الحديث الثامن
۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«ابْنَ ۱
آدَمَ ، لَوْ أَكَلَ قَلْبَكَ طَائِرٌ ، لَمْ يُشْبِعْهُ ، وَبَصَرُكَ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَرْتُ ۲ إِبْرَةٍ ، لَغَطَّاهُ ، تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ بِهِمَا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ إِنْ كُنْتَ صَادِقا ، فَهذِهِ الشَّمْسُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ ، فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَمْلَأَ عَيْنَيْكَ مِنْهَا ، فَهُوَ كَمَا تَقُولُ» .
هديّة :
في بعض النسخ : «ياابن آدم» بإظهار حرف النداء .
و«الخرت» بضمّ المعجمة وسكون المهملة والمثنّاة الفوقيّة : الثقب في الاُذن والإبرة وغيرهما .
و«الإبرة» بكسر الهمزة وسكون المفردة .
و«الملكة» : عظمة السلطنة والشأن .
في بعض النسخ : «عينك» بالإفراد .
أنت خبير بأنّ مقدار جرم الشمس ـ وهو في الأنظار قدر شبر ـ ثلاثمائة وستّون ضِعفا لمقدار مجموع كرة الأرض ونصف ثمنها تقريبا سبعة أقاليم ، فانظر إلى السماء الدنيا وهي في جيب سائر السماوات كحلقة في فلاة أنّها تسع عدّة من الشمس لو تعدّدت ، ونِعْمَ ما قيل :
كما يعتري العين الظاهرة عند التحدّق في جرم الشمس عَمَش يُثبّطه عن تمام الإبصار ، فكذلك يعتري العين الباطنة عند التعمّق في شأن حججه تعالى دَهَش يُكْمِه عن اكتناه أوّل درجة من درجات أنوارهم . ۳
«العمش» محرّكة : ضعف البصر بسيلان دمعها غالبا . «ثبّطه عن الأمر» : شغله عنه . و«الدهش» محرّكة : الحيرة ، فهو كما تقول . ۴
قال برهان الفضلاء :
ادّعت الصوفيّة أنّ أهل القلب يصلون أوّلاً قبل مقام الوصول والاتّحاد إلى مقام مشاهدة ذات اللّه ، وصحّت عند الأشاعرة الرؤية بالإمكان في الدنيا والوقوع في الآخرة ، وهذا الحديث ردّ على كفرهما .
وقال بعض المعاصرين :
الخطاب في هذا الحديث خاصّ بمن لا يتجاوز درجة الحسّ والمحسوس ، فأمّا من جاوزها منهم وبلغ إلى درجة العقل والمعقول وهم أصحاب القلوب الملكوتيّة ، فلهم أن يعرفوا بقلوبهم ملكوت السماوات والأرض ، فلذا حثّ اللّه تعالى في غير موضع من كتابه على النظر في الملكوت ، قال اللّه تعالى : «أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»۵ ، وقال : «وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»۶ . ۷
أقول : بل الخطاب في هذا الحديث خطاب من الحجّة المعصوم المحصور عدده في حكمة اللّه تعالى إلى غير المعصوم . والمعنى تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض كما هي . والحثّ على النظر فيهما إنّما هو على قدر المقدرة للاستدلال بالآثار الظاهرة والآيات الباهرة .
1.في الكافي المطبوع : «يا ابن» .
2.في الكافي المطبوع و حاشية «ب» و «ج» : «خرق» .
3.هذا الكلام اُخذ من الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۷۶ ، وفيه : «قيل : «كما يعترى العين الظاهرة التي هي بصر الجسد عند التحدّق في جرم الشمس عمش يثبطه عن تمام الإبصار ، فكذلك يعتري العين الباطنة التي هي بصر العقل عند إداراك البارئ القدّوس تعالى دهش يكمهه عن اكتناه ذاته سبحانه» .
4.كذا في الأصل، والظاهر أنّ فيها سقطا.
5.الأعراف (۷) : ۱۸۵ .
6.الأنعام (۶) : ۷۵ .
7.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۷۴ .