493
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
492

الحديث الحادي عشر

۰.روى في الكافي عن عَلِيٍّ۱، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«وَجَدْتُ عِلْمَ النَّاسِ كُلَّهُ فِي أَرْبَعٍ : أَوَّلُهَا : أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ ، وَالثَّانِي : أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ ، وَالثَّالِثُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ ، وَالرَّابِعُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ مِنْ ۲ دِينِكَ» .

هديّة :

(وجدت علم الناس كلّه) أي العلم الذي يحتاج إليه الناس في دينهم الحقّ أوّلها (أن تعرف ربّك) يعني على ما عرّف به نفسه، وأخبر به حججه المعصومون العاقلون عنه بمجرّد طَوْله العظيم ولطفه العميم، وهو أرحم الراحمين، وأرأف بعباده من والديهم والأقربين. واللّه ، لولا إخبارهم عليهم السلام عقلاً عنه جلّ وعلا بالأسماء الحسنى والأثِنيةَ العليا، والصفات الخاصّة بذاته تعالى ما سمّاه أحدٌ أبدا بها، ولا يعرفه أحد بصفاته الخاصّة أبدا، لا واللّه ، لا صوفيّ قدريّ مرتاض بالآلام، ولا وجديّ مدّعٍ لمعارج في البِسْطام ، فالحكم لهم عليهم السلام والحجّة معهم على الأنام إلى يوم القيام، وهم قد حكموا بكفر من قال بمقالة الصوفيّة القدريّة، وكونه مخلّدا في النار. وقد خرج توقيعا كما نقله الشيخ المفيد قدس سره في حديقة الحدائق ۳ ، ومولانا أحمد نزيل الغَرِيّ رحمه الله ۴ في حديقة الشيعة من الصاحب صاحب الأمر والزمان صلوات اللّه عليه في سؤال الشيعة بعد قتل الحلّاج في الغيبة الصغرى بأمر بني العبّاس وإفتاء الشافعيّة عن حاله ب «أنّه» كان زنديقا نجسا، وهو عدوّ اللّه مخلّد في النار .
(والثاني أن تعرف ما صنع بك) يعني أن تعرف نفسك وخلقتك وصنعه فيك، وتفضّله معك بأنواع التفضّلات وأقسام التلطّفات، وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» ۵ يعني من عرف نفسه ـ كما ينبغي ـ فقد عرف ربّه على ما عرّف به نفسه لعباده، من تفرّده تبارك وتعالى بالأزليّة، والخالقيّة، والقدرة على كلّ شيء بمجرّد نفوذ الإرادة، وغير ذلك ممّا أخبر به حججه المعصومون العاقلون عنه سبحانه. ويكفي للعبد من بيان معرفة نفسه مفصّلاً بعد معرفته بأحوالها المتغايرة بكمال عجزها ونهاية احتياجها إيماءً مّا إلى قطرة من البحار وأثر من الآثار. ما أبين خباثة النطفة وكونها بحيث لو تلطّخ إصبعك بها ولم يكن ماء لإزالتها كاد أن ترضى بقطع الإصبع، وهي بعد صيرورتها في الرحم علقةً ثمّ مضغةً توجد بصنعه تبارك وتعالى، فيها نقاط سود صغار في غاية الصغر ـ بحيث لا يدركها إلّا إمعان النظر ـ اثنتنان من تلك النقاط تصير بحكمة صنعه سبحانه عينيك بطبقاتهما، وأجفانهما، وأشفارهما، وهيئاتهما، ومكانهما من الوجه، ومائهما المالح المخلوق فيهما لصلاحهما، ونورهما السيّار في مقدار طرفة العين ونِصْفِ النظر من الناظر إلى فلك البروج.
واثنتان اُخراوان تصير اُذنيك بصماخهما، وهيئاتهما، ومكانهما من الرأس، ومائهما المُرّ المخلوق فيهما؛ صونا من اختلالهما من الهوامّ والسوام ونحوهما؛ وسامعتهما التي تدرك الصوت المخلوق بحركة الشفتين ـ مثلاً ـ في الهواء المجاور للحلق أوّلاً، ثمّ في سلاسل أمواج الهواء المنتهية إلى الصماخ على هيئات الحروف على أنحاء كثيرة لا تحصى.
وهكذا سائر تلك النقاط السود الصغار المخلوقة أوّلاً في المضغة تصير بقدرته وصنع حكمته أنفك وفمك من الوجه، ولسانك وأسنانك في الفم، ويديك ورجليك بمفاصلهما وأصابعهما وهيئاتهما وموضعها من البدن، وسائر جوارحك من قرنك إلى قدمك ظواهرهما وبواطنهما من الأحشاء والأمعاء، وغير ذلك ممّا لا تخفى «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»۶ .
(والثالث أن تعرف ما أراد منك) يعني أن تعرف لماذا خلقك؟ وما أراد منك لمعاشك ومعادك؟ خلقك لمعرفته بمعرفة مفترض الطاعة، وطاعته على ما اُخبرت واُمرت، وأراد منك بمحض التفضّل الامتثال في الأمر والنهي هنا راضيا شاكرا، ثمّ الاشتغال بالسرور المخلّد، والعيش المؤبّد في دار الخُلد وجنان الرحمان بعد طيّ عقبات البرزخ ومواقف أهوال الموقف للعرض الأكبر، سالما حامدا «وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»۷ .
(والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك) يعني أن تعرف عدوّ دينك، ومن يفسد إيمانك موافقته وتبعيّته.
إنّ رئيس رؤساء الأعداء لدين اللّه سبحانه هو إبليس اللّعين، وهو العدوّ المبين غير المبين، هو وأبالسته يجيئون للتسلّط على بني آدم بالوسوسة من الجوانب الستّة، وقد يتمثّلون بأشكالٍ مختلفة ويكيدون بمكائد عجيبة معجبة ، وقصّة الشيخ النجدي والذي أحكم البيعة أوّلاً مع الأوّل وغير ذلك من القصص معروفة، ونفوذهم في الأصنام المتنطّقة والوجديّين من الصوفيّة القدريّة والطائرين من الجواكي الهندية ظاهر لاُولي الأبصار، ومشهور بتواتر الأخبار .
وكما أنّ للإيمان سلسلة واحدة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيام قائمة في كلّ عصرٍ من الأعصار بحجّة معصوم وشيعته ، فللكفر سلاسل شتّى ظلمانيّة ممتدّة من لدن قابيل إلى انقراض الدنيا قائمة برئيس الملاعين وتبعته من الأبالسة والطواغيت وأشياعهم ومريديهم .
وكما أنّ في سلسلة الإيمان فقهاء وفضلاء دائما، ففي سلاسل الكفر رؤساء مهراء في الشيطنة والنَكراء ما دامت الدنيا.
تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين كلّهم أهل التوراة، كانت إحداها ناجية والباقية هالكة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلّهم أهل الإنجيل، إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، وهذه الاُمّة على ثلاث وسبعين كلّهم أهل القرآن كانت بالنصّ وإجماع الجميع إحداها ناجية والباقية باغية طاغية هالكة ۸ .
وقد عرفت مرارا أنّ مكائد أفكار الشيطان ومصائد خدائعه لعباد الرحمان خارجة من الإحصاء والحسبان، وأنّ أدقّها وأخفاها على الإنسان طريقة التصوّف المحفوفة بأشياء من المكارم والأخلاق والحديث والقرآن والأشعار والأمثال ومحاسن الأقوال والأفعال وغير ذلك ، كوسخ الحديد المرصّع بجواهر نفيسة وصنائع لطيفة؛ فكفر الصوفيّ أسوء صنوف الكفر، والتصوّف أخيب شعوب الشرك، وهو من أواخر أفكاره بذلك العمر، وتلك المهارة بتلك القوّة والجرأة الطامعة في الأنبياء عليهم السلام مع علمه بأنّهم معصومون قصدا بالذات إضلاله الناجية من الفرق؛ لعلمه بأنّهم لا يهلكون بالمعصية ومن ورائهم الزيارات والشفاعات وسائر الأسباب للنجاة والمنجيات، وأنّهم لا يكاد أن يتهوّدوا بوسوسته، أو يتنصّروا، أو يتمجّسوا، ففكّروا فكرا وتفكّر، فانتهى فكره إلى وضع طريقة التصوّف، فنعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، ولعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين على الملحدين الأبعدين من الصراط المستقيم، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله المعصومين وسلّم أبد الآبدين .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
«وجدت علم الناس» أي العلم الذي ينفعهم في الدِّين كلّه «في أربع كلمات أوّلها : أن تعرف ربّك» بأنّه ربّ العالمين على ما عرّف به نفسه .
والثاني ۹ : أن تعرف ما صنع بك» أي تعترف بأنّ خلق الدنيا وما فيها لو كان بدون التكليف وإرسال الرُّسل والأحكام والآداب والمجازاة في الآخرة لكان عبثا ولهوا ولعبا، كما بيّن المصنّف ـ طاب ثراه ـ في جواب السؤال الأوّل ، وبيّنا في شرح قوله في الخطبة : «فلو كانت الجهالة جائزة».
والثالث : أن تعرف ما أراد منك» أي برسالة الرّسل وإخبارهم بمنافعك ومضارّك .
والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك» كالشرك، والإصرار على الكبيرة، واتّباع أهل الرأي وأئمّة الجور» .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«علم الناس» أي بما يحتاجون إلى معرفته وينتفعون به منحصر في أربع معارف «أوّلها» أي أوّل المعارف الأربع، أو أوّل أقسامها؛ حيث عُرِف انقسامها بالأقسام «أن تعرف ربّك» بكونه موجودا أزليّا أبديّا واحدا أحدا عالما قادرا وبسائر صفات ذاته وصفات فعله معرفة يقينيّةً فيما يمكن منها تحصيل ۱۰ اليقين فيه .
«والثاني» : من الأقسام معرفتك بما صنع بك من إعطاء العقل والحواسّ والقدرة واللّطف بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب، وسائر نعمه العظام .
«والثالث» : معرفتك بما أراد منك وطلب فعله والكفّ عنه، وبما أراد من طريق معرفته وأخذه من المآخذ المعلومة بالعقل، أو بالنقل .
«والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك» كاتّباع الطواغيت، والأخذ من غير المآخذ، وإنكار الضروريّ من الدِّين . ۱۱

1.في الكافي المطبوع : + «بن إبراهيم».

2.في «ب» و «ج»: «عن».

3.لم نعثر عليه.

4.في مجمع البحرين، ج ۱، ص ۳۱۵ (غرا) : «الغريّ، كغنيّ البناء الجيّد، ومنه الغريّان بناءان مشهوران بالكوفة، قاله في القاموس. وهو الآن مدفن عليّ عليه السلام ».

5.غررالحكم، ص ۲۳۲، ح ۴۶۳۷؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۲۰، ص ۲۹۲، ح ۳۳۹. ورواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في عوالي اللآلي، ج ۴، ص ۱۰۲، ح ۱۴۹؛ بحارالأنوار، ج ۲، ص ۳۲، ح ۲۲.

6.المؤمنون (۲۳) : ۱۴.

7.يونس (۱۰) : ۱۰ .

8.إشارة إلى حديث الافتراق، رواه الفريقان. راجع : بحارالأنوار، ج ۲۸، ص ۲، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله على ثلاث وسبعين فرقة و... .

9.كذا، والمناسب: «والثانية» وكذا بعدها: والثالثة... والرابعة.

10.في «الف»: «لتحصيل».

11.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۱۷۶ ـ ۱۷۷ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113808
صفحه از 644
پرینت  ارسال به