139
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

هديّة :

أورد ثقة الإسلام ـ طاب ثراه ـ بإسناده هذا الكلام عن هشام بن الحكم في ذيل هذا الباب لمناسبته أحاديث الباب .
(ولا في حيّزه) أي ولا يداخله غيره في حيّزه .
ولعلّ مراده من قوله : (فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء ، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ويتمثّله) إنّ القلب إنّما يدرك بسبب إدراكه بواسطة الحواس الظاهريّة جميع ما في فضاء الدنيا فضاءً خياليّا بجميع ما فيه من الاُمور المتوهّمة والمتمثّلة بما في فضاء الدنيا وإن كان فضاؤه الخيالي أضعاف أضعاف الفضاء الظاهري ، فهو لا يدرك إلّا الاُمور المحدودة المتناهية ، فإذا حمل على إدراك ما لا حدّ له ولا نهاية رجع راجعا، فحكى المحدود والمتناهي ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما لا حدّ له ولا نهاية، ولا يمكنه إحاطته بالفضاء الخيالي وإن بالغ في توسّعه عالم الخيال .
وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
الظاهر أنّ هذا الكلام لهشام في بيان مضمون ما سمع من الإمام ، وهو مضمون الحديث الرابع في هذا الباب عن أبي الحسن الثالث عليه السلام فكان قد سمعه عن آبائه عليهم السلام .
فقوله : «الأشياء لا تدرك» إلى قوله : «ولا في حيّزه» توطئة منه لبيان مضمون الرابع . وقوله : «وإدراك البصر له سبيل وسبب» إلى قوله : «إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره» لبيان ذلك على ما فهم من كلام الإمام على خلاف ما فهمنا منه وبيّنّا . وعلى ما فهمه وبيّنه يرد أشياء ، منها : أنّ الظاهر من بيانه أنّ الضياء شرط لمطلق الرؤية وهو منتقص برؤية الخفّاش في الظلام .
وقوله : «فأمّا القلب» إلى آخر الحديث ، تقوية لمضمون التاسع والعاشر والحادي عشر قصدا منه إلى تقريب امتناع إحاطته تعالى بأوهام القلوب إلى العقول ، لا ذكرا منه على نهج البرهان .
في بعض النسخ ـ كما ضبط برهان الفضلاء ـ : «أن يشبهه خلقه» بزيادة البارز المتّصل المنصوب .
وقال بعض المعاصرين في كتابه : أورد في الكافي بعد هذه الأخبار الثلاثة خبرا آخر في هذا المعنى من كلام هشام بن الحكم، تركنا ذكره لعدم وضوحه . ۱
وقال الفاضل الإسترابادي :
قال الاُستاد المحقّق رئيس المحدِّثين مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله : لمّا كان ذهن هشام بن الحكم في غاية الاستقامة ، والتزم أن لا يتكلّم إلّا بما أخذه منهم صلوات اللّه عليهم أمروا الأئمّة عليهم السلام جمعا من الشيعة أن يأخذوا منه معالم دينهم ، فلذلك يروون كلامه كما يروون كلامهم . ۲
ثمّ قال مولانا محمّد أمين رحمه الله بخطّه :
«فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء» المراد من الهواء عالَم الأجسام، أي الهواء وما في حكمه من جهة الجسميّة .
والمراد أنّ القلب يتمكّن من إدراك عالم الأجسام إدراكا على وجه جزئيّ ، ولا يتمكّن من إدراك ما ليس بجسم ولا جسماني على وجه قال جزئي .
لا يقال : ينتقض بإدراك النفس الناطقة ذاتها على وجه جزئي ، لأنّا نقول : الكلام في إدراك النفس الناطقة غيرها ، أو الكلام في العلم الحصولي لا الحضوري الذي يكفي في تحقّقه مجرّد حضور المعلوم عند العالم ؛ أي عدم غيبوبته عنه .
أو المراد أنّ القلب يتمكّن من إدراك عالم الأجسام على وجه التخييل والتمثيل ، ولا يتمكّن من إدراك غير عالم الأجسام على ذلك الوجه . ۳
وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله :
لمّا أورد محمّد بن يعقوب الكليني ـ طاب ثراه ـ تلك الأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام في نفي الإبصار بالعيون وأوهام القلوب ذيّل الباب بما نقل عن هشام بن الحكم الذي هو رأس أصحاب الصادق عليه السلام ورئيسهم في الكلام الذي إنّما يظنّ به أنّه كلامٌ ۴ مأخوذ عن أحاديث أهل البيت وأقوالهم عليهم السلام .
قال : قوله : «إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره» يحتمل أن يكون المراد به : إذ لا سبيل للناظر إلى إنفاذ بصره ، حيث لا سبيل هنا ينفذ البصر فيه .
ويحتمل أن يكون المراد : إذ لا سبيل للناظر من جهة إنفاذ البصر ؛ أي لا سبيل ينفذ بصره فيه .
قال : «وأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء» أي البُعد الذي يسمّونه حيّزا «فهو يدرك جميع ما في الهواء» من المتحيّزات بذواتها أو صورها، «فإذا حمل القلب على» إدراك «ما ليس في الهواء موجودا» وليس يصحّ عليه التحيّز بذاته ، أو بصورة ذهنيّة ۵ مناسبة له لائقة به «رجع راجعا» عمّا لا سبيل له إليه إلى ما يقابله من المتحيّزات . ۶

1.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۸۶ .

2.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۴ .

3.المصدر .

4.في المصدر : «كلامه» .

5.في المصدر : «وهيئة» بدل «ذهنيّة» .

6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۳۷ ـ ۳۳۸ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
138

الحديث الحادي عشر

۰.روى في الكافي ،۱عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ»؟ فَقَالَ :«يَا أَبَا هَاشِمٍ ، أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ ؛ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلَا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ ، وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لَا تُدْرِكُهُ ، فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ؟!»

هديّة :

يعني الجواد عليه السلام .
«الأبصار» في الجواب في الموضعين يحتمل الإفراد والجمع ، والمآل واحد .
قال برهان الفضلاء :
«لا تدخلها» من باب الإفعال ، من دَخِلَ كعلم بمعنى فسد ـ قال ـ : وإن كان من باب نصر كان المراد بالإدراك إدراك كنه الذات لا الشخص، وهو في المحسوسات لا يمكن بدون إحساسها .
و«لا تدركها» عطف على «تدرك» .
وهو كما ترى .
وقال السيّد الأجلّ النائيني :
«أدقّ» حيث يصل إلى ما لا يصل إليه إدراك العيون ، ويدقّ عن أن يدرك بها .
«فكيف أبصار العيون» أي يلزم من نفي أوهام القلوب نفي أبصار العيون ، فنفيها نفي لهما . ۲
قال ثقة الإسلام: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : الْأَشْيَاءُ ۳ لَا تُدْرَكُ إِلَا بِأَمْرَيْنِ : بِالْحَوَاسِّ ، وَالْقَلْبِ ؛ وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : إِدْرَاكا بِالْمُدَاخَلَةِ ، وَإِدْرَاكا بِالْمُمَاسَّةِ ، وَإِدْرَاكا بِلَا مُدَاخَلَةٍ وَلَا مُمَاسَّةٍ .
فَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ ، فَالْأَصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ .
وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ ، فَمَعْرِفَةُ الْأَشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ ، وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ .
وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ ، فَالْبَصَرُ ؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَيِّزِهِ ، وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ ، فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ ، وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ ، فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ ، أَدْرَكَ مَا يُلَاقِي مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْخَاصِ ، فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلى مَا لَا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ ، رَجَعَ رَاجِعا ، فَحَكى مَا وَرَاءَهُ ، كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لَا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ ، رَجَعَ رَاجِعا يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ، وَكَذلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي ، يَرْجِعُ رَاجِعا فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ .
فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ ، فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ ويتمثّله ، ۴ فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودا ، رَجَعَ رَاجِعا فَحَكى مَا فِي الْهَوَاءِ .
فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلى مَا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ اللّه ُ وَعَزَّ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذلِكَ ، لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلَا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ ، كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ ، تَعَالَى اللّه ُ أَنْ يُشبه ۵ خَلْقُهُ .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عمّن ذكره» .

2.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۳۶ .

3.في الكافي المطبوع : + «كلّها» .

4.في الكافي المطبوع : - «ويتمثّله» .

5.في الكافي المطبوع : «أن يشبهه» .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 94316
صفحه از 508
پرینت  ارسال به