الحديث الثالث
۰.روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام: إِنِّي أَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْكَ ، فَأُرِيدُ أَنْ أَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ فَلَا يَجِيءُ؟ قَالَ : «فَتَتَعَمَّدُ ذلِكَ؟» . قُلْتُ : لَا ، فَقَالَ : «تُرِيدُ الْمَعَانِيَ؟» . قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَلَا بَأْسَ» .
هديّة :
(فلا يجيء) أي فلا أقدر عليه؛ لأنّه نسي خصوص اللّفظ، أو لعسر الإفهام، أو لغرض آخر.
في بعض النسخ : «فتعمّد» من عمده ـ كضرب ـ : قصده كتعمّده، يعني : أفتريد حنيا ؟ فالتقدير : «أفقد تتعمّد أن ترويه بغير لفظ عمدا لا لغرض صحيح، أو نسيان خصوص اللفظ ».
(قلت : لا ، فقال تريد المعاني؟) أي بيان المعاني لمكان النسيان، أو لغرض آخر؟
(قلت : نعم ، قال : فلا بأس) في «فلا بأس» كسابقه دلالة صريحة ـ كظاهر الآية ـ فيه على جواز نقل الحديث بالمعنى على الوجه الصحيح، إلّا أنّ نقله بألفاظه على ما سمع أولى بالاتّفاق؛ لوجوه بيّنة .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
«فتعمّد ذلك» على الخطاب المعلوم من الإفعال، أو التفعيل، والإعماد والتعميد : جعل الشيء ذا عمد. والعمد ـ بالتحريك ـ : جراحة سنام الإبل من تحت الجلد مع صحّة ظاهر الجلد. يعني فلا يجيء بخاطري كما سمعتُ . قال : أفتجعل الكلام حَسَن الظاهر وسيّء الباطن؟ بمعنى أنّك تخيّل الناس بذلك أنّ اللفظ الذي تلفظ به هو لفظك؟ «قلت : لا ، فقال : تريد المعاني؟» يعني جميع معانيه بلا زيادة ونقصان ؟ «قلت : نعم ، قال : فلا بأس ».
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«فلا يجيء» أي هل يجوز فيما سمعته منك واُريد أن أرويه كما سمعته بألفاظه فلا يجيء كذلك ؟ ۱
قال عليه السلام في جوابه : «فتعمّد ذلك؟» يقال : تعمّدته : إذا قصدته كعمدته، أي أتقصد اللّفظ وتريد به روايته بألفاظه جميعا ؟ فقال السائل : «لا ، فقال عليه السلام : تريد المعاني؟» أي روايته بمعانيه من غير محافظة على اللّفظ؟ فقال السائل : «نعم ، فقال عليه السلام : فلا بأس» أي إذا كنت بصدد نقل المعنى، فلا بأس بعدم المحافظة على اللّفظ .
ويحتمل أن يكون «فتعمّد» من المجرّد. يقال : عمدت الشيء، أي أقمته بعماد، أو «فتعمد» من إلأفعال. يقال : أعمدته جعلت تحته عمادا، ويكون ۲ المعنى : أفتضمّ إليه شيئا من عندك تُقيمه به وتصلحه كما يقام الشيء بعماد يعتمد عليه ؟ فقال السائل : «لا ، فقال عليه السلام : تريد المعاني» وتقصدها وتحفظها من الزيادة والنقصان؟ فقال السائل : «نعم ، فقال : فلا بأس» في النقل بالمعنى . ۳