127
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
126

الحديث الرابع

۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ . فَكَتَبَ عليه السلام :«لَا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ يَنْفُذُهُ الْبَصَرُ ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ ، لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ ، وَكَانَ فِي ذلِكَ الِاشْتِبَاهُ ؛ لِأَنَّ الرَّائِيَ مَتى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ ، وَجَبَ الِاشْتِبَاهُ ، وَكَانَ ذلِكَ التَّشْبِيهَ ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ» .

هديّة :

يعني (أسأله) عن شيئين (عن الرؤية) التي قالت عامّة العامّة بجوازها في الآخرة بهذا البصر ، وعن اختلافهم بعد هذا الاتّفاق في التجسيم اللّازم من تجويز الرؤية ؛ فطائفة منهم قالوا به ، كالحنابلة وغيرها ، لا كالأشاعرة وسائر طوائف العامّة بتجويزهم رؤية غير الجسم والجسماني بهذا البصر على خلاف العادة ، حتّى أنّهم قالوا : يجوز على خلاف العادة رؤية الصوت والطعم والرائحة بهذا البصر .
في بعض النسخ : «ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذ البصر» بإثبات «لم» قبل «ينفذ» وإسقاط الضمير المنصوب بعده .
والمراد بالهواء في الجواب : الفضاء شاغلاً بعنصر الهواء أو لا ، ولكون مثله من السفسطيّات لم يلتفت عليه السلام إلى الجواب عنه واكتفى بالجواب عن الأوّل .
(فإذا انقطع الهواء) يعني فإذا امتنع بالاتّفاق توسّط فضاء بين الرائي والمرئي المفروضين ؛ لاستلزامه بالانتهاء إلى المرئي أن يكون المرئي محدودا شبيها بما له حدّ وغاية امتنعت الرؤية قطعا .
(وكان في ذلك الاشتباه) يعني وثابت في ذلك التوسّط التشبيه و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» . ۱
(لأنّ الرائي) تعليل لاستلزام التوسّط التشبيه .
و(السبب الموجب) بكسر الجيم يعني الشرط الرابط .
(وكان ذلك التشبيه) يعني وثابت أنّ الاشتباه هو التشبيه الممنوع .
(لأنّ الأسباب) تعليل للزوم الاشتباه .
وقال الفاضل الإسترابادي :
«وكان في ذلك الاشتباه» يعني كون الرّائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم مشابهة المرئي بالرّائي في الوقوع في جهة ، وفي الجسميّة ؛ فإنّ كون الشيء في طرف مخصوص من الهواء سبب عقلي ؛ لكونه جسما ، فيلزم المشابهة بين الربّ وبين الرائي في الكون في الجهة وفي الجسميّة ، وقد مضى أنّه أخرجه عن الحدّين . ۲
وقال برهان الفضلاء :
«لا تجوز الرؤية» ـ إلى قوله ـ : «لم تصحّ الرؤية» توطئة مقدّمةٍ لتحرير محلّ النزاع . والمراد بالهواء الفضاء .
«وكان في ذلك الاشتباه» إلى قوله : «وجب الاشتباه» تحرير محلّ النزاع ، «وكان» عطف على «لم يصحّ» . و«في ذلك» أي في انقطاع الهواء عنهما .
«الاشتباه» يعني غلط الناس بسبب المشابهة بين الحقّ والباطل ، يعني امتناع الرؤية وصحّتها .
و«السبب» بمعنى الوسيلة ، وهي هنا الفضاء .
و«الموجبة» بكسر الجيم ، أي ما يوجب الرابط بين الشيئين .
«وكان ذلك التشبيه» إلى آخر الحديث : دليل عقليّ على امتناع الرؤية . و«الواو» في «وكان» عطف على «كان» في «ذلك الاشتباه» .
واحتمل : «وكأن ذلك التشبيه» بفتح الهمزة والنون الساكنة في «وكان» والفعل الماضي من الدلالة متّصلاً بالمفعول بدل ذلك ، قال : يعني وكأنّ دليل الذي سمّي بدليل التشبيه أراك طريق امتناع الرؤية .
وحمل «الأسباب» على الأدلّة ، و«المسبّبات» بالنتائج .
وقال السيّد الأجلّ النائيني :
«لا تجوز الرؤية» يعني الحقّ أنّه لا تجوز الرؤية بالعين ، وما بعده دليل على عدم جواز الرؤية . وتقريره أنّه «ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذ البصر» سواء كان الإبصار بالانطباع ، كما هو الظاهر من الرواية السابقة . وذهب إليه المشاؤون ؛ أو بالشعاع ، كما هو مذهب آخرين من الحكماء . «فإذا» لم يكن بينهما هواء «وانقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية» بالبصر .
«وكان في ذلك» أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي «الاشتباه» يعني شَبَه كلّ منهما بالآخر . يقال : اشتبها : إذا أشبه كلّ منهما الآخر .
«لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ» وماثله في النسبة «إلى السبب» الذي أوجب بينهما في الرؤية «وجب الاشتباه» ومشابهة إحداهما الآخر في توسّط الهواء بينهما . ۳ «وكان ذلك التشبيه» أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي للرائي في الوقوع في الجهة حتّى يصحّ كون الهواء بينهما ، فيكون متحيّزا ذا صورة وضعيّة ؛ فإنّ كون الشيء في طرف مخصوص من طرفي الهواء ، وتوسّط الهواء بينه وبين شيء آخر سببٌ عقليّ للحكم بكونه في جهة ، ومتحيّزا ذا وضع وصورة وضعيّة ومشابها لمخلوقه في الصورة ، وهو المراد بقوله : «لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات». ۴ انتهى .
ضبط «لم ينفذ البصر» كالبعض ، وقرأ «الموجب» بفتح الجيم «وكان ذلك التشبيه» برفع «التشبيه» .
وفي كتاب التوحيد روى الصدوق بإسناده ، عن أحمد بن إسحاق، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس ، فكتب : «لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ، فإذا انقطع عن الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية ، وكان في ذلك الاشتباه ؛ لأنّ الرائي متى ساوى المرئي لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات» . ۵
وفي توجيه آخر الحديث ـ كما في كتاب التوحيد ـ أقوال ، أقربها أنّ المحاذوات . بمعنى المحاذاة ، وضمير «اتّصالها» للواسطة المفهومة سياقا ، و«المسبّبات» عبارة عن كلّ ما يرى ، والأقرب أنّ الحمل على الإسقاط أولى .

1.الشورى (۴۲) : ۱۱ .

2.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۳ .

3.في «ب» و «ج» : + «فيكون متحيّزا» .

4.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۳۲۸ ـ ۳۲۹ .

5.التوحيد ، ص ۱۰۹ ، ح ۷ ، بتفاوت وزيادة في المصدر .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 99320
صفحه از 508
پرینت  ارسال به