هديّة :
(إذا علمتم) أي عقلاً عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه .
(فاعملوا بما علمتم) أي من غير تصرّف من عندكم بالرّأي والقياس وادّعاء الكشف وغير ذلك من أسباب الضلالة والهلاك.
(لعلّكم تهتدون) هداية موصلة إلى النجاة.
(إنّ العالم العامل بغيره) أي بغير ما علمه عقلاً عن العاقل عن اللّه .
و «الاستفاقة»: الخلاص من السكر والمرض. شبّه الجهل بهما.
(على هذا العالم) عطف بيان ل (عليه) ۱ ، أو بدل. واحتمال البيان من الراوي ليس بشيءٍ.
(منها) صلة للأفْعَلين. ۲
(لا ترتابوا) أي في الإمامة.
(فتشكّوا) أي في الرسالة. (فتكفروا باللّه ) (ولا ترخّصوا لأنفسكم) أي في المعصية، معصية الرسول، واُولي الأمر منكم.
(فتدهنوا) فتقعوا في المداهنة في أمر الدِّين حقّ الإمام، والمساهلة في مواعيد الكتاب والسنّة، فتكونوا من الخاسرين بالخسران المبين. الجوهري: المداهنة كالمصانعة، والادّهان مثله من الإفعال، كالادّهان من الافتعال.
(ومن الفقه أن لا تغترّوا) أي بالأباطيل المحفوفة بأشياء من الحقّ كطريقة الصوفيّة القدريّة؛ فإنّ للإيمان سلسلة واحدة ممتدّة من لدن آدم إلى انقراض الدنيا، وللكفر في مقابله سلاسل شتّى، فكما أنّ الإيمان قائم دائما بالحجج المعصومين وشيعتهم، وفي شيعتهم في كلّ زمان فقهاء فضلاء. فالكفر قائم دائما بالطواغيت وتبعتهم، وفي أشياعهم مهراء في الشيطنة والنَكراء.
ولمّا بالغ الشيطان في خدائعه في أواخر عمره في طريقة التصوّف؛ قصدا إلى إضلال الناجية من البضع والسبعين في هذه الاُمّة مع علمه بأنّ الزيارات والشفاعات وغيرهما من المُنجيات من ورائهم، وأنّهم لن يتهوّدوا ولن يتنصّروا ولن يتمجّسوا بالوسوسة، بُوِلغ ۳ في أحاديث الأئمّة عليهم السلام في ردّ تلك الطريقة المهكلة؛ استبصارا للشيعة بكفرها المخبوء بأشياء من أسباب الإيمان.
(وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه) أي بطاعة مفترض الطاعة.
(ومن يطع اللّه ) أي بطاعة مفترض الطاعة.
«بشّرني فاستبشرت»: سرّني فسررت، صرت مسرورا.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
«رأيت» على المتكلّم وحده؛ إشارةٌ إلى أنّ استنباط ذلك من القرآن لا يتيسّر للرعيّة.
«عليه» متعلّق ب «الحجّة». والضمير ل «العالم» العامل بغيره».
«على هذا العالم المنسلخ من علمه»: بدل «من «عليه».
«منها» متعلّق ب «الأعظم»، والضمير ل «الحجّة».
«على هذا الجاهل» متعلّق بضمير «منها»؛ لأنّه الحجّة، فترك النظائر في «والحسرة أدوم» مع كونه عطفا على اسم «أنّ» وخبرها؛ للاختصار. والتقدير: «الحسرة عليه أدوم منها على هذا العالم المنسلخ من علمه».
والأدوميّة باعتبار أنّ الحسرة تدرك العالم بموته، والجاهل بعد بعثه وحشره موافقا لما يجيء في كتاب الجنائز في الباب الثامن والثمانين، باب المسألة في القبر ومَن يُسأل ومَن لا يسأل.
«لا ترتابوا» أي لا تطلبوا الشكّ فيما علمتم من محكمات القرآن فتقعوا في الشكّ فيها «فتكفروا»
و «الدهن» بالفتح مصدر باب نصر. والإدهان على الإفعال بمعنى. والمراد هنا المداهنة والمساهلة.
و «أن» في الموضعين مفسّرة أو ناصبة، فقوله: «تفقّهوا» إمّا على الأمر أو المضارع من التفعّل بحذف إحدى التائين أو من باب حَسُنَ أو علم. وقد مرَّ معنى الفقه والتفقّه في شرح السابع من الباب الثاني.
و «الاغترار»: الانخداع، يعني من خلفاء الضلالة ومشائخ الصوفيّة، قال اللّه تعالى في سورة آل عمران: «لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ»۴ .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«إنّ العالم العامل بغيره» أي بغير العلم، والعمل بالشيء إعماله، أو بغير ما علم وجوب العمل به من الأعمال. و «الباء» صلة.
و «الحائر» هو الذي لا يهتدي بجهة أمره.
و «الاستفاقة»: الرجوع إلى ما شغل عنه، وشاع في الرجوع عن السّقم إلى الصحّة. ومنه استفاقة المريض والمجنون والمغمى عليه.
«بل قد رأيت» أي قد علمت علما قريبا من المعاينة. ۵ والظرف متعلّق ب «الحجّة» والمتعلّق ب «أعظم» محذوف؛ اعتمادا على المذكور فيما يتلوا هذه القرينة، أو المذكور ۶ متعلّق بكلّ منهما
«المنسلخ من علمه» أي المُشْرِف على الإنسلاخ.
«على هذا العالم» متعلّق بقوله: «أدوم»، والجملة معطوفة على: «قد رأيت» أو على مدخول «أنّ».
«وكلاهما حائر باير» الباير: الهالك.
«لا ترتابوا فتشكّوا» الريب: مصدر رابني الشيء، إذا حصل فيك الريبة. و «الرّيب» في الأصل تحصيل الرّيبة والإيصال إليها والإيقاع فيها. وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها. ومنه حديث الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامقال: «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الشكّ ريبة، والصدق طمأنينة». ۷
و «الارتياب»: الوصول إلى الرِيبة والوقوع فيها، أو اتّخاذ الريب بالمعنى المذكور. وليس الرّيب في هذا الحديث مستعملاً في الشكّ أو التّهمة أو غيرهما من لوازم معناه الأصلي وملزوماته التي شاع استعماله فيها.
والمراد: لا توقعوا أنفسكم في القلق والاضطراب بالتوغّل في الشبهات، أو بمعارضة العلم في مقتضاه من العمل فينتهي أمركم إلى أن تشكّوا في العلوم و المتيقّن لكم.
«ولا تشكّوا» أي لا توقعوا أنفسكم في الشكّ واحذروا من طَرَيانه على العلم. «فتكفروا» أي يوصلكم إلى الكفر وينتهي إلى الشكّ فيما يكون الشكّ فيه كفرا.
«ولا ترخّصوا لأنفسكم» أي لا تسهّلوا لأنفسكم أمر الطاعة والعصيان، ولا تخفّفوا عليها ما شدّد اللّه عليها من حقوقه.
«فتدهنوا» أي تظهروا وتقولوا خلاف ما تضمرونه، أو تليّنوا عند إظهار الباطل ولا تنكروه. والإدهان: إظهار خلاف ما يضمر، أو المقاربة في الكلام والتبيين. ۸
«لا تدهنوا في الحقّ فتخسروا» أي لا تدهنوا فيما تعرفونه بالحقّيّة «فتخسروا» ۹ أي فيحصل لكم النقص في المعرفة الحاصلة لكم أو في رأس مالكم الذي هو الإيمان.
«وإنّ من الحقّ أن تفقّهوا» أي من حقوق اللّه وممّا أوجبه عليكم أن تتفقّهوا. والتفقّه: تعلّم الفقه وتحصيل المعرفة بجميع ما هو معدود من العلوم الشرعيّة باُصولها وفروعها.
«ومن الفقه أن لا تغترّوا» أي لا تنخدعوا بالباطل، ولا تطعموا فيه.
و «النصيحة»: إرادة الخير للمنصوح له، وهي اسم من النَصْح بالفتح، وهو فعل النصيحة.
و «الغشّ»: خلاف النصيحة، وهو إظهار خلاف ما أضمر، والاسم منه «الغشّ» بالكسر.
في بعض النسخ: «ويسترشد» مكان «ويستبشر» استبشرت به ـ على المعلوم ـ : صرت مسرورا. ۱۰
و «الخيبة»: الحرمان والخسران وعدم نيل المطلوب.
«يندم» أي على تفويت الفرصة ۱۱ . ۱۲
1.في «الف»: «عليه» بدون اللام.
2.يعني «أعظم» و «أدوم».
3.جواب لقوله: «لمّا بالغ».
4.آل عمران (۳): ۱۹۶.
5.في المصدر: + «أنّ الحجّة على هذا العالم أعظم من الحجّة على هذا الجاهل».
6.في المصدر: + «فيما يتلوها».
7.كشف الغمّة ، ج ۲ ، ص ۱۵۸؛ بحارالأنوار ، ج ۷۱ ، ص ۲۱۴ ، ذيل الحديث ۴۷، و فيهما: «فإنّ الكذب ريبة».
8.في المصدر: «والتليين».
9.في «ب» و «ج»: - «فيما تعرفونه بالحقّيّة فتخسروا».
10.من قوله: «و في بعض النسخ ـ إلى ـ صرت مسرورا» لم يرد في المصدر.
11.قوله: «يندم ، أي على تفويت الفرضة» لم يرد في المصدر.
12.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۴۷ ـ ۱۴۹.