441
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الباب الخامس عشر : بَابُ الْمُسْتَأْكِلِ بِعِلْمِهِ وَالْمُبَاهِي بِهِ

وأحاديثه كما في الكافي ستّة.

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى؛ وَعَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا، عَنْ حَمَّادِ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ۱، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ دُنْيَا، وَطَالِبُ عِلْمٍ؛ فَمَنِ اقْتَصَرَ مِنَ الدُّنْيَا عَلى مَا أَحَلَّ اللّه ُ لَهُ، سَلِمَ؛ وَمَنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا، هَلَكَ إِلَا أَنْ يَتُوبَ أَوْ يُرَاجِعَ؛ وَمَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ وَعَمِلَ بِعِلْمِهِ، نَجَا؛ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا، فَهِيَ حَظُّهُ».

هديّة :

(المستأكل بعلمه) أي الذي يطلب أكل أموال الناس من غير حلّها بفقاهته من شغل الفتوى بغير حقّ أو غيره من الوجوه.
(والمباهي به) أي المفتخر به على وجه الاستكبار.
روى الصدوق رحمه الله في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «من استأكل بعلمه افتقر» فقلت: جُعلت فداك، إنّ في شيعتك ومواليك قومٌ يتحمّلون علومكم، ويبثّونها في شيعتكم، ولا يعدمون منهم البرّ والإحسان والصّلة والإكرام؟ فقال عليه السلام : «ليس اُولئك المستأكلين، إنّما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علمٍ ولا هدىً من اللّه عزّ وجلّ ليبطل به الحقوق؛ طمعا في حُطام الدنيا». ۲
وأيضا بإسناده عن عبدالسّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرِّضا عليه السلام يقول: «رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا» فقلت له: وكيف يُحيي أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس؛ فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا» قال: فقلت: ياابن رسول اللّه ، فقد روي لنا عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «مَن تعلّم علما ليماري به السّفهاء، أو يُباهي به العلماء، أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار؟» فقال عليه السلام : «صدق جدّي، أفَتَدري مَن السّفهاء؟» فقلت: لا يا ابن رسول اللّه ، قال: «هم قصّاص مخالفينا، ۳ وَتَدري مَن العلماء؟» فقلت: لا يا ابن رسول اللّه ، قال: «هم علماء آل محمّد صلى الله عليه و آله ؛ الذين فرض اللّه طاعتهم وأوجب مودّتهم»، ثمّ قال: «و تدري ما معنى قوله: أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟» قلت: لا، قال: «يعني بذلك ـ واللّه ـ ادّعاء الإمامة بغير حقّها، ومَن فعل ذلك فهو في النار». ۴
قوله عليه السلام : «ليماري به» على المعلوم، من الممارات بمعنى المجادلة والمخاصمة.
ولعلّ المراد بقصّاص المخالفين: علماؤهم المبالغون في مديح طواغيتهم.
و«المنهوم»: الحريص من النَهَم بالتحريك، وهو إفراط الشهوة في الطعام. نَهِمه ـ كعلم ـ نهما، ونُهِم بكذا، وهو منهوم؛ أي مولع به حريص عليه. والنَّهْمَة بالفتح: بلوغ الهمّة في الشيء. ۵
(لا يشبعان) على المعلوم، من باب عَلِمَ. في بعض النسخ: «طالب الدنيا، وطالب العلم».
(فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلَّ اللّه له سلم) إشارةٌ إلى حديث: «الدنيا دنياآن» ۶ ودلالةٌ على أنّ الحريص على الدنيا الحلال ليكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصِل به رحِمهُ ممدوحٌ، كالحريص على أخذ العلم عن أهله ليعمل به.
(أو يراجع) الظاهر أنّه ترديد من الراوي. واحتمال: أو يراجع بالمال إلى صاحبه في الآخرة، كما ترى.
(من أهله) أي الذين لا يتطرّق إلى علمهم الغلط؛ للعقل عن اللّه بالعصمة. وفي حكم أهل العلم في صحّة الأخذ عنهم ثقات علماء شيعتهم الذين رُخّص في الأخذ عنهم عند عدم التمكّن من لقائهم عليهم السلام .
(ومن أراد به الدنيا فهي حظّه) أي في الدنيا، «و ما له في الآخرة من نصيب» . ۷
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
«طالب دُنيا وطالب علم» أي حريص على مالها، وحريص على طلبه.
«أو يراجع» أي بالمال إلى صاحبه في يوم الحساب لو لم يستغرق المال حسنات الغاصب؛ فإنّ الظالم الذي يستوعب المظلمة حسناته لا يُغفر، بخلاف الذي يبقى له من حسناته بعد المراجعة بين الغاصب والمغصوب منه في القيامة، قال اللّه تعالى في سورة البقرة: «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»۸ . ويجيء ـ في كتاب الإيمان والكفر في الأوّل من الباب الخامس والتسعين والمائة باب في أنّ الذنوب ثلاثة ـ ما يوافق مضمونه هذا من قوله: «وأمّا الذنب الذي لا يغفر، فمظالم العباد بعضهم لبعض ـ إلى قوله ـ : فيقتصّ للعباد بعضهم من بعضٍ حتّى لا تبقى لأحدٍ على أحدٍ مظلمةٌ، ثمّ يبعثهم للحساب».
و«من» في «من أهله» تبعيضيّة أو ابتدائيّة. والضمير على الأوّل راجع إلى مصدر الأخذ أو إلى العلم، وعلى الثاني إلى العلم.
والمراد ب «أهله» على الأوّل: من يستحقّ أن يأخذ العلم، فاحترازٌ عن الذي قَصْده من أخذ العلم حُطام الدنيا لا ثواب الآخرة.
وعلى الثاني: من يقوم برهان عقليّ أو نقليّ على أنّه من العلماء الذين افترض اللّه طاعتهم وأمر بسؤالهم عند المشكلات والمتشابهات.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«النَهَم»: إفراط الشهوة في الطعام وشدّة الحرص عليه. شُبّه إفراط الشهوة في طلب الدنيا وطلب العلم، وشدّة الحرص عليهما بإفراط الشهوة في الطعام و شدّة الحرص عليه، واستعمل الموضوع له فيهما.
«طالب الدنيا» أي من يكون مطلوبه الدنيا لنفسها لا لرفع الحاجة؛ فإنّ طالبها لرفع الحاجة طالب الكفاية. ۹
«وطالب علمٍ» أي من يكون شهوته في طلب العلم لحصول العلم له، فهذان لا يشبعان، ولا يصلان إلى حدّ يزول شهوتهما في الزيادة؛ حيث لا نهاية لهما، ولا انزجار للقوى الإنسانيّة عنهما. ولمّا حكم بأنّهما لا يشبعان ولم يكن فيه تفصيل حالهما، فصّله بقوله: «فمن اقتصر من الدنيا المطلوبة له على ما أحلَّ اللّه له» وكفّ عمّا حرّمه عليه «سلم» عن الهلاك بارتكاب ما حرّمه اللّه عليه منها، واستحقاق العقاب وإن كان فيه شهوة الطلب «ومَنْ تناولها من غير حلّها» يهلك بارتكاب المحرّم واستحقاقه العقاب.
ولم يتعرّض في التفصيل لذمّ الرغبة في الدنيا، بل اقتصر على ما هو مناط الهلاك والنجاة عنه صريحا، ويعلم منه كون الموصل إلى الهلاك غالبا مذموما.
ولمّا حكم بهلاكه مطلقا استثنى منه مَن حصل له النجاة بالتوبة، أو بأن يراجع ۱۰ اللّه عليه بفضله وقبوله وهو توّاب على عباده، والتوبة بشروطها يحصل بها النجاة لكلّ من يتوب.
وأمّا النجاة بمراجعة اللّه بفضله على العبد فلمن يستحقّ فضل اللّه وقبوله، ويتوب اللّه عليه؛ فإنّ من تناولها من غير حلّها في الجملة وفي بعض الأحوال دون بعض، ربّما يكون بكثرة الطاعة والاجتناب عن أكثر الكبائر مستحقّا لأن يتوب اللّه عليه ويراجعه بفضله وقبوله، فيُنجيه من الهلاك وتشديد الأمر عليه بالعقاب وقال: «إلّا أن يتوب، أو يراجع» على البناء للمجهول، أي يراجعه اللّه بفضله. أو على البناء للفاعل، أي يراجع اللّه ذلك المتناول من غير الحلّ في الجملة، ويكون كثيرَ المراجعة إلى اللّه بالطاعات وترك أكثر الكبائر من المعاصي، فيراجع اللّه عليه بفضله؛ لاستحقاقه له بمراجعته إلى اللّه .
«ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا» تفصيل لحال طالب العلم بأنّ النّجاة لمن أخذ العلم من أهل العلم، وهو العالم المأخوذ علمه من المأخذ الذي يجب الأخذ عنه، العامل بعلمه، المطابق قوله لفعله.
والمراد ب «العلم المأخوذ»: ما يشمل المسائل والأدلّة الشرعيّة والبراهين العقليّة. وب «أهله»: من يكون عالما بها بالأخذ عمّا يجب الأخذ عنه من النظر العقلي، والرجوع إلى الحجّة ولو بوسائط وعمل به. ۱۱ فحصول النجاة بالعلم المقرون بالعمل به.
وما ذكر إنّما يكون لمن يريد العلم لحقّيّته وللعمل على وفقه ومقتضاه ويترتّب عليه. ومن لم يعتقد ۱۲ بالأخذ من أهل العلم ولم يعمل بعلمه، فلا يكون همّه بالعلم لتحقيق الحقّ والعمل به، إنّما همّه بطلب العلم ليقال: إنّه عالم، ويتبعه الجهّال، ويراجعه السلاطين، أو الأكابر من أهل الدنيا ليرخّص لهم فيما يريدونه من المحظور، فيأكل من عطاياهم وجوائزهم، ويترأّس بقربهم على من لا رئاسة له عليه، وهو الذي عبّر عنه بقوله عليه السلام : «ومن أراد به الدنيا فهي حظّه» أي نصيبه وما يصل إليه من طلبه العلم. وليس له من العلم والعمل المترتّب عليه، والنجاة المترتّب عليهما حظّ، إنّما حظّه دنياه التي نالها بطلبه. ۱۳
وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله:
«ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا» هذا من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ العلم عنهم عليهم السلام ولا يجوز الاستقلال بالأفكار في العقائد ۱۴ ؛ لأنّ المستقلّ بفكره، أي الذي لم يأخذ المقدّمتين عنهم عليهم السلام كثيرا مّا يُخطئ في مادّة أفكاره. ۱۵

1.السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمربن اُذينة».

2.معاني الأخبار ، ص ۱۸۱ ، باب معنى الاستئكال بالعلم» ؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج ۲ ، ص ۱۱۷ ـ ۱۱۸ ، ح ۱۴.

3.في المصدر: «من مخالفينا».

4.معاني الأخبار ، ص ۱۸۱ ، باب معنى قول الصادق عليه السلام من تعلم علما ليماري به السفهاء أو... ، ح ۱؛ عيون أخبار الرضا ، ج ۲ ، ص ۲۷۵ ، ح ۶۰ . و روي عنهما في بحارالأنوار ، ج ۲ ، ص ۳۰ ، ح ۱۳.

5.راجع: القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۸۴؛ لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۵۹۳ (نهم).

6.المرويّ في الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۳۱ ، باب ذم الدنيا و الزهد فيها ، ح ۱۱ ، و ص ۳۱۷ ، باب حبّ الدنيا و الحرص عليها ، ح ۸؛ و عنه في بحارالأنوار ، ج ۷۰ ، ص ۲۰ ، ح ۹.

7.الشورى (۴۲): ۲۰.

8.البقرة (۲): ۸۱ .

9.في «ب» و «ج»: «للكفاية».

10.في المصدر: «يرجع».

11.من قوله: «و بأهله ـ إلى ـ و عمل به» لم يرد في المصدر.

12.في المصدر: «لم يتقيّد».

13.الحاشية على اُصول الكافي ، ۱۵۱ ـ ۱۵۳.

14.في المصدر: + «والأعمال».

15.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۹۴ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
440
  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 94254
صفحه از 644
پرینت  ارسال به