الحديث الثامن
۰.روى في الكافي عن الثلاثة،۱عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّه َ خَصَّ عِبَادَهُ بِآيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: أَنْ لَا يَقُولُوا حَتّى يَعْلَمُوا، وَلَا يَرُدُّوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» وَقَالَ: «بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» ».
هديّة :
في بعض النسخ: «وإسحاق بن عبداللّه » بالواو، ولعلّ الأصحّ بدون الواو؛ فإنّ إسحاق بن عبد العزيز يكنّى أبا يعقوب وأشهر اسم أبيه عبداللّه ، وكأنّ اختلاف النسخ من هذا.
والمراد بالتخصيص هنا التخصيص الاهتمامي، يعني بالغ في تشريك جميع الاُمم في الأخذ بمضمونهما اهتماما بشأن حكمهما. والعامل بمضمونهما مؤدّ لعمدة حقوق اللّه المتضمّنة لسائرها.
وقرئ: «حضّ» ـ بالحاء المهملة والضادّ المعجمة ـ من «الحضّ» بمعنى التحضيض ، بمعنى التحريض والترغيب.
(أن لا يقولوا) أي في المتشابهات.
(حتّى يعلموا) أي التأويل والمأخذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه .
(ولا يردّوا ما لم يعلموا) أي ما لم يعلموا أنّه مردود بالكتاب والسنّة.
والآية الاُولى في سورة الأعراف، ۲ والثانية في سورة يونس. ۳
وقال بعض المعاصرين:
«ولا يردّوا ما لم يعلموا» أي لا يكذّبوا به بل يكلوا علمه إلى قائله؛ فإنّ التصديق بالشيء كما هو محتاج إلى تصوّره إثباتا فكذلك هو مفتقر إليه نفيا، وهذا في غاية الظهور، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ۴ انتهى.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
«حضّ» بالحاء المهملة والضادّ المعجمة على المعلوم من مضاعف باب نصر.
«وأن يقولوا» بتقدير: «على أن لا يقولوا» و «ما» في «ما لم يعلموا» مصدريّة زمانيّة لا موصولة، وإلّا لزم أن لا يردّ الممتنع كشريك الباري؛ لأنّه غير معلوم. فقوله: «لم يعلموا» بتقدير «لم يعلموا صحّة الردّ».
«بما لم يحيطوا بعلمه» أي العلم بصحّة ذلك التكذيب.
«ولمّا يأتهم تأويله» أي عاقبة ذلك التكذيب. انتهى.
لا يخفى صحّة موصوليّة «ما» لما بيّنا، وتكلّف مصدريّتها بالنظر إلى مصدريّتها. وتفسيره سلّمه اللّه «ولمّا يأتهم تأويله» لعلّه من البطون، أو الاحتمالات.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«حضّ عباده» ـ بالمعجمة بعد المهملة ـ من «الحضّ» بمعنى الحثّ، والمعنى حثّ عباده بآيتين من كتابه.
«أن لا يقولوا» أي على أن لا يقولوا قبل العلم. «ولا يردّوا» إلّا بعد العلم، فحذف «على».
ويحتمل أن يكون «أن لا يقولوا» تفسيرا لحثّه تعالى؛ فإنّ حثّه عباده يكون بالقول، فصحّ وقوع هذا القول تفسيرا له.
و«لا» في الموضعين حينئذٍ للنهي، وعلى الأوّل للنفي. ۵
وفي بعض النسخ «خصّ» بالمهملة بعد المعجمة، والمعنى خصّ عباده، أي هذه الاُمّة.
والتعبير عنهم بوصف العبوديّة مضافا إليه تبارك وتعالى لتشريفهم وتعظيمهم من بين الاُمم بإنزال آيتين من كتابه، وإعلامهم بمضمونهما وحثّهم عليهما دون سائر الاُمم.
و «أن لا يقولوا» حينئذٍ إمّا بدل من «آيتين» أو تفسير للخصوص.
وقوله: «وقال عزّ وجلّ» معطوف على «خصّ» من عطف أحد التعبيرين عن الشيء إلى آخر لمغايرة بينهما عبارةً ومعنىً، إجمالاً وتفصيلاً، حجّيّة وادّعاءً، مطابقة والتزاما.
وقوله: «أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ» أي الثابت الواقع.
ولمّا نهاهم عن القول على اللّه مستثنى منه الحقّ، لم يكن لهم الإتيان إلّا بما علموا واعتقدوا كونه مستثنى، فقولهم قبل العلم واعتقاد الحقّية إتيان بالمنهيّ عنه. والآية الأخيرة صريحة في النهي عن ردّ ما لم يعلم والتكذيب به. ۶ انتهى.
لا يخفى أنّ الحمل على إحدى القرائتين على التخصيص الاهتمامي كما بيّناه أولى؛ لثبوت العهد المعهود في كلّ شريعة على أهلها، وضمير «عليهم» في الآية الاُولى لليهود.
إنّما قلنا أولى؛ لإمكان تأويل حمله رحمه الله إلى ما اُوّل أوّلاً.