هديّة :
يعني أبا الحسن الأوّل موسى بن جعفر عليهماالسلام .
«والتقليد» : العمل بفتوى الغير.
واسم (المرجئة) قد يُطلق ـ كما هنا ـ في مقابلة الإماميّة على العامّة المقابل للخاصّة. من الإرجاء، بمعنى التأخير؛ لتأخيرهم أمير المؤمنين عليه السلام عن منزلته ، وقد يُطلق على طائفة من العامّة القائلين بتأخّر العمل عن الإيمان، والمعطين لأنفسهم الرّجاء باعتقادهم أن لن تضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وأن لا فرق بين إيمان مثل جبرئيل وميكائيل وإيمان أفسق الفسّاق؛ لقولهم بأنّ الإيمان مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ عليه السلام والعمل ليس داخلاً .
فعلى الإطلاق الثاني إمّا من «الإرجاء» بمعنى التأخير، أو منه بمعنى إعطاء الرجاء.
(لم تفرّض) على المعلوم من التفعيل، وكذا (فرّضتم) فرّضه تفريضا : جعله فرضا على نفسه.
(ثمّ لم تقلّدوه) أي في بعض الاُمور بالتقليد الواجب عليكم دائما، كالمحافظة على التقيّة والفتوى بالرأي، وعدم التوقّف في تكفير الصوفيّة القدريّة.
(فهم أشدّ منكم تقليدا) أي لتقليدهم الحرام عليهم دائما في جميع الاُمور .
وقال بعض المعاصرين :
والسبب في شدّة تقليدهم لأئمّتهم أنّهم يدعونهم إلى الدّعة والرّاحة ، وأئمّتنا عليهم السلام إلى التكلّف والمشقّة ، فتقليدهم أهون على طباعهم . انتهى ۱ .
أئمّتنا عليهم السلام لم يدعونا إلى التكلّف والمشقّة والشريعة سهلة سمحة، إنّما الكلفة والمشقّة والضيق في ملّة النصارى والخوارج وطريقة الصوفيّة القدريّة .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
المراد بالمرجئة هنا الذين أخّروا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعدّوه رابع خلفائهم .
و«التفريض» : عدّ الشيء واجبا بدلالة محكمات القرآن على وجوبه . والغرض من الحديث شكايته عليه السلام عن اتّباعهم الظنّ، أو عن ترك التقيّة .
وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله :
قصده عليه السلام من المرجئة أهل السنّة؛ فإنّهم اختاروا من عندأنفسهم رجلاً بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجعلوه رئيسا، ولم يقولوا بأنّه معصوم عن الخطأ فتجب طاعته في كلّ ما يقول ، ومع ذلك قلّدوه في كلّ ما قال . وأنتم يا شيعة عليّ عليه السلام نصبتم رجلاً هو أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدتم أنّه معصوم عن الخطأ، ومع ذلك خالفتموه في كثير من الاُمور.
وإنّما سمّاهم عليه السلام مرجئة؛ لأنّ الإرجاء بمعنى التأخير، وهم زعموا أنّ اللّه تعالى أخّر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الاُمّة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
«ولكن أحلّوا لهم حراما » قصده عليه السلام أنّ كلّ من قلّد ظنون غيره فقد جعله شريك اللّه في الأمر والنهي ، وكما أنّ الخلق للّه تعالى فكذلك الأمر والنهي له تعالى دون غيره ۲ .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
كان الشائع في سابق الزمان التعبير بالقدريّة والمرجئة عمّن يضاهي المعبَّر عنه في هذه الأعصار بالمعتزلة والأشاعرة في اُصول الاعتقادات، كما فيما روي عن ابن عبّاس أنّه أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أبرأ من خمسة : من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدريّة وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، قالوا : لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم، فقالوا : اللّه أعلم ۳ .
والمراد بالتقليد : الانقياد والإطاعة في الأوامر والنواهي.
«إنّ المرجئة نصبت رجلاً» أي عيّنوه وأقاموه من عند أنفسهم لإمارتهم وإمامتهم من غير أن يكون معيّنا من عند اللّه وعند رسوله صلى الله عليه و آله كالخلفاء في ذلك العصر.
«لم تفرض طاعته» أي من عند اللّه أصلاً في الواقع ولا بخصوصه باعتقادهم.
«وقلّدوه» وانقادوا لأوامره ونواهيه وأطاعوه «وأنتم نصبتم رجلاً» للإمامة، وقلتم بإمامته «وفرضتم طاعته» أي حكمتم بوجوب طاعته من عند اللّه «ثمّ لم تقلّدوه» ولم تطيعوه حقّ الإطاعة، «فهم أشدّ منكم تقليدا» من حيث تقليدهم وعدم تقليدكم، ومن حيث إنّ تقليدهم لإمامهم لإطاعته، وتقليدكم لإمامكم لإطاعة اللّه ، لا لمحض طاعته ۴ .
1.الوافي، ج ۱، ص ۲۴۱ ـ ۲۴۲، حكاه ملخّصا.
2.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۹۶.
3.رجال الكشي، ص ۵۶ ، الرقم ۱۰۶؛ بحارالأنوار، ج ۴۲، ص ۱۵۲، ح ۲۰.
4.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۱۸۹ ـ ۱۹۰. وفي «ب» و «ج»: «إطاعته».