الحديث الثامن
۰.روى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللّه ِ، وَلَا تَكُونُوا أَعْرَابا؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللّه ِ، لَمْ يَنْظُرِ اللّه ُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلاً».
هديّة :
بيانه كسابقه. وقد بيّنا أنّه صريح في أنّ المراد أنّ مَن لم يتفقّه في الدِّين الحقّ مع إمكان التحصيل على قدر الحاجة والوسع لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، أي لم يكن ثوابه ـ لو كان من الناجين ـ كثواب الساعين بقدر الوسع، وثابت أنّ «من مات في طلب علم الدِّين يعلّمه الملك فيحشر فقيها».
قال برهان الفضلاء: «ولم يزكّ له عملاً» أي لم يُقبل منه طاعةً.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«ولا تكونوا أعرابا» أي كالأعراب في عدم التفقّه؛ فقد ذمَّ اللّه تعالى الأعراب بقوله: «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ»۱ وبيّن وجوب التفقّه في الدِّين وأكّده بقوله: «فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزكّ له عملاً».
وتفصيل المقام أنّه بيّن عليه السلام وجوب التفقّه بوجوه:
الأوّل: أنّ عدم التفقّه جدير بمن هو أشدّ كفرا ونفاقا، ومن اختاره يكون كمَن آثر الكفر والنفاق.
الثاني: أنّ مَن لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً؛ أي لا يشملهم رحمته، ولا يثابون على أعمالهم؛ لأنّ أعمالهم لم تكن على وجه الانقياد والإطاعة؛ لأنّ الإطاعة والانقياد إنّما يتصوّر فيما يعلم فيه الأمر والنهي، ومَن لم يتفقّه لم يعلم وكلّ، ما لا يكون على وجه الإطاعة والانقياد لم يكن عبادة له تعالى، ومن لم يعبد اللّه لم يكن محسنا، ولم ينل رحمة اللّه ، ولم يكن مثابا بعلمه.
الثالث: ما استدلّ به في الحديث السابق على هذا الحديث بقوله: إنّ اللّه يقول في كتابه: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» فأوجب الخروج للتفقّه، ولو لم يكن التفقّه واجبا لم يكن الخروج له واجبا. ۲