539
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

هديّة :

المراد ب «الرجل» الأوّل : الرجل الضالّ المبتدع أصالة في الاُصول كالحسن البصري، من الصوفيّة القدريّة، وهم موكولون بخذلان اللّه تعالى إلى أنفسهم غير موفّقين لكسب العلوم الحقّة من مآخذها؛ لزعمهم أنّ الحقائق تنكشف لكلّ أحد بالرياضة وإن كان جوكيا ۱ كافرا.
(فهو جائر) أي مائل عن سواء الطريق .
وب «الرجل» الثاني المبتدع أصالة في الفروع، كأبي حنيفة من العامّة . وقال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة : أمّا الرجل الأوّل، فهو الضالّ في اُصول العقائد؛ والثاني، هو المتفقّه في فروع الشرعيّات . ۲
وقال برهان الفضلاء :
«الرجل» الأوّل عبارة عن الصوفي؛ لقوله بحصول جميع العلوم بالكشف للمرتاض . والثاني، عن القاضي الذي لا يبالي ، والمفتي الذي يقضي بالظنّ.
و«المشغوف» بالمعجمة، أو المهملة، وقرئ بهما قوله تعالى : «قَدْ شَغَفَهَا حُبّا»۳ .
والمعنى على الأوّل : دخل حبّ كلام بدعة شغاف قلبه، أي حجابه حتّى وصل إلى فؤاده . وعلى الثاني : غلبه حبّه وأحرقه .
و«الشغف» بالمهملة : شدّة الحبّ وإحراقه قلب المحبّ .
وضبط برهان الفضلاء : «مشعوف» بغير المنقوطة.
والكلام المزخرف المعجب جدّا في ترويج المبتدع بدعته في مقالات الصوفيّة أكثر منه في طرق آخر للِفَرقِ الباطلة .
و«اللّهج بالشيء» محرّكةً : الولوع فيه والحرص عليه، لهج به، كعلم.
(فهو فتنة لمن افتتن به) على المجهول. «فتنه» كنصر، و«افتتنه» من الافتعال للمبالغة .
وفي الثاني في الباب الحادي والخمسين في كتاب الإيمان والكفر : «لا تغترّوا بصلاتهم ولا صيامهم؛ فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش».
(ضالّ عن هدى من كان قبله) يحتمل ضمّ الهاء وفتحها.
«والهدي» بالفتح وسكون الدالّ : السيرة والطريقة.
(حمّال خطايا غيره) يحتمل التنوين والإضافة.
(ورجل قمش جهلاً) كضرب، أي جمعه. و«القمش» بالفتح : الجمع من هنا ومن هنا، ومنه القُماش لمّا جمع.
يعني جهلاً شبيها بالعلم مكرا وخديعةً بمزج الباطل بشيء من الحقّ، كما هو شعار غير الإماميّة من فِرَق هذه الاُمّة، وجميعها مؤمن بالكتاب والرسول صلى الله عليه و آله .
(غان بإغباش الفتنة) أي مقيم في ظلماتها، أسير بها. من «غني به» بالغين المعجمة كرضي : أقام به وعاش فيه.
و«الغبش» ـ بالمعجمة والمفردة المفتوحتين ـ : الظلمة . هكذا ضبط السيّد الداماد رحمه اللهوقال : «غان» بالغين المعجمة والنون المنوّنة بالكسر بعد الألف ، وأمّا «عان» من عني بالكسر، أي تعب فمن التصحيفات . ۴
وضبط برهان الفضلاء ـ سلّمه اللّه تعالى ـ «عان» بالمهملة، من عنى بالفتح ، وقال : العاني : الأسير . ويحتمل «غان» بالمعجمة من غنيت المرأة بزوجها ـ بالكسر ـ : استغنت بالاكتفاء به .
و(أشباه الناس) عبارة عن العوامّ والجهّال؛ لخلوّهم عن معنى الإنسانيّة.
(ولم يغن فيه يوما سالما) بالغين المعجمة؛ أي لم يلبث في العلم يوما تامّا، ولم يعش. أو حال كونه سالما من الفتنة والجهالة.
(بكّر ، فاستكثر ما قلّ منه خير ممّا كثر) بكر بكورا ـ كنصر ـ وبكّر إليه تبكيرا، وأبكر، وابتكر، كلّه بمعنى، يعني وإن لم يصرف عمره يوما في طلب ما هو العلم حقّا لكن خرج كلّ يوم من أوّل الصباح لكسب الدنيا الحرام، أو الجهالات التي تزعمها الجهّال علما، فاستكثر الذي قليله خيرٌ من كثيره. ففي الكلام إضمار .
وقرأ برهان الفضلاء : «ما قُلَّ» بضمّ القاف وتنوين اللّام المشدّدة ، وقال : يعني استكثر الذي أقلّ قليله خيرٌ من كثيره.
الجوهري : القلّ والقلّة، كالذلّ والذلّة . يُقال : الحمد للّه على القلّ والكُثْر، ۵ بضمّ القاف والكاف وكسرهما .
وفي نهج البلاغة : «فاستكثر من ۶ جمعٍ ما قَلَّ». ۷
و«الارتواء» من الشراب، كالشبع من الطعام .
و«الآجن» بكسر الجيم : الماء المتغيّر اللّون والريح والطعم.
في بعض النسخ : «واكتثر» من الافتعال للمبالغة مكان «وأكثر».
وفي بعض النسخ : «واكتنز» من الكنز بمعنى الجمع، كما ضبط برهان الفضلاء .
و«المعضل» كالمشكل لفظا ومعنىً .
و«الحشو» : اللّغو، وما لا مخّ له .
(ثمّ قطع) أي جزم به وحكم.
(فهو من لبس الشبهات) بفتح اللّام، أي اختلاطها . وأصل «اللّبس» : اختلاط الظلام ، وأمّا بالضمّ، ـ كما ضبط برهان الفضلاء ـ فمصدر لبست الثوب بالكسر .
وفي بعض النسخ : «المشتبهات».
(في مثل غزل العنكبوت) أي أسيرٌ محبوس كالذباب في الشبيه بحبالة العنكبوت، أو المعنى هو كالعنكبوت في حبالته (لا يدرى) أنّه استحكمها فأصاب، أو لا فأخطأ.
(يكنّ الصواب) أي يستره. كنّه كنّا وكنونا، كفَّر : ستره.
(لكيلا ۸ يقال له لا يعلم) يحتمل الخطاب والغيبة.
(ثمّ جسر) أي اجترأ، من الجسارة، وسماجة الوقاحة.
و«العشوة» مثلّثة العين : الظلمة، والأمر الملتبس.
وأصل «الخبط» : ضرب الإبل يدها على الأرض على غير استواء .
(ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع) يعني حرّم اللّه عليه نعمة العلم وهو محروم عنها لا يهتدي إليه أبدا.
«ذرت الريح الهشيم» تذروه ذروا : سفته وأطارته، كأذرته تذريه إذراء.
و«الهشيم» من النبات : اليابس المتكسّر.
و«إذراؤه الروايات ۹ » : تصفّحها وسردها موافقا لغرضه الباطل. ودرسها مع عدم فهمها وتأويلها بالمنكر، أو تركها وعدم الإقبال إليها متدبّرا .
قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يذري الروايات» وذلك لترجيح القياس على الخبر الواحد. ۱۰
(وتصرخ) من باب نصر. والصراخ كغراب : صوت البكاء. و«المليء» بالهمز على فعيل، بمعنى القادر، والثقة الغني .
و«الإصدار» : الإرجاع.
(ما عليه ورد) أي من المبهمات والمعضلات. ولا يكون حلّالاً للمشكلات إلّا الحجّة المعصوم بالدلالات البيّنات .
(لما منه فرط) كنصر، أي سبق وظهر سابقا.
(من ادّعائه علم الحقّ) وزاد في نهج البلاغة : «إلى اللّه أشكو من معشرٍ يعيشون جُهّالاً، ويموتون ضلّالاً، ليس فيهم سِلْعَة أبْور ۱۱ من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، ولا أنفق سِلْعةً وأغلى ثمنا من الكتاب ۱۲ إذا حرّف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر ». ۱۳

1.الجوكيّة : طائفة من البراهمة يقولون بتناسخ الأرواح. تاج العروس، ج ۱، ص ۶۶۶۷ (جوك).

2.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱، ص ۲۸۹، ذيل الخطبة ۱۷ .

3.يوسف (۱۲): ۳۰.

4.التعليقة على الكافي، ص ۱۲۶ ـ ۱۲۷.

5.الصحاح، ج ۵ ، ص ۱۸۰۴ (قلل). وفيه : «والقُلُّ : القِلَّة، مثل : الذُّل والذِلَّه».

6.في «الف»: - «من».

7.نهج البلاغة، ص ۵۹ ، الخطبة ۱۷ .

8.في «ب» و «ج»: «كيلا».

9.في «ب» و «ج»: «للروايات».

10.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۱۹۸.

11.في هامش المخطوطة : «البوار، كالكسار والهلاك لفظا ومعنىً (منه)».

12.في المصدر : «ولا سِلْعَةٌ أنفق بيعا ولا أعلى ثمنا من الكتاب».

13.نهج البلاغة، ص ۶۰ ، الخطبة ۱۷ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
538

الحديث السادس

۰.روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ وَعَلِيّ ، عَن الإثنين ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ؛ وَعَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ السرّاد رَفَعَهُ ،۱عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ :۲«مِنْ أَبْغَضِ الْخَلْقِ إِلَى اللّه ِ ـ تعالى ـ لَرَجُلَيْنِ :
رَجُلٌ وَكَلَهُ اللّه ُ تعالى إِلى نَفْسِهِ ، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ، مَشْغُوفٌ ۳ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ ، قَدْ لَهِجَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، حَمَّالُ خَطَايَا غَيْرِهِ ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ .
وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً فِي جُهَّالِ النَّاسِ ، غَانٍ ۴ بِأَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِما ، وَلَمْ يَغْنَ فِيهِ يَوْما سَالِما ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ ، حَتّى إِذَا ارْتَوى مِنْ آجِنٍ وَأكْثَرَ ۵ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِيا ضَامِنا لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلى غَيْرِهِ ، وَإِنْ خَالَفَ قَاضِيا سَبَقَهُ ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ ، كَفِعْلِهِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ الْمُعْضِلَاتِ ، هَيَّأَ لَهَا حَشْوا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ ، ۶ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ غَزْلِ الْعَنْكَبُوتِ ، لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ ، لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَ ، وَلَا يَرى أَنَّ وَرَاءَ مَا بَلَغَ فِيهِ مَذْهَبا ،إِنْ قَاسَ شَيْئا بِشَيْءٍ ، لَمْ يُكَذِّبْ نَظَرَهُ ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ ، اكْتَتَمَ بِهِ؛ لِمَا يَعْلَمُ به ۷ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ يكنّ الصواب؛ ۸ لِكَيْ لَا يُقَالَ لَهُ : لَا يَعْلَمُ ، ثُمَّ جَسَرَ فَقَضى ، فَهُوَ مِفْتَاحُ عَشَوَاتٍ ، رَكَّابُ شُبُهَاتٍ ، خَبَّاطُ ۹ جَهَالَاتٍ ، لَا يَعْتَذِرُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ؛ فَيَسْلَمَ ، وَلَا يَعَضُّ فِي الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ؛ فَيَغْنَمَ ، يَذْرِي الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ ، تَبْكِي مِنْهُ الْمَوَارِيثُ ، وَتَصْرُخُ مِنْهُ الدِّمَاءُ ، يُسْتَحَلُّ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ ، وَيُحَرَّمُ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَلَالُ ، لَا مَلِيءٌ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ ، ۱۰ وَلَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا مِنْهُ فَرَطَ مِنِ ادِّعَائِهِ عِلْمَ الْحَقِّ» .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه؛ وعليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلمٍ، عن مَسْعدةَ بن صَدَقة، عن أبي عبداللّه ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابْن محبوب رفعه».

2.في الكافي المطبوع : + «إنّ».

3.في «ب»: «مشعوف».

4.في الكافي المطبوع : «عان».

5.في الكافي المطبوع : «اكتنز».

6.في الكافي المطبوع : + «به».

7.في الكافي المطبوع : - «به».

8.في الكافي المطبوع : - «يكنّ الصواب».

9.في «ب» و «ج»: «خبّات».

10.في الكافي المطبوع : «عليه ورد».

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 117155
صفحه از 644
پرینت  ارسال به