431
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الحديث الخامس

۰.روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى،۱عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بِمَ يُعْرَفُ النَّاجِي؟ قَالَ:«مَنْ كَانَ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقا، فَأَثْبِتْ لَهُ الشَّهَادَةَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقا، فَإِنَّمَا ذلِكَ مُسْتَوْدَعٌ».

هديّة :

(من كان) أي مؤمن كان عاملاً بما علم عقلاً عن المعصوم ابتداءً أو بالواسطة.
في بعض النسخ: «فإنمّا له الشهادة»
والمعنى الظاهر عليهما: أشهد أنّه مؤمن حقّا. ويحتمل: أقبل شهادته لعدالته.
والمشار إليه ل (ذلك) هو الموصول، على أن يكون «المستودع» بمعنى محلّ الوديعة والإيمان المفهوم سياقا ، إذا كان اسم المفعول. و المعنى: فإنّما ذلك مستودع هالك ، أوللّه سبحانه في المستودع المشيّة. ولا منافاة في أحاديثهم عليهم السلام وباب التوبة مفتوح للعالم والجاهل، لكن للعالم إلى قبل المعاينة وللجاهل إلى المعاينة كما سيجيء في الباب التالي للتالي، وتفسير آية سورة النساء: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ»۲ .
قال برهان الفضلاء:
يجيء هذا الحديث بتمامه المبيّن له في كتاب الإيمان والكفر في الباب الثالث والثمانين والمائة، باب في علامة المعار.
والمراد ب «الناجي» الإماميّ، لا يُعذّب بجهنّم أصلاً، أولا يخلّد فيها.
و «الفعل» هنا عبارة عن القدر المشترك بين عمل، أو حكم بالظنّ أو بالعلم.
و «القول» عبارة عن الاعتراف بالقرآن، أو كتاب آخر من كتب الشرائع الإلهيّة؛ فإنّ جميعها متضمّن للمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ.
فموافقة الفعل والقول عبارة عن ترك اتّباع الظنّ في العمل والحكم.
«فإنّما له الشهادة» أي ثابت له الشهادة بأنّه من الناجين في القيامة.
«ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك» مكانُ لعارية الإيمان، بمعنى أنّه مؤمن رسميّ لا حقيقيّ، والمؤمن الرسمي من المستودعين كما مرّ في أواخر شرح الخطبة في شرح قوله: «فذاك في المشيّة، إن شاء اللّه تبارك وتعالى أتمّ إيمانه، وإن شاء سلبه إيّاه ، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا و يصبح كافرا».
وقال السيّد الأجلّ النائيني:
«فإنّما له الشهادة» في بعض النسخ «فأبتّ له» بالباء الموحّدة قبل المنقوطة بنقطتين، من «البتّ». وسيذكر هذا الحديث في باب علامة المعار، وهناك: قلت: فَبِمَ يُعرف الناجي من هؤلاء جُعلت فداك؟ قال: «من كان قوله لفعله موافقا، فأتت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك مستودع». فلا يبعد أن يكون هنا أيضا: «فأتت» بالتاءين كما في ثمّة.
أمّا على النسخة الاُولى: فمعناه: «من كان فعله لقوله موافقا» أي لما يقول به ويعتقده ـ والمراد من «القول» الكلام الحاكي عن الاعتقاد ـ «فإنّما له الشهادة» أي شهادة الشاهد بالنجاة، وهو موافقة الفعل للقول الدالّة على ثبوت الاعتقاد ورسوخه واستقراره حتّى يوصله إلى النجاة، فدلّ بأداة الحصر على انحصار الشهادة له مؤكّدة بتقديم الظرف.
ومن لم يكن فعله لقوله ومعتقده «موافقا فإنّما ذلك مستودع» أي اعتقاده كالوديعة عنده يؤخذ ويسلب.
أو المراد بالشهادة عدم غيبة المعرفة عن قلبه وحفظه لها، فيحصل النجاة بها.
وأمّا على الثانية: «فأبتّ له الشهادة» أي فقطع له الشهادة، أي حضور الاعتقاد وحفظها عن الزوال والسلب عنه.
أو المراد فقطع له شهادة شاهد النجاة بحفظ معرفته من السلب والزوال.
وأمّا على موافقة ما في الحديث المنقول ثمّة: «فأتت له الشهادة بالنجاة» أي فجاءت وحصلت له شهادة شاهد النجاة، وهو موافقة الفعل للقول أو الاعتقاد بالنجاة. وظاهر أوّل الحديث على ما نقله ثمّة أنّ السؤال عمّن اعتقد الحقّ وقال به. ۳ انتهى.
قوله: «في بعض النسخ: «فأبتّ له» بالباء الموحّدة قبل المنقوطة بنقطتين» يعني على الماضي المجهول من باب الإفعال.
«بتّه» ـ كمدّ و فرّ ـ : قطعه، كأبتّه فانبتّ، أي فانقطع. القاموس «البتّ: القطع كالإبتات، و الانبتات: الانقطاع». ۴ واللّه أعلم بالصواب.

1.في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمدبن محمّد بن عيسى».

2.النساء (۴): ۱۷.

3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۴۵ ـ ۱۴۶. بتفاوت يسير.

4.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۸۸ (بتّ).


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
430

هديّة :

(عن مثلها) دفع لتوهّم عنها على الاكتفاء.
(ولمّا تعملوا) حاليّة.
والأولى (ما عُلّمتم) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل؛ لما لا يخفى.
و (لم يزدد) الثاني بمنزلة التعليل للأوّل. والتمادي في كفر المعصية قد ينجرّ إلى الكفر، كفر الارتداد.
قال برهان الفضلاء: «الواو» في «ولمّا» للحال، والنهي في «لا تطلبوا» للتنزيه والأولويّة.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«لا تطلبوا» أي إذا كان من شأن علمكم عدم التأثير فيكم، وعرفتم ذلك من أنفسكم بترك العمل بما علمتم، فالأصلح لكم ترك طلب العلم بما لا تعملونه من الأعمال.
«لأنّ العلم إذا لم يُعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرا» أي جحودا؛ فإنّ ترك العمل مع العلم جحود وعدمُ إقرارٍ بما عرفه وكفرٌ به، والجاهل لا يلزمه الإنكار، ولا يكون منه الجحود.
فهاهنا ثلاث مراتب:
الأوّل: الجاهل بالجهل الصرف بدون إنكار.
الثاني: الجاهل بما يجب العلم به مع الإنكار، وهذا أسوء حالاً من الأوّل.
والثالث: العالم به مع جحده، وهذا أسوأ حالاً منهما؛ فإنّ المعرفة في نفسها وإن كانت حسنة لكنّ الجحود بعدها من أقبح القبائح، والحالة الملتئمة منهما أسوأ [حالاً] ۱ من الملتئمة من الإنكار والجهل، ومن الجهل الصرف بكثير.
ثمّ مراتب الجحود مختلفة:
فمنها: الجهل ۲
على الإطلاق، وهو الخالي عن كلّ وجه من وجوه الإقرار بعد العلم، وهو كفر مطلق في الربوبيّة، أو التوحيد، أو الرسالة، أو ما هو من ضروريّات الدِّين.
والثانية: الجحد بترك العمل مطلقا بعد الإقرار باللِّسان، وهذه كالاُولى في كونه كفرا مطلقا، وإنّما يجري في العمليّات.
والثالثة: الجحد بترك العمل ببعض من الضروريّات بعد الإقرار باللِّسان، وهذا ليس كفرا مطلقا، بل هو كفر به.
«ولم يزدد من اللّه إلّا بُعدا» أي من رحمته و ثوابه و نيل ما عنده؛ وذلك لأنّ في الجحود من استحقاق العقاب والبُعد عن المغفرة والثواب أكثر ممّا في الجهل والترك ، و في الإنكار معها. ۳ انتهى.
غرضه من مطلق الكفر في الربوبيّة، الجحد باللِّسان فقط؛ لثبوت المعرفة الفطريّة لكلّ مكلّف بالنصّ، وفي النصّ: أنّ الجحد بها جحد بمجرّد اللِّسان «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ»۴ .

1.ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.

2.في المصدر: «الجحد» مكان «الجهل».

3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۴۴ ـ ۱۴۵.

4.الزخرف (۴۳): ۸۷ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 116900
صفحه از 644
پرینت  ارسال به