هديّة :
(متعمّقون) أي متفكّرون جدّا في درك حقيقة الأشياء سيّما حقيقة الربّ تعالى بالاستدلالات القياسيّة الشيطانيّة والانكشافات الرياضيّة النفسانيّة ، كالصوفيّة والقدريّة القائلين بوحدة الوجود وتنزّلاته وتشكّلاته ، وغير ذلك من المزخرفات الكفرانيّة . ومن مقالاتهم المزخرفة : إنّ كمال التوحيد حصر السجود له وإن كان هو الأمر بسجود غيره ، وبذلك لقّب عندهم اللّعين برئيس الموحِّدين ، وكالفلاسفة المتفكّرين في أنّ علمه تعالى حضوريّ أو حصوليّ ، إجماليّ أو تفصيليّ ، فِعلي علّة للمعلوم ، أو انفعالي تابع للمعلوم . والآيات من سورة الحديد : «بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ للّه ِِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللّه ُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللّه ِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» . ۱
«ذو» بمعنى الصاحب ، تأنيثه «الذات»، وفسّرت «ذات الصدور» بالأفكار والضمائر والوساوس ، وكلّ ما خطر في الخاطر .
قال برهان الفضلاء : الظاهر من تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ «جوامع الكلم» في حديث النبيّ صلى الله عليه و آله حيث قال : «واُوتيت جوامع الكلم» عبارة عن هذه الآيات السبع . ۲
قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» دلالة على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشخاص والأمكنة ، فلا يعزب عنه سبحانه شيء منها .
«فمن رامَ وراء ذلك» أي قصد خلافه ووصفه بخلاف ما أتى به سبحانه كمَن وصفه بالجسم ، أو بالشكل والصورة ، أو بالصّفات الزائدة ، أو بالإيلاد ، أو بالشريك ، أو بالجهل بشيء ، أو بإيجاد غيره ، أو نفي قدرته عن شيء «فقد هلك» وضلّ عن سواء الطريق ، واُحيط بجهنّم وهو بها حقيق . ۳
قال الفاضل الإسترابادي : «علم أنّه يكون في آخر الزمان» نهيٌ عن التعمّق في أدلّة التوحيد . ثمّ قال : «والآيات من سورة الحديد» كأنّها من أوّل السورة . ۴
وقال بعض المعاصرين :
أشار بالمتعمّقين إلى أكابر أهل المعرفة . ولعمري إنّ في سورتي التوحيد والحديد ما لا يدرك غوره إلّا الأوحديّ الفريد ، ولا سيّما الآيات الاُول من سورة الحديد، وخصوصا قوله تعالى : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» . ۵ انتهى .
1.الحديد (۵۷) : ۱ ـ ۶ .
2.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۵۱ .
3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۱۴ .
4.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۲ .
5.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۶۹ .