119
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الحديث الثاني

۰.روى في الكافي بإسناده ،۱
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، قَالَ : سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذلِكَ ، فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ حَتّى بَلَغَ سُؤَالُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ : إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ اللّه َ قَسَمَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلَامَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ ، فَقَسَمَ الْكَلَامَ لِمُوسى ، وَلِمُحَمَّدٍ الرُّؤْيَةَ . فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :
«فَمَنِ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللّه ِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْاءنْسِ «لَاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَ «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ؟ أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وسلم؟» قَالَ : بَلى ، قَالَ : «كَيْفَ يَجِيءُ رَجُلٌ إِلَى الْخَلْقِ جَمِيعا ، فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ ، وَأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللّه ِ بِأَمْرِ اللّه ِ ، فَيَقُولُ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» ، وَ «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي ، وَأَحَطْتُ بِهِ عِلْما ، وَهُوَ عَلى صُورَةِ الْبَشَرِ؟! أَمَا تَسْتَحُونَ؟ مَا قَدَرَتِ الزَّنَادِقَةُ أَنْ تَرْمِيَهُ بِهذَا أَنْ يَكُونَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللّه ِ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ يَأْتِي بِخِلَافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَإِنَّهُ يَقُولُ : «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى» ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ بَعْدَ هذِهِ الْايَةِ مَا يَدُلُّ عَلى مَا رَأى ؛ حَيْثُ قَالَ : «ماكَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى» يَقُولُ : مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا رَأى ، فَقَالَ : «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» فَآيَاتُ اللّه ِ غَيْرُ اللّه ِ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ : «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» فَإِذَا رَأَتْهُ الْأَبْصَارُ ، فَقَدْ أَحَاطَ ۲ بِهِ الْعِلْمَ ، وَوَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ» . فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَاتِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ ، كَذَّبْتُهَا ، وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْما ، وَ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» » .

هديّة :

(أبو قُرّة) بضمّ القاف .
(المحدّث) بكسر الدال المشدّدة .
(روينا) على المجهول من الرواية، ويضمّن معنى الإخبار . وقرأ برهان الفضلاء على المجهول من التروية ، يعني من ماءٍ .
نقل الحديث لنا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ اللّه قسم كذا ، وأنّه عليه السلام رأى ربّه في صورة شابّ موفّق ابن ثلاثين . كما سيذكر في الثالث في الباب العاشر .
«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» في سورة الأنعام . ۳ وفي التفسير لا تدركه أبصار الأفئدة فضلاً عن الأنظار . فالأبصار جمع البصر بمعنى البصيرة ، من غير خلاف في أنّ الأبصار مفسّرة في هذه الآية بالأوهام ، وستعرف في هديّة آخر الباب إن شاء اللّه تعالى .
«لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» في سورة طه ۴«وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» في سورة الشورى . ۵
قال السيّد الأجلّ النائيني :
أمّا دلالة «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» فظاهرة . وأمّا دلالة «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» فلأنّ الأبصار إحاطة علميّة ، وأمّا دلالة «وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» فلأنّ الإبصار إنّما يكون بصورة للمرئيّ وهي شيء تماثله وتشابهه ، وإلّا لم يكن صورة له . ۶
أقول : هذا بناؤه على قاعدة الانطباع فالأولى على الإطلاق أن يقال : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» مفسّر بنفي المشابهة أصلاً ؛ يعني ليس يشبهه شيء من الأشياء في شيء من الأنحاء ، والمبصريّة نحوٌ من الأنحاء المشتركة ، وحده لا شريك له ، لا بحسب الذات ، ولا بحسب الصفات الحقيقيّة .
(محمّد صلى الله عليه و آله ) رفع واسم ليس والخبر محذوف . يعني أ ليس محمّد صلى الله عليه و آله المبلِّغ؟
(أما تستحون؟) يقرأ بطريقين : ك «لّا يستحيي» و«لا يستحي» في القرآن .
(أن ترميه) أي النبيّ صلى الله عليه و آله ، لثبوت صدقه وأمانته وديانته عند الجاحدين أيضا .
(ما كذّب فؤاد محمّد) بحذف المفعول لعلّه تقيّة، وهو : «ما رأى» أي من نور وصيّه صلى الله عليه و آله حالة التعيين .
فجملة (ما رأت عيناه) جملة اُخرى منفيّة بدليل ما رواه الصدوق رحمه اللهفي توحيده بإسناده ، عن محمّد بن الفضل، ۷ قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : هل رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ربّه؟ فقال : نعم بقلبه رآه ؛ أما سمعت أنّه عزّ وجلّ يقول : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»۸ لم يره بالبصر ولكن يراه بالفؤاد . ۹
وفي بعض النسخ «فآيات اللّه غيره»، وستعرف تفسير سورة والنجم من أحاديثهم عليهم السلام ، وأنّها نزلت في أمر الوصاية والولاية ، «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» فكان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قرب كماله من كمال رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرب البيتين المتّصلين من قوس واحدة «أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى»۱۰ فلان وفلان وفلان .
أيّتها القدريّة، كيف يجيء رسول من اللّه إلى الخلق جميعا فيقول : كلّ من نطق بكلمة الكفر وأصرّ فهو مرتدّ ، نجس ، واجب القتل ، مخلّد في النار ، فيكون قصده أنّه كذا ظاهرا وفي الحقيقة هو من المقرّبين، بل من الواصلين على خلاف قصده ؟! إنّه من الواصلين إلى النار وبئس المصير ، وقد قال فرعون : «أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى»۱۱ ، وجُنَيدُكم : ليس في جُبّتي سوى اللّه ! وبسطاميّكم : سبحاني ! وكذا سائر طواغيتكم من الحلّاج ومثله .
ومن اُكذوبتكم ومفترياتكم ماذكرتم في كتبكم أنّ حلّاجكم رأى في المنام حصنا حصينا من حديد من الأرض إلى السماء، لا خلل فيه سوى ثقبة واحدة ، فسأل في المنام ما هذه الثقبة والخلل في مثل هذا الحصن الحصين والبنيان المرصوص؟ فقيل له : هذا حصن الشريعة لا خلل فيها سوى الخلل الذي يقع فيها من لسانك ، ولا يسدّ إلّا برأسك المقطوع من جسدك . أما شعرتم أيّتها النّوكى أنّ إنكاركم كفركم عين الإقرار به كالرستاقي؟! وقد أقررتم في عين إنكاركم أنّ مثل قول مثل الحلّاج خلل وكفر شرعا بحكم الشارع المخبر عن اللّه العدل الحكيم ، فكيف يحكم الشارع بكفر من هو من المقرّبين بل الواصلين؟ أم كيف يفرّق بين مقالة فرعون ومقالة مثل الحلّاج؟ وكذا روايتكم عن بسطاميّكم أنّ مريديه وأبالسته اعترضوا عليه أنّك تتكلّم في حالة الوجد والسماع بكلمات الكفر والزندقة ، فقال : فواجب عليكم أن تقتلوني عند ذلك ، فلمّا سمعوا ذلك من الشيخ تهيّئوا لقتله وأحضروا السكاكين والخناجر ، فلمّا أدرك الشيخ وجده وحالته أخذ في كلماته الكفرانيّة ومقالاته الشيطانيّة، فوثبوا من الجوانب بحكم الشارع وأمر الشيخ وإقراره بحقّيّة أمر الشارع، فضربوه بالخناجر والسكاكين، فلمّا فرغوا كان الجارحون مجروحين والضاربون مضروبين ؟!!

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار» .

2.في الكافي المطبوع : «أحاطت» .

3.الأنعام (۶) : ۱۰۳ .

4.طه (۲۰) : ۱۱۰ .

5.الشورى (۴۲) : ۱۱ .

6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۲۲ .

7.في المصدر : «الفضيل» .

8.النجم (۵۳) : ۱۱ .

9.التوحيد ، ص ۱۱۶ ، باب ما جاء في الرؤية ، ح ۱۷ .

10.النجم (۵۳) : ۱۹ ـ ۲۰ .

11.النازعات (۷۹) : ۲۴ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
118

الباب التاسع : بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِ

وأحاديثه كما في الكافي ثمانية . وفي وجه أحد عشر :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي ،۱عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ : كَيْفَ يَعْبُدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ لَا يَرَاهُ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام :«يَا أَبَا يُوسُفَ ، جَلَّ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَالْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَعَلى آبَائِي أَنْ يُرى» . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ : هَلْ رَأى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَرى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ» .

هديّة :

«التوقيع» : ما يوقّع في الكتاب ، وأكثر إطلاقه ما يوقّع السلطان بخطّه في الكتاب .
(وهو لا يراه) يعني كيف يَعْبد وهو لا يعرفه معرفةً ممتازةً بامتيازه عن غيره وعدم مشابهته بغيره، وهي لا يحصل إلّا بالرؤية .
(والمنعم عليَّ وعلى آبائي) أي بنعمة الولاية ، وهي خير النِعَم بعد النبوّة .
(بقلبه) «من» في (من نور عظمته) تبعيضيّة ، أي لم تكن تلك الرؤية بالبصر ـ إذ المبصَرْ محدود مخلوق البتّة ـ بل بإدراك القلب ، ولم تكن رؤية القلب متعلّقة بالذات بل بنور عظيم مخلوق بعظمته سبحانه ، وفسّر ـ كما سيجيء نصّه ـ بنور الوصيّ الواجب على اللّه تعالى تعيينه والتنصيص عليه .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن عليّ بن أبي القاسم» .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 70903
صفحه از 508
پرینت  ارسال به