الحديث الثاني
۰.روى في الكافي عَن عَلِيّ ، عَنْ العبيدي۱، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ عُمَرَ۲
بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لَمْ يَدَعْ شَيْئا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّا ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ عَلى مَنْ تَعَدّى ذلِكَ الْحَدَّ حَدّا» .
هديّة :
(تحتاج إليه الاُمّة) أي إلى انقراض الدنيا، فإشارة إلى وجوب وجود معصوم عاقل عن اللّه في كلّ زمان بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى آخر الدنيا.
ومثال وجعل ثلاثا؛ أمّا في العبادات فإنّه جلّ جلاله جعل للصوم ۳ حدّا، ودليله قوله عزّ وجلّ : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّه ُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»۴ ، وحدّ من تعدّى ذلك الحدّ الكفّارة على تفصيلها .
وأمّا في غيرها فمثل حدّ الزنا، وثبوته بالأربعة، ودليله : «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ»۵ وحدّ من تعدّى ذلك الحدّ ـ بأن شهد عليها قبل تمام العدد ـ الثمانون جلدة. وغير ذلك من جميع ما في الجامعة من تأويل المتشابهات، وهي الآن عند صاحب الزمان صلوات اللّه عليه .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
يجيء مضمون هذا الحديث في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى.
و«إلّا» هنا للاستثناء المنقطع من القسم الذي لا يمكن فيه تسليط العامل على المستثنى، مثل : «ما زاد هذا إلّا نقص».
و«الحدّ» : الحاجز بين الشيئين، والمانع من ارتكاب شيء . والأوّل مراد من الأوّل، والثاني من الثاني .
و«الدليل» هنا عبارة عن الإمام، أو عن محكمات القرآن، أو عن الجامعة. والمآل واحد . انتهى .
يعني مآل الأوّل والثاني؛ لما لا يخفى .
وقال الفاضل الاسترآبادي :
«إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئا» إلى آخره.
يبطل بأحاديث هذا الباب ثلاثة مذاهب من المذاهب الأربعة المشهورة بين الاُصوليّين، ويتعيّن المذهب الرابع وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب قدمائنا الأخباريّين ، والمقصود بأحاديث هذاالباب، وأحاديث باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ردّ المذاهب الثلاثة وتعيين المذهب الرابع، لا ما زعمه جمع من القاصرين [من] أنّ المقصود بها تجويز استنباط الأحكام التي ليست من بديهيّات الدين ولا من بديهيّات المذهب من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ؛ وذلك لأنّه لو كان المراد ما زعموه لما صحّ قولهم عليهم السلام «وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا »، ولا قولهم عليهم السلام : «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة» وكذلك حرامه لا يتبدّل ولا يتغيّر ، ولا قولهم عليهم السلام : «حكم اللّه في كلّ واقعة واحد ». وسيجيء لهذا مزيد توضيح إن شاء اللّه تعالى ۶ . انتهى .
ترك العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام عند الضرورة من تعدّى حدود اللّه ، العمل بتلك المعالجات حلال وتركه عند الضرورة حرام، والعلاج في واقعة إنّما هو بحكم اللّه سبحانه، ووقت ظهور الإمام من المحتوم .
فقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«لكلّ شيء» أي ممّا يحتاج إليه العباد حدّا ومنتهى معيّنا لا يتجاوزه ولا يقصر عنه.
«وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه» ويبيّنه للناس كالنبيّ صلى الله عليه و آله في زمانه، والإمام في زمانه ، فعلى الناس أن يراجعوا الدليل ويأخذوها ۷ عنه ، أو جعل عليه السلام ۸ دليلاً من الكتاب.
وجعل على من ترك ذلك الحدّ ولم يقل به ولم يأخذه من دليله ولم يراجعه حدّا من العقاب والنكال ۹ .
1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
2.في «ب» و «ج»: «عمرو».
3.في «الف»: «الصوم».
4.البقرة (۲) : ۱۸۷ .
5.النساء (۴): ۱۵.
6.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۹۸.
7.في «ب» و «ج»: «يأخذوا».
8.في «ب» و «ج»: «عليه» بدل «عليه السلام».
9.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۲۰۸.