الباب التاسع عشر : بَابُ التَّقْلِيدِ
وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :
الحديث الأوّل
۰.روى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي۱، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ :«اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه ِ»؟ فَقَالَ :«أَمَا وَاللّه ِ ، مَا دَعَوْهُمْ إِلى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ ، وَلكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاما ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالاً ، فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ» .
هديّة :
معنى (التقليد) في العنوان (باب) بيان عمل غير الفقيه من الرعيّة في الحلال والحرام بقول الفقيه منهم، أو الإمام ، والتقليد الحلال والتقليد الحرام. والآية في سورة التوبة في توبيخ بعض أهل الكبائر ۲ .
(أحبارهم) أي علماءهم ، (ورهبانهم) أي مشايخهم المرتاضين بالرياضات الشاقّة المبتدعة. وما أكثر وأبين تحليل الحرام وتحريم الحلال في طريقة الصوفيّة القدريّة ، قال روميّهم في الدفتر الخامس من كتابه في بيان قولهم : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع :
إنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والإكسير للكيمياء، فإذا برأ المريض وصار الصُفْر ذَهَبا فلم تبق حاجة إلى دواء وإكسير ، والسالك يصل بالرياضة في حياته في الدنيا إلى مقام ليس عليه فيه عبادة، ولا حلال ولا حرام ۳ .
ولذا قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» ۴ ؛ فإنّ نكاح ذوات المحارم من الاُمّهات والبنات والأخوات وغيرهنّ حلال عندهم كما عند المجوس، وحلال الشريعة حلال لكلّ مكلّف أبدا وحرامها حرام عليه أبدا، وارتفاع التكليف بالجنون، ويجب الاستعاذة منه كما من الشيطان لا يقيم لهم جوابا بوجه ، واستشهد أمير المؤمنين عليه السلام في الصلاة .
ومن مزخرفاتهم لعنهم اللّه أنّ المريد يجب عليه في صلاته أن يقصد بكاف الخطاب في «إيّاك نعبد» شيخه؛ لأنّه واصل فيصل إلى من وصل، كإلابرة إلى الإبرة الواصلة إلى المقناطيس، لعنهم اللّه .
ما دعى الأحبارُ جماعةَ اليهود، ولا الرهبانُ جماعةَ النصارى (إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم) ودعى هؤلاء الزنادقة مريديهم إلى عبادة أنفسهم فأجابوهم كما في الحديث الثالث . ولذا ورد في الحديث : «أنّ الصوفيّة أشدّ كفرا من اليهود والنصارى والمجوس». لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
«الأحبار» : جمع «حبر» بالفتح والكسر، وسكون المفردة معهما، بمعنى العالِم أو عالِم اليهود .
«والرُّهبان» بالضمّ : جمع «راهب» بمعنى المرتاض، كمشايخ الصوفيّة لعنهم اللّه ، وقسّيسين النصارى.
يعني قلت له عليه السلام : إنّ اللّه وبّخ في سورة التوبة بعض أهل الكبائر بأنّهم أشركوا واتّخذوا علماءهم وأشياعهم المرتاضين أربابا لأنفسهم من دون اللّه ؟ فقال عليه السلام : ليس واللّه شركهم شرك الجحود بل شرك اتّباع الآراء والظنون من علماءهم ومرتاضيهم، أحلّوا لهم حراما كتقليد أهل الظنّ، وحرّموا عليهم حلالاً كسؤال أهل الذِّكر بالاجتهاد وادّعاء حصول الكشف بالرياضة .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
يعني سألته عن معنى هذه الآية.
«ولو دعوهم ما أجابوهم» أي على وفق دعوتهم كما في «أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا»۵ .
«ولكن أحلّوا لهم حراما، وحرّموا عليهم حلالاً» أي على وفق أهوائهم وميلهم إلى استرضاء أهل الدنيا، أو إلى أن لا يظنّ بهم أنّهم لا يعلمون.
«فعبدوهم» أي فقبلوا منهم وسلّموا وجوب الإطاعة لهم فيما يقولونه، وهو المراد بعبادتهم؛ فإنّ الإطاعة والانقياد للأوامر والنواهي ـ من حيث هو أمرٌ ونهيّ لأحد، لا لأنّه ممّا أوجبه اللّه سبحانه عبادة له ـ وخصوصا فيما علم أنّه يخالف فيه أمره سبحانه .
أو المراد بعبادتهم إيّاهم نفيا وإثباتا فعل العبادة كالصلاة لهم، كما في حديث آخر الباب من التصريح بنفي العبادات لهم مستشعرا.
«فعبدوهم» بالقبول منهم والطاعة لهم «من حيث لا يشعرون» أنّه عبادة، وذلك لمساهلتهم وعدم تفكّرهم في أمر دينهم .
أو المراد أنّ أفعالهم وعباداتهم خصوصا فيما يخالف حكم اللّه عبادة لهم ۶ .
1.في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2.التوبة (۹) : ۳۱.
3.مثنوي معنوي، ص ۷۲۶، مقدّمة الدفتر الخامس.
4.جامع الأخبار، ص ۱۶۱، الفصل ۱۲۶؛ وعنه في المستدرك، ج ۱۸، ص ۱۸۵، ح ۲۲۴۵۷؛ عوالي اللآلي، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۱۷۵؛ و عنه في المستدرك، ج ۱۲، ص ۳۱۷، ح ۱۴۱۹۰.
5.يونس (۱۰) : ۸۹ .
6.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۱۸۹ .