327
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
326

الحديث الثاني

۰.روى في الكافي عن مُحَمَّدِ ، عن ابى عِيسى، عَنْ البَرقي، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ،۱عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَما وَلَا دِينَارا، وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَقَدْ أَخَذَ حَظّا وَافِرا، فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ؟ فَإِنَّ فِينَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ فِي كُلِّ خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».

هديّة :

(إنّ العلماء) يعني علماء علم الدِّين، وهم الأوصياء، وعلماء شيعتهم عليهم السلام . وهذا الإطلاق بدلالة فقرات الحديث، وقول بعض المعاصرين.
(ورثة الأنبياء) إمّا ورثتهم من غذاء الروح، فهم أولادهم الروحانيّون؛ أو ورثتهم من غذاء الجسم، وهم أولادهم الجسمانيّون. يوهم ترجيح غير الإمام على الإمام، فلعلّ غرضه أنّ أئمّتنا عليهم السلام ورثة جدّهم صلى الله عليه و آله بكلا الاعتبارين.
(حظّا وافرا) لأنّ قليل العلم خيرٌ ممّا طلعت عليه الشمس. ۲
فلمّا لم يكن العلم إلّا ما يحصل به اليقين، ولا يحصل إلّا بالأخذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه الذي انحصرت فيه الأعلميّة بما في هذا النظام بلا واسطة أو بواسطة عدول علماء الشيعة، قال عليه السلام : (فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه).
و «الخلف» بالتحريك والسكون: كلّ من يجيء بعد من مضى، إلّا أنّه يحرّك في الخير، ويسكن في خلافه. يُقال: خلف صدق وخلف شرّ.
يعني في زمن كلّ خلف عدولاً من شيعته (ينفون عنه) عليه السلام أو عن الدِّين المفهوم سياقا (تحريف الغالين، وانتحال المبطلين) أي ادّعائهم الحقّ. وأفحشهم الصوفيّة القدريّة ـ لعنهم اللّه ـ وهم أفضح المأوّلين الجاهلين، انتحل شعر غيره ادّعى لنفسه.
وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». ۳ أي عدول شيعته.
واحتمال تعميم أهل البيت والخلف، وتخصيص العدول بالأئمّة عليهم السلام كما يتوهّم من ظاهر العبارة ليس بشيء.
قال برهان الفضلاء:
المراد ب «العلماء» هنا، العالمون بالبيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام على الوجه الذي لا يكون معه غلوّ وانتحال وتأويل.
والمراد ب «الأنبياء» ذووا شريعة على حدة، وهم ستّة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله .
«وذاك أنّ» بفتح الهمزة وتشديد النون بتقدير «لأنّ».
و «الأحاديث» عبارة عن الآيات البيّنات المحكمات التي مضمونها مشترك بين مجموع كتب هؤلاء الستّة من الأنبياء عليهم السلام .
و «من» تبعيضيّة؛ لأنّ في كتبهم غير تلك الآيات أيضا، لكن تلك الآيات أحسن الحديث، قال اللّه تعالى في سورة الزمر: «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها مَثَانِىَ»۴ ، وفي سورة يوسف: «مَا كَانَ حَدِيثا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ»۵ .
و «بشيء منها» مبنيّ على أنّ مضمون تلك الآيات واحد، والتكرار إنّما هو لتأكيد إتمام الحجّة، ولذا تسمّى بالمتشابه بمعنى المتوافق و المثاني، فالتمسّك بواحدة منها كما هو حقّه تمسّك بجميعها.
«حظّا وافرا» مبنيّ على أنّها اُمّ الكتاب. وأصل الشريعة، والتمسّك بها يفضي إلى ترك اتّباع الظنّ في المتشابهات، والاشتغال بالسؤال عن أهل الذِّكر، والاستعلام من أحاديثهم عليهم السلام على ما اُمروا به، فيوجب صحّة العبادة والفوز بالحظّ الوافر ورضوان اللّه تعالى. قال اللّه تعالى في سورة الحديد: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللّه َ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ»۶ .
و «علمكم هذا» عبارة عن مضمون تلك المحكمات.
و «في» في «فينا» وفي «كلّ خلف» تعليليّة. والظرف الثانية بدل من الاُولى، من قبيل بدل البعض من الكلّ و «الأهل» نصب على الاختصاص.
و «الخلف» عبارة عن الإمام الحيّ من أهل البيت عليهم السلام في كلّ زمان إلى انقراض التكليف.
و «العدول»: جمع عدل، بمعنى عادل؛ يعني المتوسّطين بين الإفراط والتفريط من جملة الإماميّة.
قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«إنّ العلماء ورثة الأنبياء». المراد بالوارث هنا هو الباقي بعد المورِّث الذي يصير إليه ما بقي بعد المورّث وتركه، كما في قوله صلى الله عليه و آله : «اللّهمَّ متّعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث منّي» ۷ أي أبقهما بعد انحلال القوى النفسانيّة حتّى يصير إليهما ما بقي بعدها من موادّ تصرّفها ويكون لهما، فمن لم يبق منه إلّا العلوم ولم يترك سواها، لم يكن له وارث سوى من صار إليه ما تركه وبقي عنه. وبيّنه عليه السلام بقوله: «وذاك لأنّ ۸ الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم» أي من علومهم التي حدّثوا بها.
وأتى ب «من» التبعيضيّة؛ لأنّ من أحاديثهم أحاديثَ لم يورثوها بل نُسخت، فمن أخذ شيئا من الأحاديث الموروثة متمسّكا به «فقد أخذ حظّا وافرا» لشرف المأخوذ وفضيلته؛ حيث إنّه ممّا آثره خير الناس، ومن مواريثه التي تركها لاُمّته، ولا نجاة للاُمّة إلّا بها ولا غناء لهم عنها. وما كان شأنه هذا فينبغي أن يُهتمّ بأمره ويُؤخذ من مآخذه، ولا يساهل فيه. فنبّه عليه السلام عليه بقوله: «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه» فإنّ التساهل في معرفة الطريق إلى المأخوذ به تساهل في المأخوذ.
«فإنّ فينا أهل البيت ـ إلى قوله ـ : و تأويل الجاهلين» ناظر إلى ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ۹ أي العدول الذين ذكرهم النبيّ صلى الله عليه و آله فينا أهل البيت. يدلّك عليه قوله صلى الله عليه و آله : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي» ۱۰ الحديث، ثمّ الفحص عن أحوال أهل البيت و أحوال المخالفين لهم.
والمراد ب «كلّ خلف» بكل قرن من القرون بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.
و المراد ب «العدول»: الملتزمون ۱۱ للطريقة الفُضلى التي هي التوسّط بين الإفراط والتفريط.
و «التحريف»: صرف الكلام عن وجهه.
و «الغالين»: المجاوزين الحدّ.
و «الانتحال»: أن يدّعي لنفسه ما لغيره ، كأن يدّعي الآية أو الحديث في غيره أنّه فيه.
و «المبطلين»: الذين جاؤوا بالباطل و قرّروه ، و ذهبوا بالحقّ وضيّعوا الحقّ، وأخفَوه.
و «تأويل الجاهلين»: تنزيلهم الكلام على غير الظاهر، وتبيين مرجعه، وهذا إنّما يجوز من العالم الراسخ ۱۲ في العلم.
فإن قيل: إنّما في زمان ظهور الحجّة يتمكّن من الأخذ عنه، وفي زمان الغيبة لا يتمكّن عن الأخذ عن الحجّة فما يصنع الطالب؟
قلنا: في حال الغيبة يتمكّن الطالب من الأخذ عن العدول الظاهرين في القرون السابقة ، وإن لم يتمكّن من الأخذ عن النائب فيأخذ عنهم. وما لم يكن له فيه سبيل إلى الأخذ يتوقّف فيه، ولا يصير إلى الأخذ عن الجاهل، وإنّما وقع أهل هذه الأعصار فيما وقعوا فيه من سوء اختيارهم وغلبة الأهواء فيهم على العقول، فجاءهم الضرر من أنفسهم. ۱۳ انتهى.
لعلّ التعبير بالسمع والبصر في الحديث الذي نقله السيّد رحمه اللهفي أوائل بيانه عن النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما هو عن السبطين صلوات اللّه عليهما.

1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي البَخْتَري».

2.لعلّه إشارة إلى المرويّ في مستدرك الوسائل ، ج ۱۷ ، ص ۳۰۰ ، ح ۲۱۴۰۵: «و عنه صلى الله عليه و آله قال: سارعوا في طلب العلم ، فلحديث صادقٍ خير ممّا طلعت عليه الشمس والقمر».

3.معاني الأخبار ، ص ۳۵ ، باب معنى الصراط ذيل الحديث ۴؛ دعائم الإسلام ، ج ۱ ، ص ۸۱ ، باب ذكر الرغائب في العلم و... .

4.الزمر (۳۹): ۲۳.

5.يوسف (۱۲): ۱۱۱.

6.الحديد (۵۷): ۹.

7.الكافي ، ج ۲ ، ص ۵۷۷ ، باب دعوات موجزات ، ضمن الحديث ۱؛ مصباح المتهجّد ، ص ۲۷۰ ، الرقم ۳۸۱.

8.في «الف»: «أن».

9.معاني الأخبار ، ص ۳۵ ، باب معنى الصراط ذيل الحديث ۴؛ دعائم الإسلام ، ج ۱ ، ص ۸۱ ، باب ذكر الرغائب في العلم و....

10.حديث الثقلين رواه الخاصّة والعامّة بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، وهو من الأحاديث المتواترة عند الفريقين. راجع: عبقات الأنوار، ج ۱، قسم حديث الثقلين؛ بحار الأنوار، ج ۲۳، ص ۱۰۴، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... ؛ مسند أحمد، ج ۳، ص ۱۷، ۲۶، ح ۱۱۱۹ ـ ۱۱۱۴۷، ۱۱۲۲۷؛ المستدرك على الصحيحين، ج ۳، ص ۱۱۸، ۱۶۰، ح ۴۵۷۶، ۴۷۱۱؛ كنز العمّال، ج ۱، ص ۳۳۳، ح ۹۵۲ ـ ۹۵۳.

11.في «ب» و «ج»: «الملتزمين».

12.في المصدر: «من العالم ، بل الراسخ» بدل «من العالم الراسخ».

13.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۹۷ ـ ۹۹.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 112754
صفحه از 644
پرینت  ارسال به