الحديث الرابع
۰.روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ الْقَدَّاحِ،۱عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّه ِ، مَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: ۲ الْاءِنْصَاتُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الِاسْتِمَاعُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْحِفْظُ؟ قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللّه ِ؟ قَالَ: نَشْرُهُ».
هديّة :
(ما العلم) أي العلم القطعي الذي لا يجري فيه الاختلاف أصلاً، كعلم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه.
(فقال: الإنصات) أي السكوت عمّا يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة ممّا يحتاج إليه في الدِّين.
وكلمة (مَهِ) إمّا مخفّف «ما هو» أو قد يكتب «م» مخفّف «مامع» «هاء» السكت.
(قال: الاستماع) أي إلى كلام الحجّة المعصوم، أو من سمع منه ولو بالواسطة.
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه :
ظاهر تقديم «الإنصات» على «الاستماع» موافقا لما يجيء في كتاب الصلاة في الباب الثاني والعشرين باب عزائم السجود في الحديث الثالث منه من قوله: «إلّا أن يكون مُنصِتا لقراءته مستمعا لها» أنّ «وأنصتوا» في آية سورة الأعراف: «وَإِذَا قُرِءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا»۳ ليس معطوفا على الجزاء، بل على جملة مركّبة من الشرط والجزاء.
والمراد الأمر بالسكوت للاستماع ۴ أينما تراد قراءة القرآن ليقع الشروع فيه بلا مهلة؛ يعني فقال: يا رسول اللّه ، ما الذي يطلب في طلب العلم ليحصل العلم؟ «فقال: الإنصات» أي في مجلس العلم قصدا أخذه. «قال: الاستماع» أي إلقاء السمع إلى كلام العالم. «قال: الحفظ» أي في الذكر أو الكتاب.
وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله:
«الإنصات» و«الاستماع» و«الحفظ» صريح في انحصار طريق علم الدِّين في السماع عنهم عليهم السلام ولو بالواسطة العادلة. ۵
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
لعلّ السؤال عمّا هو مناط العلم حصولاً وبقاءً، أو عمّا يعرف به حصول العلم للعالم ويمتاز به عن الجاهل، فأجابه صلى الله عليه و آله وسلم بأنّه الإنصات، وهو أن يسكت سكوت مستمع، وهو مناط العلم وعلامته.
«قال: ثمّ مَه؟» أصلها «ما» قُلبت الألف هاءً؛ فإنّ ألف «ما» الاستفهاميّة قد تقلب «هاءً» كما في حديث أبي ذُؤيب: «قدمتُ المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلّوا بالإحرام، فقلت: مَه؟ فقيل: هلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». ۶
«قال الاستماع» أي المناط بعد الإنصات الاستماع، وهو ممّا حصوله علامة العلم.
«قال: الحفظ» أي المناط بعد الاستماع الحفظ، وهو أيضا ممّا وجوده من علامات العلم.
«قال: العمل به» فإنّ العمل مناط بقاء العلم وتقرّره، وهو من علامات العلم.
«قال: نشره» وهو مناط بقاء العلم مطلقا وتقرّره فيه، وهو من علامات وجود العلم فيه.
ولا يبعد أن يكون السؤال الأخير ابتداء السؤال من غير جنس ما سأل عنه أوّلاً؛ فإنّه لمّا انتهى الكلام في الجواب إلى مناطيّة العمل للعلم ودلالته عليه، فدلَّ على أنّه ممّا يجب الإتيان به، فابتداء السائل هنا سؤالاً آخر، ۷ وهو أنّه بعد العمل بالعلم ما الذي يجب على العالم أن يأتي به؟ ولذا أعاد النداء، وصرّح به عنده وقال: «يارسول اللّه » فأجاب صلى الله عليه و آله بأنّ ما يجب على العالم بعد أن عَمِل ۸ بعلمه نشر العلم. ۹ انتهى.
في استشهاده رحمه اللهلقلب «ما» الاستفهاميّة «هاءً» ما ترى.
1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبداللّه بن ميمون القدّاح».
2.في الكافي المطبوع: «قال».
3.الأعراف (۷): ۲۰۴.
4.في«الف»: - «للاستماع».
5.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۹۳.
6.فتح الباري، ج ۸ ، ص ۵۸۰ ؛ كنز العمّال، ج ۷، ص ۴۲۰، ح ۱۸۸۳۰؛ الإصابة، ج ۷، ص ۱۳۲.
7.في «الف» و «ب»: «فابتداء السؤال هنا سؤال آخر»، وكذا في «ج» ولكن لم ترد فيه كلمة «آخر». و ما أثبتناه من المصدر.
8.في «ب» و «ج»: «أعمل».
9.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۱۶۴ ـ ۱۶۵.