الحديث التاسع
۰.روى في الكافي عَن عَلِيٍّ، عَن العبيدي،۱عَنْ يُونُسَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَا ذَكَرْتُ حَدِيثا سَمِعْتُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام إِلَا كَادَ أَنْ يَتَصَدَّعَ قَلْبِي، قَالَ:«حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ».
قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأُقْسِمُ بِاللّه ِ مَا كَذَبَ أَبُوهُ عَلى جَدِّهِ، وَلَا جَدُّهُ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ عَمِلَ بِالْمَقَايِيسِ، فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ ، وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ ۲ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَالْمُحْكَمَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ».
هديّة :
«الشّبرم» كقنفذ وزبرج: حبّ شبيه بالحمّص، ومن الرِّجال: القصير والبخيل. و (ابن شبرمة) هو عبداللّه بن شبرمة الضبِّي الكوفي، كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة. ۳
و «التصدّع»: التشقّق والتفرّق. وقرئ: «ينصدع» من الانصداع بمعنى الانشقاق.
واقتصر في الحكاية اكتفاء بالظهور، والمراد أبي، عن جدّي، عن جدّه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ومعنى «ولا جدّه» ولا جدّ جدّه، كما إذا كان ضمير «ولا جدّه» للجدّ.
و «المقاييس» إمّا جمع «مقيوس» وهو صار بالإعلال مقيسا، والمفرد إذا جمع الجمع المكسّر يردّ إلى أصله، أو جمع «المقياس» كمقاريض ومقراض. قاسه قيسا ـ بالفتح ـ وقياسا ـ بالكسر ـ : قدّره، ك «اقتاسه». والإسم «قيس» ـ بالكسر ـ قيسُ رُمحٍ: أي قَدْره. و «المقياس»: ما يقدّر به الشيء على مثال.
والعمل بالقياس ـ وأوّل من قاس إبليس لعنه اللّه طريقة أكثر العامّة والقدريّة ـ بأن يجعل شيئا من المعاني المشتركة معيارا لإلحاق فرع بأصل، ويثبت به حكما في جزئيّ لثبوته في جزئيّ آخر لمعنىً مشترك بينهما.
(وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ) أي عقلاً عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه على الوجه الصحيح المضبوط عند الإماميّة.
(والمحكم): ما لا يحتمل غير المعنى المقصود منه.
و (المتشابه): ما يحتمله.
وكما لا شكّ في عدم الرخصة في الإفتاء لغير الفقيه الإمامي العدل الممتاز في العلم والفضل، لا شكّ في عدمها أيضا في التجاوز في المتشابهات عن المعالجات المضبوطة عنهم عليهم السلام .
وقد روى الشيخ في التهذيب عن الثلاثة عن البجلي، قال: كان أبو عبداللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابيّ فسأل ربيعة عن مسألة فأجابه، فلمّا سكت قال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «هو في عنقه»، قال: «أو لم يقل كلّ مفتٍ ضامن ۴ ؟!».
قال ابن داود: ربيعة بن عبد الرحمان المعروف بربيعة الرأي في المدينة فقيه، عامّي ، روى عن الباقر والصادق عليهماالسلام ۵
قال برهان الفضلاء:
«وأقسم باللّه » معترضة.
و «المقاييس» جمع مقيوس لا مقيس؛ للردّ في المكسر إلى الأصل.
ويطلق «الناسخ» و «المنسوخ» على الإمام الحيّ، والإمام الماضي كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في الرابع، في الباب الثاني والأربعين باب العبادة؛ وفي كتاب المعيشة في باب دخول الصوفيّة على أبي عبداللّه عليه السلام للباب الأوّل.
وعلى الآيتين من القرآن إحداهما ناسخة لحكم الاُخرى.
وعلى الكلمتين، أو الفقرتين إذا صارت المؤخّرة منهما قرينة لإرادة خلاف الظاهر من المقدّمة.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«من عمل بالمقاييس» المقياس: ما يقدّر به الشيء على مثال. والمراد به ما جعلوه معيار إلحاق الفرع بالأصل من الاشتراك في المظنون عليّته للحكم و عدم الفارق. والمراد من العمل به اتّخاذه دليلاً شرعيّا معوّلاً عليه، واستعماله في استخراج الحكم الشرعي، والقول بموجبه ومقتضاه بعد جعله دليلاً شرعيّا؛ فإنّ العمل بالدليل الاستدلال به والتعويل عليه والقول بمدلوله لدلالته عليه.
«فقد هلك وأهلك» أي بضلالته في العمل وإضلاله مَن تبعه واقتصّ ۶ أثره.
«ومَن أفتى الناس» أي بما يأخذه عن الكتاب والسنّة.
«وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمُحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك» وفيه دلالة على أنّه كما يجوز للمفتي أن يقول: كذا فهمت من الكتاب أو السنّة، يجوز له أن يقول إذا سُئل عن الحكم: كذا حكم اللّه في ظنّي، وأنّه يجب عليك أن تعمل كذا. ۷ انتهى.
يعني للمفتي الإمامي العدل العارف بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه من الكتاب والسنّة على الوجه الصحيح المضبوط بالتواتر بالمعنى الأعمّ عنهم عليهم السلام .
1.في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى».
2.في الكافي المطبوع: + «بغير علم».
3.خلاصة الأقوال ، ص ۳۷۰ ، الرقم ۵ ؛ رجال ابن داود ، ص ۱۲۰ ، الرقم ۸۷۳ .
4.التهذيب ، ج ۶ ، ص ۲۲۳ ، ح ۵۳۰ ؛ الكافي، ج ۷ ، ص ۴۰۹ ، باب أنّ المفتي ضامن ، ح ۱؛ وسائل الشيعة ، ج ۲۷ ، ص ۲۲۰ ، ح ۳۳۶۳۹ ، باب أنّ المفتي إذا أخطأ أثم و ضمن.
5.رجال ابن داود ، ص ۲۴۵ ، الرقم ۱۸۳.
6.في المصدر: «واقتفى».
7.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۳۷ ـ ۱۳۸.