الحديث السابع
۰.روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ البرقي،۱عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ:«إِذَا سَمِعْتُمُ الْعِلْمَ فَاسْتَعْمِلُوهُ، وَلْيَتسِعْ قُلُوبُكُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا كَثُرَ فِي قَلْبِ رَجُلٍ لَا يَحْتَمِلُهُ، قَدَرَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ، فَإِذَا خَاصَمَكُمُ الشَّيْطَانُ، فَأَقْبِلُوا عَلَيْهِ بِمَا تَعْرِفُونَ؛ فَ «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا» ».
فَقُلْتُ: وَمَا الَّذِي نَعْرِفُهُ ؟ قَالَ: «خَاصِمُوهُ بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ مِنْ قُدْرَةِ اللّه ِ تبارك و تعالى».
هديّة :
(إذا سمعتم العلم) أي المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ابتداء أو بالواسطة الثقة على ما صحّ من طريق الأخذ والحفظ
(فاستعملوه) أي فاطلبوا فوائده بالعمل بمقتضاه.
(وليتّسع قلوبكم) إمّا أمر ـ كنايةً ـ بترك زيادة الطلب عن قدر الاحتياج للعمل، أو أمر بطلب العلم عن مأخذه الذي يتّسع قلب الطالب بنوره ببركة المأخوذ عنه، ويقوى ويأمن من غلبة الشيطان عند مخاصمته بالشكوك والشبهات.
(فإنّ العلم) أي القدر المشترك بين ما هو علم حقيقة وما سمّي بالعلم، وليس علما (إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله) أي لأنّه أخذ زيادة عن قدر الاحتياج، أو أخذه من غير مأخذه الموصوف.
(بما تعرفون) أي بالعلم الذي تعلمون بمعرفة الإمام؛ ف «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَـنِ كَانَ ضَعِيفًا»۲ لن يقاوم بمكائده ووساوسه وشبهاته مع ما هو الحقّ، والحقّ غالب على الباطل دائما وإن كان الباطل بالتدليس والتلبيس ملبّسا بلباس الحقّ.
(قال خاصموه بما ظهر من قدرة اللّه تبارك وتعالى) يعني من علوم حججه المعصومين، العالِمين بخبر السماوات والأرضين، الصادقين بالمعجزات والدلالات،الممتازين عن الجميع حسبا ونَسَبا عند المؤالف والمخالف إلى آدم عليه السلام . أو المعنى: بما ظهر من حجج اللّه ومعجزاتهم و ودلالاتهم وعلومهم بحيث ملأت مشارق الأرض ومغاربها.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
«إذا سمعتم العلم» أي ما هو سبب العلم، كمحكمات القرآن.
«فاستعملوه» أي في سؤال أهل الذِّكر عليهم السلام ولوازمه.
«فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفا» ناظر إلى آية سورة النساء «بما ظهر لكم من قدرة اللّه » أي بالعلوم التي ظهرت بخلقه تعالى محمّدا وأوصيائه الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. يعني وازنوا علمكم وفضلكم بعلمهم وفضلهم؛ لئلّا يؤدّي علمكم إلى العُجْب المؤدّي إلى عبادتكم أنفسكم، فتهلكوا بالغرور بالمعارف من عندكم، والحكم بظنونكم وآرائكم.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«إذا سمعتم فاستعملوه» المراد بالعلم المُذْعَنُ به، لا نفس التصديق والإذعان؛ فإنّ التصديق والعلم يُطلق على المعلوم المذعن به. والمقصود أنّه بعد حصول العلم ينبغي الاشتغال بإعماله ۳ على وفقه عن طلب علمٍ آخرَ قبل إعماله، فاحفظوه واربطوه بالعمل لتكونوا عالمين، حافظين للعلم من الزوال.
«وليتّسع قلوبكم» أي يجب أن يتّسع قلوبكم لما علمتم. والمراد أنّه يجب أن يكون طلبكم للعلم بقدر يتّسعه قلوبكم، ولا تستكثروا منه؛ «فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجلٍ لا يحتمله»، ولا يكون قلبه متّسعا له قادرا على ضبطه، «قدر الشيطان» بتلبيس الشبهات «عليه» حتّى يتشكّك فيما علمه ويترك العمل به.
«فإذا خاصمكم الشيطان، فأقبلوا عليه بما تعرفون» تنبيه على دفع ما يتوهّم من أنّ القناعة من العلم بما يتّسعه القلب تؤدّي إلى العجز عن مخاصمة الشيطان، والاستكثار منه من أسباب القوّة على معارضته ودفعه.
وجوابه: أنّ الإقبال على الشيطان بما تعرفون من العقائد المعتبرة في أصل الإيمان يكفي في دفعه «فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفا».
والمراد بقوله: «خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه تعالى»: خاصموه بآثار قدرته، الدالّة على إلهيّته وتوحيده، الظاهرة في أنفسكم وفي العالَم. وبآثار قدرته، الظاهرة في الرسول وعلى يده، الدالّة على رسالته. وبآثار قدرته الظاهرة في الوصيّ من فطانته وعلمه وصلاحه بعد تنصيص النبيّ صلى الله عليه و آله على عينه أو صفاته. ۴