و بمراجعة الكتاب بشكل سريع يمكن أن تستفاد بعض النقاط، هي كالتالي:
1. ادّعى المؤلّف و في مواضع عديدة من الكتاب أنّ تأليف كتاب الكافي كان بأمر شفوي من قبل الإمام صاحب الأمر و الزمان، فكتب في خطبة الكتاب: «و كان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه» (ج 1، ص 69).
كما كتب في الهدية الاُولى من المقدّمة الثانية عشرة ـ و الخاصّة بشرح خطبة الكافي ـ نقلاً عن اُستاذه المولى خليل القزويني:
حقّ أنّ كتاب الكافي عمدة كتب أحاديث الأئمّة عليهم السلام ألّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الرازي الكليني ـ طاب ثراه ـ في الغيبة الصغرى باحتياط تامّ في عرض عشرين عاما، وكانت مدّة هذه الغيبة تسعا وستّين سنة بناءً على أنّ مبدأها من مضيّ أبي محمّد عليه السلام ، وأربعا وسبعين سنة إذا كان مبدؤها من مولد الصاحب عليه السلام . وعاشر ثقة الإسلام أكثر سفرائه عليه السلام في بغداد وغيرها أكثر الأوقات، فاُمر مشافهة ـ كما هو المشهور ـ أو بتوسّط السفراء بجمع الأحاديث المخزونة لشدّة التقيّة وتأليف الكافي. فيقرب أن يكون المراد بالعالم في هذا الكتاب في كلّ حديث كان في عنوانه «وقد قال العالم عليه السلام » أو «في حديث آخر» الصاحب عليه السلام بلا واسطة، أو بواسطة السفراء، إلّا أن تكون قرينة صارفة. والمظنون أنّ الكافي شرّف بنظره ۱ عليه السلام وكان مضيّ ثقة الإسلام ـ طاب ثراه ـ سنة مضيّ الأخير من سفرائه عليه السلام أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضى الله عنه، وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة هجريّة أو بعدها بسنة واحدة. (ج 1، ص 116 ـ 117)
و نقل شبيه ذلك عن استاذه الآخر السيد حسن القائني، فكتب قائلاً:
مظنوني أيضا كما ظنّ معظم الأصحاب أنّ خطبة الكافي لمكان شأن نظامه بهذه المكانة، ونظام شأنه بهذه المتانة والرزانة من منشآت الصاحب عليه السلام ، وقد ثبت أنّ تأليف الكافي لجميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام إنّما كان في الغيبة القُصْرى بالأمر المشافهي من صاحب الأمر عليه السلام . (ج 1، ص 116)
وفي الهدية التاسعة من المقدمة الثانية عشرة و في شرح هذه الفقرة من الخطبة: «والشرط من اللّه جلّ ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدّوا جميع فرائضه بعلم و يقين و بصيرة... (إلى قوله) و قال عليه السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن» كتب قائلاً:
كاد أن توجب هذه الفقرات خاصّة القطع بأنّ خطبة الكافي من أمالي الصاحب عليه السلام ، كما يوجب سائر فقراتها ظنا بذلك» (ج 1 ص 158).
2. لم يعتمد المؤلّف فيما يخصّ أحاديث الكافي على نسخة واحدة منه، و إنّما اعتمد على نسخ عديدة و أشار إلى اختلافاتها بالعبارة: «في بعض النسخ» أو «في بعض النسخ المعتبرة».
3. أبدى المؤلّف اهتماما خاصّا بالردّ علي عقائد الصوفية، فأبان في المقدمة العاشرة عقائدهم و أبطلها، كما حاول ردّها أثناء شرحه للأحاديث بأدني مناسبة، و قد نهج أسلوبا قاسيا في ذلك بل يلعنهم و يكفرهم.
4. نظرة المؤلّف حول الفلاسفة و العرفاء ليست بالايجابية، بل يرى أنّ خطبة كتاب الكافي هي للردّ على الصوفية و الفلاسفة و الأشاعرة، إلّا أنّه استمدّ من شرح الملا صدرا علي الكافي في مواضع عديدة من كتابه، و عبّر عنه ب «الفاضل صدر الدين محمد الشيرازي»، كما عبّر عن المير داماد بقوله: «السيّد الداماد ثالث المعلّمين» أو «السيّد الباقر ثالث المعلّمين الشهير بالداماد».
5. كما عبّر عن الفيض الكاشاني بقوله: «بعض المعاصرين»، و نقل عن الوافي في مواطن عديدة من دون ذكر اسمه. كما نقل عن تفسيره بعنوان: «بعض التفاسير»، ونقد آراءه في مواضع عديدة (ص 483و 527 و 563)، و يرى أنّها متأثّرة بأفكار و عقائد الصوفية و الفلاسفة.
6. نقل المؤلّف بكثرة و بصورة واسعة عن حاشية اُصول الكافي لرفيع الدين محمد النائيني المعروف بالميرزا رفيعا، و عبّر عنه ب «السيّد الأجل النائيني». و علي الرغم من اختلاف مذاق المؤلّف عن مذاق الميرزا رفيعا؛ حيث أنّ الميرزا رفيعا يميل للفلاسفة و العرفاء، بخلاف المؤلّف، إلّا أنّ المؤلّف تأثّر بعباراته المتينة، و قد استطاع أن يمر بسلاسة إلى جانب عبارات الميرزا رفيعا ذات المحتوى العميق، و إن انتقد مسلكه أحياناً، و رأى أنّ كلماته تعتمد على اُصول فلسفية، فكتب:
وهو قدس سره من المائلين من متأخّري أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إلى استقامة نَبْذٍ من اُصول الفلاسفة، كتجرّد العقول والنفوس الناطقة؛ وتأويل نَبْذٍ اُخر منها، كإيجاب الصانع، وقِدَم العالَم بالإيجاب الخاصّ والقدم الزماني ولن ترضى الفلاسفة فقط، وذلك لصرفهم من العمر مدّة في مطالعة كتبهم وتدريسها باقتضاء كثير من الطبائع في عصرهم ذلك. (ج 1 ص 121 - 122)
7. المؤلّف متأثّر بكلمات اُستاذه «الملا خليل القزويني» بشدّة، و كتابه مليء بالنقل عنه، و يعبّر عنه بقوله: «برهان الفضلاء»، و قد أورد في شرحه على أكثر الأحاديث عبارات الملا خليل القزويني في كتاب الشافي، و بعض هذه العبارات مختصرة، و بعضها مفصّلة.
والذي يبدو في النظر أنّه بسبب عدم تلاؤم مذاقه مع مذاق الفلاسفة و العرفاء و الاُصوليين و المجتهدين، تأثّر بالمدرسة الأخبارية تبعاً لاُستاذه الملا خليل. ففي باب اختلاف الحديث نقل عبارة طويلة عن اُستاذه المذكور في شرح الحديث فكتب قائلاً:
وهذا إشارة إلى بطلان مذهب جماعة من الاُصوليّين لحملهم في أمثال ذلك ـ سواء كان في القرآن أو في الحديث ـ حمل المطلق على المقيّد باعتبار اللّغة والعرف، أو باعتبار القياس كما ذكر . (ج1، ص 598)
وكتب بعدها في تأييد رأي اُستاذه:
وغاية ما في تفسيره المحكم والمتشابه ـ بما عرفت ممّا حكيناه ـ الاحتياج في زمن الغيبة لمكان التشابه والاختلاف في غير ما هو الحقّ ـ على بيانه ـ إلى المعالجات المعهودة المضبوطة بتواتر الكتب المضبوطة عن أصحابنا الأخباريّين ـ رضوان اللّه عليهم ـ عن الحجج المعصومين عليهم السلام كالمعالجة عند الاشتباه في الرَقَبة ـ مثلاً ـ بالإطلاق في موضع والتقييد في آخر بالعمل بما هو خلاف ما عليه العامّة، والرشد فيه، لا إلى حمل المطلق على المقيّد مع التغاير بين المقامين ليلزم العمل بالظنّ الحاصل من القياس وغيره من الاُصول الغير الداخلة في المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام . (ج 1، ص 600)
8. كما أنه متأثّر أيضا باُستاذه الآخر أمير حسن القائني و يعبّره عنه بعنوان «السيد السند أمير حسن القائيني»، ويبدو في النظر أنّه كان على مسلكه و مشربه الفكري، و استمدّ من حواشيه على الكافي على نطاق واسع، و نقل عنها بكثرة، كما نقل عنه الملّا خليل القزويني في كتابه الشافي بنحو متكرّر.
و ممّا ينبغي التنبيه عليه أنّنا لم نخرج العبارات المنقولة عن كتاب «الشافي» للملا خليل القزويني الذي عبّر عنه ب «قال برهان الفضلاء» و كذا ما نقل عن حواشي السيد امير حسن القائيني؛ لعدم طبعهما لحدّ الآن.
9. و تأثّر المؤلّف بمحمّد أمين الاسترآبادي كما يظهر من نقله عن حاشية المذكور على الكافي، و شرحه لعباراته، و يعبّر عنه بقوله: «الفاضل الاسترآبادي» و قال في موضع: «سمعت اُستاذي الفاضل محمّد الاسترآبادي»، و كتب نقلاً عنه:
قوله عليه السلام : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ الحلال والحرام عنهم عليهم السلام ولا يجوز العمل بأصل أو استصحاب أو غير ذلك . (ج 1، ص 485)
كما كتب بعد رواية: «إنّ على كل حقّ حقيقة» كلاما عن الفاضل الاسترآبادي بأن هذه الفقرة من الرواية تدلّ على بطلان مسلك الاُصوليين القائلين بأنّ للمصيب أجران و للمخطئ أجر واحد، لأنّ الخطأ في الاجتهاد إثم أيضاً» (ج 1 ص 628).
10. المؤلّف و إن كان في منهجه الفكري في عداد الأخباريين، إلّا أنّه سعى في موارد عديدة لاصلاح آراء الأخباريين حول الاُصوليين، و حاول أن يثبت لهم الاجتهاد غير المنافي للروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ، بل يستفاد من فحوى الروايات إذنهم في الاجتهاد المذكور، و حاول توجيه كلمات اُستاذيه محمد أمين الاسترآبادي و الملا خليل القزويني الظاهرة في نفي مطلق الاجتهاد و التوقّف في الافتاء بغير العلم، فيقول:
فالأمر بالتوقّف عند الاشتباه مع المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن للفقيه العدل الإمامي الممتاز فضلاً وعلما، إنّما هو مع إمكانه بحيث لا يلزم حرج بيّن في الدِّين، وهو منفي بالكتاب والسنّة. (ج 1، ص 572 ـ 573)
و قال في موضع آخر بعد نقله لعبارة استاذه الملا خليل القزويني ـ في نفي الاجتهاد ـ قائلاً:
مبالغته سلّمه اللّه تعالى في إنكار الاجتهاد الممنوع وباعثه؛ لنسبته الأصل الثابت عند معظم أصحابنا الإماميّة ـ رضوان اللّه عليهم ـ أيضا إلى العامّة، وصحّة العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن في العمل بالظنّ عند الاشتباه للفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً في زمن الغيبة إنّما هو مثبتة لذلك الأصل،والحرج منفي بالكتاب والسنّة. وهل منكر؟! لأنّ الأحوط له التوقّف ما أمكن . (ج 1، ص 544 ـ 545)