447
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الحديث الرابع

۰.روى في الكافي بهذا الإسناد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ مُحِبّا لِدُنْيَاهُ، فَاتَّهِمُوهُ عَلى دِينِكُمْ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيْءٍ يَحُوطُ مَا أَحَبَّ» .
وَقَالَ عليه السلام :
«أَوْحَى اللّه ُ تعالى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَالِما مَفْتُونا بِالدُّنْيَا؛ فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي؛ فَإِنَّ أُولئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ الْمُرِيدِينَ، إِنَّ أَدْنى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِ عَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ».

هديّة :

(محبّا لدنياه) أي لحرامها. وفي الحديث كما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «ليس منّا من لم يحبّ جمع المال من الحلال ليكفّ به وجهه، ويقضي به دَينه ويصِل به رحمه». ۱
(فاتّهموه على دينكم) أي فاقطعوا بأنّه ضرر دينكم بعدم موافقة قوله لفعله، أو ظنّوه كذا. يُقال: اتَّهَمه بمعنى ظنّه كتَوَهَّمه، وظَنَّه بمعنى علمه كثير. وقيل: يعني فاعتقدوه متّهما في قوله وفعله صونا على دينكم. ۲
و«الحوط» و«الحياطة»: الحفظ والصيانة. يعني فإنّ كلّ محبّ مع محبوبه ويراعي جانبه.
وحبّ الدِّين وحبّ الدنيا الحرام كحبّ أمير المؤمنين عليه السلام وحبّ الثاني ـ مثلاً ـ لا يجتمعان في قلبٍ قطّ. لمّا كان البغض الكامن من المهلكات كالسمّيّات فلذا تمحّل المخالفون برضاه عليه السلام على قتل الثالث باستحباب بغضه على قدر شعيرة. فأظهروا على المنابر ورؤوس الخلائق؛ فرارا عن بلائه المبرم، وقصدا إلى الخلاص من المرض الباطني المهلك اُظهر أو لم يُظهر.
(لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدُّنيا) كالمدّعي لعلم الدِّين بالكشف من دون استناد في علمه إلى الحجّة المعصوم المنحصر عدده في حكمة اللّه سبحانه. أي لا تجعله وسيلة التقرّب إليّ ظنّا منك بادّعائه وادّعاء رهطه المريدين أنّه صاحب الكشف والكرامات، وعالِم بالأسرار والخفيّات، وهو بتركه للدُّنيا مفتون بها كمن ترك الدنيا للدُّنيا، والدليل على ذلك أنّه يحبّ كثرة المريدين من الحمقاء، ويدّعي المكاشفة بالرياضة الممنوعة شرعا، ويُظْهِر العلم بالأسرار وحقائق الأشياء من دون أن يكون حجّة معصوما منصوصا، أو تابعا له فيما أمر به ونهى عنه.
قال برهان الفضلاء: «يحوط» على المضارع المعلوم من باب نصر، أو التفعيل. و«الحوط» و«التحويط»: المحافظة والرعاية.
و«ما» مصدريّة، أو موصولة. فعلى الأوّل: المصدر نائب عن ظرف الزمان والعائد مقدّر، فبمعنى: يحوطه مدّة حبّه إيّاه، فلو زال الحبّ لزال الحوط.
وعلى الثاني: من قبيل وضع الظاهر موضع الضمير لإفادة التعليل، فبمعنى: يحوطه لحبّه إيّاه.
والمراد بنزع حلاوة المناجاة من قلوبهم: عدم توفيقهم للرجوع إلى محكمات الكتاب والسنّة.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«يحوط ما أحبّ» أي كلّ محبّ لشيء يحفظه ويتعهّد من هذا الشيء ومن مقابله ما أحبّ، وحبّه ۳ المقابل للشيء المنافي له لا يجامع حبّ ذلك الشيء؛ فمن أحبَّ الدنيا لم يحبّ الآخرة كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام : «فمَن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها». ۴ وللإشعار إلى ما ذكر قال: «يحوط ما أحبّ» ولم يقل: «يحوطه».
ومن المعلوم أنّ حفظ الدنيا وتعهّدها لا يجامع إظهار الحقّ والعمل به غالبا، فمن يحوطها يميل إلى الباطل كثيرا، فكلّ قول وفعل منه مظنّة كونه من الكثير الغالب، فينبغي أن يتّهمه العاقل ويسيء الظنّ به، ولا يأتمنه على دينه، ولا يعتمد عليه في أخذ العلوم الدينيّة.
«لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدُّنيا» أي لا تجعل المفتون بالدُّنيا أي المُعجَب بها بين اللّه وبينك وسيلةً إلى حصول معرفة اللّه ومعرفة دينه وشريعته التي شرّعها لعباده، «فيصدّك» ويمنعك «عن طريق محبّتي» بالترغيب إلى الدنيا، وتهييج الشهوة إلى طلبها، وتشييد محبّتها في القلب.
«فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين»؛ لأنّهم يُميلون الناس من الرغبة إلى اللّه وإلى الآخرة إلى الرغبة في الدنيا وأسبابها، أو لأنّهم بإراءتهم للناس أنّهم علماء أمالوا الناس من طلب العالم الربّاني إلى الرجوع إليهم والأخذ عنهم، فأضلّوهم عن السبيل إليه.
«أدنى ما أنا صانع بهم» أي أقلّ ما أجزيهم بكونهم مفتونين بالدُّنيا، وذلك لمن فيه أقلّ مراتب الافتتان، وهو المتحرّز عن تناولها لا من حلّها مع حبّه لها «أن أنزع حلاوة مناجاتي» أي الحكاية معي والدّعاء وعَرْض الحاجة عليَّ من قلبه، وذلك لشغل قلبه بالدُّنيا عن اللّه سبحانه وعن حقوقه، فلا يدرك حلاوة المناجاة؛ لشغل قلبه بغير من يناجيه، أو لأنّ إدراكه لكيفيّة المناجاة وطعمها مشوب بإدراك كيفيّة نيل الدنيا وطعمها، وهي مرّة في ذاتها وإن وافقت ذائقته، فلا يخلص له حلاوة المناجاة مع ربّه ، فهو سبحانه بتركه على افتتانه نَزَع حلاوة المناجاة عن قلبه.
ولا يبعد أن يقال: المراد بالمناجاة هنا معناه الأصلي من المسارّة، و الحكاية بالسرّ؛ فإنّ في الإسرار مع الحبيب حلاوةً ليس في الإظهار، وهو لحبّه للدُّنيا وافتتانه بها يحلو ۵ عنده وفي ذوقه الإظهار دون الإسرار. ۶

1.الفقيه ، ج ۳ ، ص ۱۶۷ ، ح ۳۶۱۵؛ الكافي ، ج ۵ ، ص ۷۲ ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح ۵ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۷ ، ص ۴ ، ح ۱۰. و في المصادر: «لاخير فيمن لا يحب» بدل «ليس منا من لم يحب».

2.قاله في الوافي ، ح ۱ ، ص ۲۱۳.

3.في المصدر: «محبّة».

4.نهج البلاغة ، ص ۴۸۶ ، الحكمة ۱۰۳؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج ۷۰ ، ص ۱۲۹ ، ح ۱۳۴.

5.في جميع النسخ: «يخلو» بالمعجمة ، و ما أثبتناه من المصدر، و هو الصحيح.

6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۵۳ ـ ۱۵۵.


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
446

الحديث الثاني

۰.روى في الكافي عَن الاثنين، عَنْ الْوَشَّاءِ۱، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْاخِرَةِ نَصِيبٌ؛ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرَ الْاخِرَةِ، أَعْطَاهُ اللّه ُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ».

هديّة :

يعني من طلب العلم من مأخذه الذي مأخذه الحجج ۲ المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه لخصوص منفعة الدنيا، أو لحرام منفعتها لم يكن له في الآخرة نصيب من الثواب. ومن أراد به خير الآخرة بالتعلّم والعمل به، والتعليم للّه تبارك وتعالى أعطاه خير الدنيا والآخرة.
وفي الحديث دلالة بيّنة على أنّ العلم الحقيقي لا يحصل للرعيّة في اُمور الدِّين إلّا بالأخذ عن مأخذه الحقيقي الذي مأخذه خزائن علم اللّه تبارك وتعالى.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
يعني من طلب علم الحديث لمنفعة الدنيا، كمنصب الفتوى والقضاء لم يكن له في الآخرة نصيب من الجنّة. ومن أراد به خير الدنيا والآخرة أعطاه خير الدنيا من العزّة وسعة الرزق ونحوهما، وخير الآخرة من النجاة ودخول الجنّة ورفعة الدرجة.

الحديث الثالث

۰.روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْاَ?ْبَهَانِيِّ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْاخِرَةِ نَصِيبٌ».

هديّة :

بيانه كسابقه.

1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».

2.في «الف»: «علم الحجج».

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113542
صفحه از 644
پرینت  ارسال به