارقة الأمن».
وهذا أقلّ مراتبه التي يجامع العقل التي هي الإقرار ظاهرا والتمسّك تكلّفا.
والمفارقة ۵ حقيقةً كالداعي بلا علم ، والمتّبع لغير العالم ، الآخذ معالم دينه من الجاهل، فمن كان كذلك كان خائفا ؛ لعدم علمه بإصابة ۶ الحقّ ، وإجابته لما دعي إليه، ومن كان كذلك يُخاف عليه أن لا يخرج من الدنيا إلّا بعد تسلّط الشيطان عليه ، واتّباعه لوساوسه المؤدّية إلى الكفر، نعوذ باللّه من شرّه.
«فلا يتهنّأ بحياة مع مخافة» . في المصادر : «التهنّؤ: گوارنده شدن». والبناء للمفعول والباء للتعدية.
ويمكن أن يكون المراد بالحياة هنا المعرفة المتعلّقة باللّه تعالى ، وبالنبيّ صلى الله عليه و آله ، وبالكتاب المجيد ، وحقّيّة الشريعة ، فمن لم يحصّل العلم بمعضلات ۷ الأحكام من مأخذه الذي ينبغي أن يأخذ منه ، وآثر اتّباع الجاهل ، وتَرَك اتّباع العالم ، كان مخافة أن يزول عنه حياته التي كانت له ، ومعرفته التي حصلت له .
«وفقد العقل فقد الحياة ؛ فإنّ حياة النفس بالعقل وبالمعرفة، كما أنّ حياة البدن بالنفس .
«ولا يقاس إلّا بالأموات»، أي لا يُقدَّر فاقد العقل إلّا على مثال الأموات؛ يُقال : قِسْتُ الشيء بالشيء إذا قدّرته على مثاله. ۸

1.في «الف»: - «الحديث الثلاثون».

2.في «الف»: «احتمال».

3.كذا في «ب» .

4.كذا في «ب» وفي المصدر : «يشمل» .

5.في المصدر : «والمفارق» .

6.في المصدر : «بإصايته» .

7.في المصدر : «بمفصّلات» بدل «بمعضلات» .

8.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۸۴ ـ ۸۶ ، بتفاوت في بعض الألفاظ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 116973
صفحه از 644
پرینت  ارسال به