457
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
456

الحديث الثالث

۰.روى في الكافي عَنْ الخمسة۱، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«إِذَا بَلَغَتِ النَّفْسُ هَاهُنَا ـ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ ـ لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِمِ تَوْبَةٌ»، ثُمَّ قَرَأَ : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ» .

هديّة :

(النفس) هنا بسكون الفاء: الرّوح.
والآية في سورة النساء قال اللّه تبارك وتعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّه ُ عَلِيما حَكِيما* وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْانَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابا أَلِيما»۲ . فقراءته عليه السلام هذه الآية إشارة إلى تفسيرها؛ دفعا للتوهّم الناشئ من أداة الحصر فيها: أنّ العالم ليست له التوبة أصلاً؛ وتصريحا بأنّ الحصر إنّما هو لإفادة أنّ الفرق بين العالم والجاهل في قبول التوبة وعدمه، إنّما هو عند الإشراف على المعاينة التي يسدّ عندها باب التوبة؛ إذ لا معنى لقبولها عند رؤية المكان من الجنّة أوالنار، فتُقْبل توبة الجاهل قبل المعاينة ولو بنَفَسٍ، وتوبة العالم قبلها بنفسين بدلالة «حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ» هنا، و «حتّى إذا بلغت الحلقوم ۳ » في موضع آخر.
وفي بعض التفاسير:
ومن لطف اللّه بعباده أمره قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر، ثمّ ينتهي إلى الحلق فيعاين؛ ليتمكّن في هذه المهملة من الإقبال بالقلب على اللّه ، والوصيّة، والتوبة ما لم يعاين، والاستحلال، وذكر اللّه ، فيخرج روحه وذكر اللّه بالتولّي والتبرّي ۴ على لسانه، فيرجى بذلك حسن خاتمته إن شاء اللّه تعالى ۵ .
والتوبة والرجوع والإنابة، فإذا نسبت إلى اللّه تعالى تعدّت ب «على»، وإذا نسبت إلى العبد تعدّت ب «إلى». قال اللّه تعالى: «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا»۶ أي ألهمهم التوبة، أو وفّقهم لها ليرجعوا، فإذا رجعوا قبل المعاينة على التفصيل المذكور قبل توبتهم وهو التوّاب الرحيم.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
«النفس» بالسكون: الروح.
وظاهر هذا الحديث دلالة على إبطال تجرّد النفس الناطقة.
والمراد ب «العالم»: من علم أنّ الكبيرة هي المعصية التي أوعد اللّه بها النار، وب «الجاهل»: من لا يعلم ذلك، ولا يفرّق بين الكبيرة والصغيرة مع علمه بحرمتهما.
و«السوء» في الآية بمعنى الكبيرة. و«الباء» في «بجهالة» للملابسة.
وفي الآية دلالة على أنّ التوبة عن الكبيرة عند بلوغ النفس إلى الحلق لا تقبل أصلاً مع العلم بالكبيرة، إلّا أن تكون حقّ الناس، فتقع المراجعة بالحسنات، فتحتمل النجاة بعد الحساب، وإلّا فلا، كما مرّ في شرح الأوّل من الباب السابق.
وفي حقّ اللّه أيضا تحتمل النجاة بعد الحساب وإن لم تقبل التوبة عند بلوغ النفس إلى الحلق.
و«ثمّ» في تمام الآية في سورة النساء للتراخي. و«من» بمعنى «في». و«قريب» عبارة عن الوقت المتّصل بلقاء اللّه ، وهو وقت بلوغ النَفْسِ إلى الحلق.
وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «إذا بلغت النفس» هاهنا دلالة على أنّه لم يكن للعالم توبة عند الاحتضار. ۷
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
المراد ببلوغ النفس إلى الحلق قطع تعلّقها عن الأعضاء، والانتهاء في قطع التعلّق إلى حوالَي الحلق من الصدر ۸ والرأس، وهو آخر ساعة من الحياة الدنيويّة.
«لم يكن للعالم توبة» أي لمن يعلم الأدلّة وما يترتّب على العمل فعلاً وتركا، تضييقا وتشديدا للأمر عليه.
«ثمّ قرأ إنّما التوبة الآية» تمسّك فيما قاله بكتاب اللّه سبحانه؛ حيث حكم بانحصار استحقاق قبول التوبة للجاهلين و«الجاهل» هنا مقابل «العالم» بالمعنى الذي ذكرنا. وحمل الآية على انحصار قبول التوبة عند الخروج من الدنيا للجاهل؛ لدلالة الأدلّة على قبول التوبة لغير الجاهل قبله ۹ . انتهى.
أوّل بيانه بتمامه ظاهرا على القول بتجرّد النفوس الناطقة كما هو مذهب الفلاسفة، وله مفاسد لا تحصى؛ لحقّيّة تفرّده تعالى باللّازمانيّة واللّامكانيّة كتوحّده ـ جلّ وعزّ ـ بالقدم والخالقيّة بمجرّد نفوذ الإرادة، فلو كان فيما سوى اللّه موجود مجرّد عن الزمان والمكان والمادّة ذاتا وبالتبعيّة، فلابدّ أن يكون تأثيره بفعله بمجرّد نفوذ الإرادة، وهو خاصّ المتفرّد بما ذكر تعالى شأنه، فكلّ جوهر جسم أوما يلتئم منه الجسم، وكلّ عرض جسماني والزمان ينتزع من استمرار البقاء للممكنات.

1.يعنى: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير».

2.النساء (۴): ۱۷ ـ ۱۸.

3.إشارة إلى الآية ۸۱ من الواقعة (۵۶).

4.«بالتولي و التبرّي» من إضافات المصنّف و ليس في المصدر.

5.تفسير الصافي، ج۱، ص ۴۳۲، ذيل الآية ۱۸ من النساء (۴)؛ بحار الأنوار، ج ۶ ، ص ۱۶ ـ ۱۷.

6.التوبة (۹): ۱۱۸.

7.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۹۴ .

8.كذا في المصدر، و في «الف» و «ب»: «الحلق» بدل «الصدر». وفي «ج»: «حلق».

9.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۱۵۸ ـ ۱۵۹.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 94275
صفحه از 644
پرینت  ارسال به