317
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
316

هديّة :

لا شكّ أنّ المراد ب «الفقه» العلم بحكم ما يحتاج إليه في الدِّين، من العقائد والأعمال.
ووجوب التفقّه عامّ؛ لانحصار الأعلميّة، فالقطع بالحقّيّة والتفقّه، إمّا بلا واسطة، فهو عقل الحجّة المعصوم المحصور عددا عن اللّه سبحانه. أو بواسطة العاقل عن اللّه . أو بوسائط، كتفقّه العاقل عن العاقل عن العاقل عن اللّه .
والآية في سورة التوبة ۱ استشهاد للقسم الثاني والثالث؛ اكتفاءً بما يظهر منه جميع الأقسام. فنسبة التّارك عمدا إلى الأعراب وهم أشدّ كفرا ونفاقا ۲ كناية عن شدّة الجهل ، وإشارة إلى أنّه مع إظهاره الإسلام أقرب من الكفر منه إلى الإيمان فبحكم أسوء الجاهلين، والمفضي إلى الكفر هو الجهل، وصدر الآية: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا» الآية. والتالي صريح في أنّ المراد ترك التفقّه مع إمكان التحصيل بقدر الحاجة والوسع.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه :
«التفقّه» تفعّل، مطاوع التفعيل، يعني أخذ الفقه من أهله. و «الفقه» مصدر باب علم، وحسن، واسم المصدر أيضا، يعني العلم مع العمل به. فالفقه والفهم أخصّ مطلقا من العلم؛ إذ العلم بلا عمل لا يقال له الفقه والفهم.
والمراد بالدِّين طريق العبودية، وهو على قسمين: حقّ وباطل.
والدِّين الحقّ ما يكون موافقا لما أنزل اللّه على رسوله، وهو عبارة عمّا في محكمات القرآن، ومصرّح مكرّرا، كالنهي عن تبعيّة الظنّ، وعن الاختلاف في القضاء والإفتاء ظنّا. قال اللّه في سورة البقرة: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ»۳ ، وكان هذا النهي في شرائع جميع الأنبياء عليهم السلام . قال اللّه تعالى في سورة الشورى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّه ُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ»۴ ، وهو المسمّى بالصراط المستقيم في مواضع من القرآن العظيم.
و «الأعرابي»: نسبة إلى الأعراب، كالجنّ والجنّي. والمراد هنا صاحب الكفر والنفاق الذي شأن أكثر الأعراب.
وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه:
«فإنّ من لم يتفقّه في الدِّين». قد مضى وسيجيء أنّ الإنذار ـ أي دعوة الخلق إلى الإقرار بالوحدانيّة والرسالة وسائر الطاعات، وتعيين الإمام، وبيان ذلك وأدلّتها ـ إنّما هي على اللّه تعالى على لسان رسله.
والمراد هنا أنّ سائر الأفعال التي أوجبها اللّه كالوضوء، والصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يجب على الخلق طلب العلم بها بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام بواسطة أو بدونها. وأمّا الأحكام الشرعيّة [الوصفيّة] ۵ كحكم الشكّ في عدد الركعات، وحكم من زاد سجدة سهوا، وأحكام البيع، والنكاح، والميراث، والديات، والحدود، والقصاص. والاقتضائيّة التي هي تحريم بعض الأفعال ، كحرمة الغيبة، وشرب الخمر، وغير ذلك، فإنّما يجب طلب العلم بها عند الحاجة إليها.
وأمّا القول بأنّه يجب كفاية في كلّ قطر تعلّم كلّ ذلك فباطل؛ لتصريح الروايات بأنّه يمتنع أن يعلم كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة إلّا الجماعة المنصوبون من عنده تعالى لأجل ذلك ، وهم النبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وقد مهّدوا عليهم السلام لزمان الغيبة الكبرى كتبا مؤلَّفة بأمرهم عليهم السلام لتكون مرجع الشيعة في كلّ الأبواب؛ ففيها أنّ بعض الأبواب التي هي من خواصّ الحجج صلوات اللّه عليهم كإجراء الحدود، والدعوة إلى الدِّين، موقوف إلى ظهوره عليه السلام . والأبواب التي ليست كذلك وجدت فيها تصريحات بفتاويهم وأحكامهم عليهم السلام ولا يجوز العدول عمّا في تلك الكتب إلى خيالات أحدثوها علماء اُصول الفقه العامّة، كحجّيّة الإجماع ـ يعني اتّفاق ظنون جمعٍ، وكوجوب اتّباع ظنّ صاحب الملَكة المخصوصة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وككون المراد من اُولي الأمر السلطان ولو كان فاسقا، فيجب اتّباعه فيما حكم به من ضروريّات الدِّين أو ظنون المجتهدين، وكوجوب عالم بالكلام الذي هو مقتضى أفكار جمع من المعتزلة والأشاعرة؛ ليدفع شبه الملاحدة عن القواعد الدينيّة، وكالتمسّك بالأصل المبنيّ عند النظر الدقيق على خلوّ الواقعة عن حكم اللّه ، وكالتمسّك باستصحاب الحكم السابق في موضع مع حدوث حالة يمكن أن يتغيّر الحكم عند اللّه بسببه، وكالتمسّك بالملازمات المختلف فيها، وكالتمسّك بالقياس الغير المنصوص العلّة، وغير القياس بطريق الأولويّة، وغير ذلك
«فهو أعرابيّ» صريح في أنّه يجب كفاية أخذ كتب الأحاديث من أهلها، كما سيجيء تفصيله في باب الأخذ بالكتب. ۶ انتهى
تحقيق قوله: «وكوجوب اتّباع ظنّ صاحب الملكة المخصوصة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله »: أنّ صاحب المَلَكة المخصوصة إن كان إماميّا عدلاً ممتازا في العلم، فالرخصة له عنهم عليهم السلام في العمل بالظنّ فيما لو ترك للزم الحرج المنفي ثابت بالنصّ وإجماع الإماميّة في زمن الغيبة، وذكرهم عليهم السلام معالجات علّة الاختلاف في الأحاديث المضبوطة المتواترة عنهم عليهم السلام رخصة لصاحب الملكة الموصوف في الحكم القطعي بالظنّ فيما لو توقّف للزم الحرج المنفيّ بمحكم الكتاب والسنّة.

1.التوبة (۹): ۱۲۲.

2.اقتباس من الآية ۹۷ ، التوبة (۹).

3.البقرة (۲): ۱۵۹.

4.الشورى (۴۲): ۱۳.

5.أضفناه من المصدر.

6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۹۱.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 112890
صفحه از 644
پرینت  ارسال به