الحديث الحادي عشر
۰.روى في الكافي ،۱عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ»؟ فَقَالَ :«يَا أَبَا هَاشِمٍ ، أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ ؛ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلَا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ ، وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لَا تُدْرِكُهُ ، فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ؟!»
هديّة :
يعني الجواد عليه السلام .
«الأبصار» في الجواب في الموضعين يحتمل الإفراد والجمع ، والمآل واحد .
قال برهان الفضلاء :
«لا تدخلها» من باب الإفعال ، من دَخِلَ كعلم بمعنى فسد ـ قال ـ : وإن كان من باب نصر كان المراد بالإدراك إدراك كنه الذات لا الشخص، وهو في المحسوسات لا يمكن بدون إحساسها .
و«لا تدركها» عطف على «تدرك» .
وهو كما ترى .
وقال السيّد الأجلّ النائيني :
«أدقّ» حيث يصل إلى ما لا يصل إليه إدراك العيون ، ويدقّ عن أن يدرك بها .
«فكيف أبصار العيون» أي يلزم من نفي أوهام القلوب نفي أبصار العيون ، فنفيها نفي لهما . ۲
قال ثقة الإسلام: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : الْأَشْيَاءُ ۳ لَا تُدْرَكُ إِلَا بِأَمْرَيْنِ : بِالْحَوَاسِّ ، وَالْقَلْبِ ؛ وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : إِدْرَاكا بِالْمُدَاخَلَةِ ، وَإِدْرَاكا بِالْمُمَاسَّةِ ، وَإِدْرَاكا بِلَا مُدَاخَلَةٍ وَلَا مُمَاسَّةٍ .
فَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ ، فَالْأَصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ .
وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ ، فَمَعْرِفَةُ الْأَشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ ، وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ .
وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ ، فَالْبَصَرُ ؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَيِّزِهِ ، وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ ، فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ ، وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ ، فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ ، أَدْرَكَ مَا يُلَاقِي مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْخَاصِ ، فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلى مَا لَا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ ، رَجَعَ رَاجِعا ، فَحَكى مَا وَرَاءَهُ ، كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لَا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ ، رَجَعَ رَاجِعا يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ، وَكَذلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي ، يَرْجِعُ رَاجِعا فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ .
فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ ، فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ ويتمثّله ، ۴ فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودا ، رَجَعَ رَاجِعا فَحَكى مَا فِي الْهَوَاءِ .
فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلى مَا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ اللّه ُ وَعَزَّ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذلِكَ ، لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلَا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ ، كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ ، تَعَالَى اللّه ُ أَنْ يُشبه ۵ خَلْقُهُ .
1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عمّن ذكره» .
2.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۳۶ .
3.في الكافي المطبوع : + «كلّها» .
4.في الكافي المطبوع : - «ويتمثّله» .
5.في الكافي المطبوع : «أن يشبهه» .