المقدّمة العاشرة:
قد تواتر في الاُمّة حديث النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «القَدَريّة مجوس هذه الاُمّة» ۱ . فقالت الأشاعرة: القدريّة هم المعتزلة المفوّضة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَرهم واستقلالهم في القدرة عليها.
وقالت المعتزلة: بل القدريّة هم الأشاعرة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَر اللّه تعالى.
والحقّ كما هو المستفاد من أحاديث أئمّتنا صلوات اللّه عليهم: أنّ القدريّة ـ لعنهم اللّه ـ هم الصوفيّة من أيّ فرقة كانوا، فلمّا كانوا في المفوّضة أكثر منهم في غيرهم من الفرق ذكرت في بعض الأحاديث بمعنى المفوّضة، كما سيذكر في أحاديث أواخر الأبواب في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. ۲
وقد ذكر ابن حمزة ۳ في كتاب الهادي إلى النجاة من جميع المهلكات، وكتاب إيجاز المطالب في إبراز المذاهب ، والسيّد المرتضى الحسني الرازي ۴ صاحب تبصرة العوام في كتاب الفصول:
أنّ عثمان بن شريك الكوفي المشهور بأبي هاشم الكوفي، وهو من المفوّضة، كان أوّل ضالٍّ مضلٍّ، وضع طريقة الصوفيّة وسعى في إضلال الناس بها، وكان في زمن مروان الحمار أخير الخلفاء من بني اُميّة، فاشتهر رهطه بالبهشميّة، والعثمانيّة، والشريكيّة، كانوا يلبسون الصوف والبلاس، ويجتهدون في هزال أبدانهم بإذابتها بالرياضات الشاقّة كالجواكي ۵ والنصارى، ويقولون بالحلول والاتّحاد، ووحدة الوجود، والنزول، والصعود، والتشكّل بالصور كالتناسخيّة. وتسميتهم بالقدريّة إمّا من القدر بمعنى الضيق؛ لتضييقهم على أنفسهم بفنون الطاعات المبتدعة، ورسوم الرياضات المخترعة ؛ وإمّا لاشتهار طريقتهم أوّلاً من المفوّضة؛ وإمّا لنسبتهم أفعال اللّه سبحانه إلى قدر المخلوقات ، وقد صرّحوا في كتبهم بأنَّ التقادير والتدابير جميعا من الحقائق والأعيان، وليس للّه سبحانه إلّا إفاضة الوجود.
وفي الحديث بإسناد متّصل للشيخ المفيد رحمه الله عن الهادي عليّ بن محمّد عليهماالسلام: «إنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك الذين يجهدون في إطفاء نور اللّه واللّه يُتمّ نوره ولو كره الكافرون». ۶
وفي كتاب توحيد الصدوق رحمه الله في باب القضاء والقدر بإسناده عن الصادق عليه السلام : «أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» » ۷ .
وقد صرّح ذلك الرومي الملعون منهم، وجوّز في الدفتر الخامس من كتاب المثنوي بما جوّزه المجوس من تحليل الحرام وتحريم الحلال، كنكاح الاُمّهات والبنات والأخوات، والاجتناب عن المباحات بفنون الرياضات، حيث قال:
إنّ الشريعة بمنزلة الدواء في مبادئ سلوك العرفاء والإكسير لعمل الكيمياء، فإذا وصل العارف وبرأ من المرض وصار صُفره ذهبا يُطلق من حبال الشريعة وأسرها، وسجن العبادة وقيدها؛ فإنّه إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع. ۸
ومن كلامهم لعنهم اللّه : القيد كفر ولو كان باللّه . ومن خدعهم الشيطانية: تسميتهم الزندقةَ والإلحاد بالتصوّف ومسلك للعارفين، والشيطانَ برئيس الموحّدين. وصرّحوا كابن العربي منهم بأنّ اللّعنة أربعة أحرف، كلّ حرف منها اسم من أسماء اللّه تعالى، فاللعنة عين الرحمة. وهؤلاء الملاحدة لم يشعروا بأنّ اللعنة عليهم إنّما هي أقطع الأسلحة وأنفذ الأسنّة، وهي بإحكام صنعها وإتقان تركيبها بتقدير من اللّه العزيز العليم، لن يُقلّل بأمثال تلك المقالات حدّها، ولن يعطّل بأشباه تلك المزخرفات تشدّدها، وهم كما في الحديث من أهل آية «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّه ِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»۹ .
وفي الحديث بإسنادٍ متّصل للشيخ المفيد رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وإسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «من ذكر عنده الصوفيّة ولم ينكرهم بلسانه أو قلبه فليس منّا، ومَن أنكرهم فكأنّما جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ۱۰ .
وأيضا عن البزنطي بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام: قد ظهر في هذا الزمان قوم يُقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم؟ فقال عليه السلام : «إنّهم أعداؤنا، فمَن مالَ إليهم فهو منهم ويُحشر معهم، وسيكون أقوام يدَّعون حبّنا ويميلون إليهم ويتشبّهون بهم ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ويُأوّلون أقوالهم، ألا فمَن مالَ إليهم فليس منّا وإنّا منه براء، ومَن أنكرهم وردَّ عليهم كان كمَن جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ۱۱ .
وروى عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه أوّل الصدوقين ـ رحمهما اللّه ـ عن سعد ۱۲ بن عبداللّه ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الزكيّ أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال: سُئل جدّي أبو عبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلامعن حال عثمان بن شريك الصوفيّ أبي هاشم الكوفي، فقال: «إنّه كان فاسد العقيدة جدّا، وهو الذي ابتدع مذهبا يُقال له: التصوّف، وجعله مفرّا ۱۳ لعقيدته الخبيثة».
وفي رواية اُخرى : «وجعله مفرّا ۱۴ لنفسه الخبيثة وأكثر الملاحدة، وجُنّة لعقائدهم الباطلة». ۱۵
والظاهر من كتبهم المعتبرة بينهم ـ كالفتوحات لابن العربي، وفصوصه، والتأويلات لعبد الرزّاق الكاشي، واصطلاحاته، ونصوصه ـ : أنّ قولهم بوحدة الوجود، وابتناء طريقتهم الفاسدة عليها اُسوة منهم بزنادقة الفلاسفة .
وقد حكى في حكمة الإشراق عن أفلاطون القبطي، قال: إنّ العلّة الاُولى خلق الخلق من نفسها، وكلّ موجود خالق ومخلوق أيضا.
وقال القطب الراوندي رحمه الله في الخرائج:
إنّ الفلاسفة أخذوا اُصول الإسلام ثمّ أخرجوها على آرائهم فقالوا في الشرع والنبيّ: إنّما اُريد كلاهما لإصلاح الدنيا ؛ فالأنبياء يرشدون العوام لإصلاح دنياهم بالشرعيّات وإنّ الشرعيّات ألطف ۱۶ في التكليف العقلي. فهم يوافقون المسلمين في الظاهر، وإلّا فكلّ ما يذهبون إليه هدم الإسلام، وإطفاء لنور الشرع، ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. ۱۷
وفي الحديث بإسناد الشيخ المفيد رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال لأبي هاشم الجعفري: «سيأتي زمانٌ على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمةٌ منكدرة، السُنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقّر، والفاسق بينهم مُوَقّر، اُمراؤهم جاهلون جائرون، وعُلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرِقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكُبراء، كلّ جاهلٍ عندهم خبيرٌ، وكلّ محيل عندهم فقير، لا يميّزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق اللّه على وجه الأرض؛ لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف، وأيم اللّه إنّهم من أهل العدول والتحرّف، يُبالغون في حُبّ مخالفينا ويُبغضون ۱۸ شيعتنا ومَوالينا، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرُشا، وإن خُذِلوا عَبَدوا اللّه على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدُّعاة إلى نحلة المُلحدين، فمَن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانهُ».
ثمّ قال: «يا أبا هاشم، هذا ما حدّثني أبي عن آبائه، عن جعفر بن محمّد عليهم السلام وهو من أسرارنا فاكتمه إلّا عن أهله». ۱۹
ومن ضَلالات القَدَريّة: اعتقادهم في المجانين بأنّهم من المقرّبين، وقد عدّ حجج اللّه صلوات اللّه عليهم الجنون في عِداد البرص والجُذام ونحوهما، وأمروا شيعتهم بالاستعاذة منها ۲۰ ، ونصّوا بأنّ المجانين إذا كانوا غير مؤذين فحكمهم حكم البهائم، وإلّا فكالسباع ۲۱ .
وأيضا جعلهم من المقرّبين مع عدم تكليفهم برفع الجنايات، وتطهير النجاسات، والكفّ عن كلمات الكفر والخرافات إن كان من أفعال الحكيم؛ مع النصّ من حججه عليهم السلام على خلافه ۲۲ ، فتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، وإلّا فما أقبح القول وأسخف القطع بتقرّبهم كالمقرّبين المعصومين الطاهرين.
ومن كلام روميّهم في مدح الشمس التبريزي من المجانين في زمنه:
اى تو همچون مصطفى من چون عمربسته ام در خدمتت زانسان كمر۲۳
هب التشبيه الأخير.
وقد روى عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه في كتاب قرب الإسناد بإسناده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سئل أبو محمّد العسكري عليه السلام عن المجنون، فقال: «إن كان مؤذيا فهو في حكم السباع، وإلّا ففي حكم الأنعام». ۲۴
ولمّا كان نبيّنا صلى الله عليه و آله أفضل الأنبياء والمرسلين وكذا أوصياؤه، وكان دينه صلى الله عليه و آله خير الأديان، وكتابه أعظم الكتب الإلهية قدرا ومنزلةً. وكان من عادة اللّه التي لا تتبدّل، وسنّته التي لا تتحوّل اختبار عباده في الدّين في زمن كلّ حجّة معصوم من الأنبياء والوصيّين بطرق عجيبة من الاختبار، وفنون غريبة من الامتحان، كامتحان قوم نوح بتكلّم سُواع وغيره من أصنامهم.
وامتحان بني إسرائيل بُرْهةً بفرعون وطول عمره وعلوّ سلطنته، وتزايد دولته بتوافر اعتدائه وطغيانه، وموافقة أكثر مطالبه الدنيويّة لأمانيّه وأهوائه النفسانيّة، واُخرى بالسامري وعِجْله كفرعون آل محمّد صلى الله عليه و آله وصاحبه.
وامتحان قريش تارةً بنطق ۲۵ صنمَيْهم: هبل وصنم من الذهب، واُخرى بتفوّق صنميهم حَبْتَر ودُلام ۲۶ من العرب.
كان ۲۷ الامتحان في دينه صلى الله عليه و آله أعظم الامتحانات في سائر الأديان في أيّ دين.
ارتدّ يوم قبض بنبيّه جميع الاُمّة إلّا قليلاً منهم ، وقد نزلت في ذلك قوله تعالى في سورة السبأ «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»۲۸ .
سُئِلَ الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال: «إلّا سلمان، وأبا ذرّ، والمقداد». فقيل له: وأين عمّار؟ فقال عليه السلام : «جاض جيضةً ۲۹ ثمّ رجع». ۳۰
فلمّا تفرّقت الاُمّة بكدّ كيد الشيطان وغوايته ـ بعد رجوع جماعة عن الارتداد بتوفيق اللّه وهدايته ـ على بضع وسبعين فرقة إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، فأخذ الشيطان في التفكّر لأجل الناجية مع علمه بِبُعد تهوّدهم أو تنصّرهم مثلاً بوساوسه وخدعه، وأنّ العاصي منهم له قبول التوبة ولو عند المُعَاينة، وأنّ الزيارات لهم والشفاعات مَآلهم، والولاية حالهم، والنجاة مآلهم، وأنّ محبّة عليّ بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيّئة ۳۱ ، فانتهى فكر إبليس اللّعين لأجلهم بذلك الفكر العميق في أواخر ذلك العمر الطويل إلى وضع طريقة التصوّف ممزوجةً من فنون الكفر والإلحاد، وشعوب الضلال والفساد، محفوفة في بدوها بطائفة من مكارم الأخلاق والأعمال، ومحاسن الأقوال والأعمال، مكشوفةً في عودها عن ترك العبادة، والتظاهر بالكفر والارتداد، والتجاهر بالزندقة والإلحاد، ودعوى الفرعونيّة كالنمرود والشدّاد.
وفيهم قال الصدوق رحمه الله في كتاب الاعتقادات: تَدَيّن الصوفيةُ بترك الصلاة وجميع الفرائض. ۳۲
وقال الشيخ المفيد رحمه الله: الصوفيّة دينهم ترك الفرائض والمستحبّات، وارتكاب المناهي والمحرّمات. ۳۳
واستشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في الصلاة.
وفي الحديث عن الصادقين عليهم السلام : أنّ للمعرفة أركانا أربعة: معرفة العبد ربّه عزّ وجلّ على ما عرّف به نفسه، وأخبر به حججه المعصومون.
ومعرفة العبد نفسه يكفيه ـ بعد علمه بتصاريف حالاته وكمال نقصه بعجزه وحاجاته ـ إيماءً ما إلى قطرة من البحار، وأثر من الآثار توجد بصنعه تعالى في المضغة بعد النطقة والعلقة نِقاطُ سودٍ صغارٍ غاية الصغر بحيث لا يدركها إلّا إمعان النظر، اثنتان منها تصير عينيك بطبقاتهما وأجفانهما وأشعارهما، ومائهما المالح لبقائهما وصلاحهما، ونورهما السيّار في مقدار نصف الأبصار عن الناظر إلى فلك البروج.
واُخراوان منها تصير اُذنيك بصماخهما وشكلهما، ومائهما المرّ صونا من اختلالهما بالهوامّ، وسامعتهما التي يدرك الصوت المخلوق بحركة الشفتين أو اللّسان أيضا في الهواء المجاور للحلق أوّلاً، ثمّ في مجاري أمواج الهواء إلى الصماخ مسلسلاً على هيئات الحروف على أنحاء شتّى لا تحصى.
وكذلك سائر النِقاط التي تصير بقدرته تعالى: فوك، ولسانك، وأسنانك، وأنفك، وسائر جوارحك من قَرْنك إلى قدمك، ظواهرك وبواطنك.
ومعرفة العبد أنّ خالقه لماذا ۳۴ خلقه ليعرفه فيعبده ۳۵ بطاعة من افترض طاعته، ومعرفة العبد عدوّ دينه ورئيس أعداء الدِّين إبليس اللّعين، هو وأبالسته عدوّ مبين غير مبين، يجيئون للتسلّط بالوسوسة من الجوانب الستّة ولا يتراءون، وقد يتمثّلون بأشكالٍ مختلفة.
وقصّة الشيخ النجدي الذي أحكم آراء الكفّار في بدر، ثمّ أحكم البيعة أوّلاً مع الأوّل معروفة ۳۶ .
فلمّا ابتدع طريقة القدريّة ليسهل له التصرّف بوساوسه المهلكة ۳۷ أهل الفضل والعلم فضلاً عن الرساتيق وعوام الناس. وكان اللّعين عالما بأنّ الصحبة أنفذ تأثيرا لمكائده، والخلطة أكثر تدبيرا للوقوع في مصائده، فسعى وبالغ في مخالطة الشيعة مع رئيس من رؤساء القدريّة بعد تعليمه وتزيينه ظاهره بسمة الصلاح، ودمعة العين وصفرة اللّون، وكثرة الفكر، ودوام الذِّكر، وقلّة النوم، وعزلة القوم. فطوبى لمَن عرف عدوّ دينه، وحذر من مصاحبته المهلكة، وقطع عن مجالسته المردية. ۳۸
وفي الحديث بعدّة طرق عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال ذات ليلة في بعض أسفاره لأبي ذرّ الغفاري: «يا أبا ذرّ، يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون الفضل لهم بذلك على غيرهم، اُولئك يلعنهم ملائكة السماء والأرض». ۳۹
وكان من مشاهير رؤسائهم وطواغيتهم الحسن البصري، وذمّه ولعنه صريح من المعصومين في مواضع من الكافي وغيره من كتب الأحاديث. ۴۰
وكذا السفيان الثوري، وأبو يزيد البسطامي كان في الظاهر مالكيّا وفي الباطن فرعونيّا. والمشهور في العامّة أنّه خدم جعفر بن محمّد عليه السلام وكان سقّاءً لبابه.
وذكر أبو المعالي محمّد بن نعمة اللّه بن عبيداللّه بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيداللّه بن الحسين الأصغر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم في كتاب بيان الأديان، والشيخ المفيد في الحدائق، والسيّد المرتضى الرازي في الفصول التامّة، ومولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة:
أنّ ذاك الزنديق الملعون كان في زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام ، ولزم أيّاما باب جعفر الكذّاب، وكان من كلمات كفره وزندقته: ليس في جبّتي سوى اللّه ، وسبحاني ما أعظم شأني، ورأيت اللّه في المنام واليقظة، ورأيت اللّه في صورة شيخ هرم . ۴۱
والزنديق لم يشعر بأنّ العدوّ المبين الغير المبين قد يظهر بالصور والأشكال للإغواء والإضلال.
وكان ذو النون المصري من تلامذة مالك وعاملاً في الفروع بمذهبه.
والحسين بن منصور الحلّاج الشهير بالمنصور الحلّاج من تلامذة الشافعي وعاملاً في الفروع بمذهبه، وقد خرج التوقيع في ذمّه ولعنه ، وكان في الآمرين بقتله أبو القاسم الحسين بن روح من سفراء صاحب الزمان صلوات اللّه عليه. ۴۲
وروى ثقة الإسلام في كتاب العقل في باب البدع والرأي والمقاييس بإسناده في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ عند كلّ بدعة يكون من بعدي يُكاد بها الإيمان وليّا من أهل بيتي موكّلاً به يذبّ عنه، ينطق بإلهامٍ من اللّه ، ويعلن الحقّ، وينوّره، ويردّ كيد الكائدين ، يعبّر عن الضعفاء، فاعتبروا يا اُولي الأبصار، وتوكّلوا على اللّه ». ۴۳
قوله صلى الله عليه و آله : «يعبّر عن الضعفاء» أي في دفع الشُبَه والإشكالات.
قال الفاضل الاسترآبادي: أي يفصح، والمراد دفع الإشكال عنهم.
والأحاديث من طرق الإماميّة في مذمّة الصوفيّة القدريّة ولعنهم وطعنهم كثيرة، أوردنا نبذا منها في جملة مقدّمات الكتاب لهدايا اُولي الألباب.
وروى الشيخ المفيد رحمه الله بإسناده عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال: كنت مع الهادي عليّ بن محمّد عليهماالسلام في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان رجلاً بليغا، وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه السلام ، ثمّ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة وجلسوا في جانبه مستديرا، وأخذوا بالتهليل، فقال عليه السلام : «لا تلتفتوا بهؤلاء الخدّاعين؛ فإنّهم خلفاء الشياطين، ومخرّبوا قواعد الدِّين، يتزهّدون لإزاحة الأجسام، ويتهجّدون لتصيّد الأنعام ، يتجوّعون عُمرا حتّى تدبّخوا للإكاف حُمُرا، لا يهلّلون إلّا لغرور الناس، ولا يقلّلون الغذاء إلّا لِمَلأ العِساس واختلاس قلب الدِفناس ۴۴ ، يُكلّمون بأمليلائهم ۴۵ في الحبّ، ويطرحونهم بأدليلائهم ۴۶ في الجبّ، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنّم والتغنية، فلا يتبعهم إلّا السفهاء ولا يعتقدهم إلّا الحمقاء ، فمَن ذهب إلى زيارة أحدٍ منهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومَن أعان أحدا منهم فكأنّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان». فقال رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال: فنظر إليه شبه المُغضب وقال: «دع ذا عنك، مَن اعترف بحقوقنا لم يذهب إلى عقوقنا، أما تدري أنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا؟! وإن هم إلّا نصارى ۴۷ ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك يجهدون في إطفاء نور اللّه واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون».
قوله عليه السلام : «لإزاحة الأجسام» بالزاي والمهملة بعد الألف؛ أي إزالتها بإذابتها بالرياضات المخترعة لتغريرهم الناس باصفرار الألوان وهزال الأبدان. «حتّى تُدَبّخوا» بالمفردة والحاء المهملة والمعجمة معا على المعلوم من التفعيل، دَبّخ الرجل تدبيخا ـ بالخاء والحاء جميعا ـ : قبّب ظهره وطأطأ رأسه ۴۸ ، ودبّخه غيره كذلك، يتعدّى ولا يتعدّى .
و«الإكاف» بالكسر وتخفيف الكاف للحمار، كالوِكاف، أكفتهُ وأوكفته: شددتُ عليه الإكاف ۴۹ .
و«المَلأ» بالفتح والهمز كالمنع: مصدر ملأ الإناء فامتلأ و«العِساس» كنصاب: جمع العُسّ ـ بضمّ المهملة الاُولى وتشديد الثانية: القدح العظيم ۵۰ .
و«الاختلاس»: الأخذ الشديد والانتزاع.
و«الدّفناس» بكسر الدال المهملة وسكون الفاء والنون: الأحمق ، كذا الدفنس كزبرج .
و«الامليلاء»: افعيعال للمبالغة في طلاقة اللِّسان وحسن الكلام، من الإملاء أمليت الكتاب، وأمللته بمعنىً.
و«الادليلاء»: أيضا افعيعال للمبالغة من دلّاه بغرور . قال الجوهري: ادلولى: أسرع، ودلّاه بغرور: أوقعه فيما أراد من تغريره، وهو من إدلاء الدلو ۵۱ . انتهي. أي إرساله إلى «الجبّ» ـ بضمّ الجيم ـ أي البئر.
و«التصدية»: التصفيق، وفي التنزيل: «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً»۵۲ .
و«المُكاء» ـ بالضمّ والمدّ ـ : الصفير.
قيل لي: فما بال الصوفي المتشرّع؟ قلت: لا يُقال ملحد صالح.
وفي الحديث بإسناد الشيخ المفيد رحمه الله عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «لا يقول بالتصوّف أحد إلّا لخدعة، أو ضلالة، أو حماقة. وأمّا من سمّى نفسه صوفيّا للتقيّة فلا إثم عليه». ۵۳
وفي رواية اُخرى: «فلا إثم عليه، وعلامته أن يكتفي بالتسمية ولا يقول بشيءٍ من عقائدهم الباطلة، لعنهم اللّه ». ۵۴
1.التوحيد، ص ۳۸۲، باب القضاء والقدر و...، ح ۲۹؛ جامع الأخبار، ص ۱۶۱؛ ثواب الأعمال، ص ۲۱۴؛ بحارالأنوار، ج ۵ ، ص ۱۲۱، ح ۵۸ ؛ سنن أبي داود، ج ۲ ، ص ۶۳۴ ، ح ۴۶۹۱؛ المستدرك للحاكم، ج ۱، ص ۱۵۹، ح ۲۸۶؛ سنن البيهقي، ج ۱۰، ص ۲۰۳، ح ۲۰۶۵۸.
2.سيذكر في باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين من كتاب التوحيد.
3.في موسوعة طبقات الفقهاء، ج ۷، ص ۱۳۷، الرقم ۲۴۹۸ : «عبداللّه بن حمزة بن عبداللّه بن حمزة بن الحسن بن عليّ، نصير الدين الطوسي الشارحي المشهدي، يكنّى أبا طالب... كان من وجوه علماء الإماميّة، فقيها، جليل القدر... وقد صنّف نصر الدين كتبا، منها: الهادي إلى النجاة... و إيجاز المطالب في إبراز المذاهب، وهو بالفارسيّة».
4.في روضات الجنّات، ج ۷، ص ۱۶۴ : «هو السيّد المرتضى بن الدّاعي الرازي الملقّب بصفيّ الدين صاحب كتاب تبصرة العوام في تفصيل مذاهب العليين، ويذكر غالبا مع أخيه السيّد المجتبي الذي هو أحد مشايخ منتجب الدين القمّيّ، ولهما الرواية عن شيخننا الطوسي». وله كتاب الفصول التامّة في هداية العامة. راجع: الذريعة، ج ۳، ص ۳۱۹.
5.«الجوكيّة»: طائفة من البراهمة يقولون بتناسخ الأرواح. تاج العروس، ج ۱، ص ۶۶۶۷ (جوك) .وفي تاريخ ابن خلدون، ج ۱، ص ۱۳۶ : «ومن هؤلاء أهل الرياضة السحريّة يرتاضون بذلك ليحصل لهم الاطّلاع على المغيّبات والتصرّفات في العوالم و أكثر هؤلاء في الأقاليم المنحرفة جنوبا و شمالاً خصوصا بلاد الهند، و يسمّون هنالك: الحوكيّة، ولهم كتب في كيفيّة هذه الرياضة و الأخبار عنهم في ذلك غريبة».
6.حديقة الشيعة، ص ۶۰۲ ـ ۶۰۳ ؛ ورواه عن كتاب قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص ۱۲۹.
7.التوحيد، ص ۳۸۲، باب القضاء والقدر و...، ح ۲۹؛ والآية في سورة القمر (۵۴): ۴۸ و ۴۹.
8.مثنوى معنوى، ص ۷۲۶ مقدّمة الدفتر الخامس.
9.راجع: الفقيه، ج ۴، ص ۹۸، ح ۵۱۷۴ ؛ قرب الإسناد، ص ۵۰ ؛ بحارالأنوار، ج ۷۴، ص ۱۲۱ ـ ۱۲۲، ح ۱۷. والآية في البقرة (۲): ۱۶۱.
10.حديقة الشيعة، ص ۵۶۲ ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج ۱۲، ص ۳۲۳، ح ۱۴۲۰۴.
11.حديقة الشيعة، ص ۵۶۲ ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج ۱۲، ص ۳۲۳، ح ۱۴۲۰۵.
12.في «الف»: «سعيد».
13.في «الف»: «مقرّا».
14.في جميع النسخ بإضافة : «لعقيدته الخبيثة». وما أثبتناه من المصدر، وهو الصحيح.
15.حديقة الشيعة، ص ۵۶۴ ؛ وعنه في خاتمة المستدرك، ج ۳، ص ۲۸۵.
16.في المصدر : «ألطاف».
17.الخرائج والجرائع، ج ۳، ص ۱۰۶۱.
18.في المصدر : «يضلّون».
19.حديقة الشيعة، ص ۵۹۲ ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج ۱۱، ص ۳۸۰، ح ۱۳۳۰.
20.راجع: الكافي، ج ۲، ص ۵۲۸ و ۵۳۱ ، باب القول عند الإصباح والإمساء، ح ۲۰، ۲۵، ۲۶، ۲۸؛ وسائل الشيعة، ج ۶ ، ص ۴۷۸ و ۴۷۹، باب نبذة ممّا يستحبّ أن يزاد في تعقيب الصبح، ح ۹ و ۱۱.
21.سيأتي بعد أسطر، و في تحرير الأحكام، ج ۲، ص ۲۴۲ (الطبعة القديمة)؛ و كشف اللثام، ح ۱۱، ص ۲۴ : «والمجنون الضاري كالسبع».
22.في حديث رفع القلم المرويّ في قرب الإسناد، ج ۱، ص ۷۲؛ دعائم الإسلام، ج ۱، ص ۱۹۴؛ وسائل الشيعة، ج ۲۸، ص ۲۲، باب أنّه لاحدّ على مجنون ولاصبيّ ولانائم، ح ۱، ۲.
23.في مثنوى معنوى، الدفتر الأوّل، الرقم ۷۷.
اى مرا تو مصطفى من چون عمراز براى خدمتت بندم كمر
24.حديقة الشيعة، ص ۵۷۸ ؛ مستدرك الوسائل، ج ۱۳، ص ۲۴۱، باب اشتراط البلوغ والعقل والرشد في جواز البيع والشراء، ح ۶ .
25.في «ب» و «ج»: بتنطّق.
26.في بحار الأنوار، ج ۲۴، ص ۷۳ : «حبتر ودلام: كناية عنهما». أي الأوّل والثاني.
27.جواب «لمّا».
28.سبأ (۳۴): ۲۰.
29.في «الف» : «جاص جيصة» بالصاد المهملة.
30.رجال الكشّي، ص ۱۱، ح ۲۴؛ وعنه في البحار، ج ۲۴، ص ۱۶۵، ذيل الحديث ۹. وفيهما عن أبي جعفر.
31.إشارة إلى الحديث المرويّ في المناقب، ج ۳، ص ۱۹۷؛ كشف اليقين، ص ۲۲۵؛ ولفظ الحديث على ما في المناقب : «حبّ عليّ بن أبي طالب حسنة لاتضرّ معهما سيّئة، بغضه سيّئة لاتنفع معها حسنة». ومن المعلوم أنّ هذا الحبّ ليس حبّا عاديّا؛ لأنّه لايستدعي عدم إضرار المعصية معه. قال الشيهد الثاني في رسالة العدالة، ص ۲۲۷ : «على تقدير صحّة الخبر مفتقر إلى التأويل، وأقرب التأويلات حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة».
32.الاعتقادات، ص ۱۰۱. وفيه : «وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلّي بالعبادة مع تديّنهم بترك الصلاة وجميع الفرائض».
33.لم نجد مأخذا له.
34.في «الف»: «إذا».
35.في «ج»: «ويعبده».
36.في الإرشاد، ج ۱، ص ۳۴۹ ـ ۳۵۰ : «أجمع... أهل القبلة من ظهور إبليس لأهل دارالندوة في صورة شيخ من أهل نجد، واجتماعه معهم في الرأي على المكر برسول اللّه صلى الله عليه و آله وظهوره يوم بدر للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي». وراجع: تفسير القمّي، ج ۱، ص ۲۷۲، ذيل الآية ۳۰ من سورة الأنفال؛ بحار الأنوار، ج ۱۹، ص ۴۷، ح ۸ .
37.في «ب» و «ج»: + «في».
38.في «ب» : «المؤذية».
39.الأمالي للطوسي، ص ۵۳۹ ، المجلس ۱۹، ح ۱۱۶۲؛ بحار الأنوار، ج ۷۴، ص ۹۱، ح ۳.
40.الكافي، ج ۱، ص ۵۱ ، باب النوادر من كتاب فضل العلم، ح ۱۵؛ و ج ۲، ص ۲۲۳، باب الكتمان، ح ۵ ؛ و ج ۴، ص ۱۹۷، باب ابتلاء الخلق و...، ح ۱؛ و ج ۵ ، ص ۱۱۴، باب الصناعات، ح ۱؛ الفقيه، ج ۳، ص ۱۵۹، ح ۳۵۸۳؛ التهذيب، ج ۶ ، ص ۳۶۳، ح ۱۰۴۰.
41.حديقة الشيعة، ص ۵۶۱.
42.حديقة الشيعة، ص ۵۶۱.
43.الكافي، ج ۱، ص ۵۴ ، باب البدع والرأي والمقاييس، ح ۵.
44.«الدِفناس»: الأحمق. وقيل: الأحمق البذيّ. لسان العرب، ج ۶ ، ص ۸۵ (دفنس).
45.كذا في جميع النسخ، وفي المصدر : «بإملائهم».
46.كذا في جميع النسخ، وفي المصدر : «بإذلالهم».
47.حديقة الشيعة، ص ۶۰۲ ـ ۶۰۳ .
48.لسان العرب، ج ۲، ص ۱۴ (دبخ).
49.لسان العرب، ج ۹، ص ۸ (أكف).
50.كتاب العين، ج ۱، ص ۷۵ (عس).
51.الصحاح، ج ۶ ، ص ۲۳۳۹ (دلو).
52.الأنفال (۸): ۳۵.
53.حديقة الشيعة، ص ۶۰۵ .
54.حديقة الشيعة، ص ۶۰۵ .