189
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
188

الحديث الثالث

۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ،۱قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنِ الْاءِرَادَةِ مِنَ اللّه ِ وَمِنَ الْخَلْقِ؟ قَالَ : فَقَالَ :«الْاءِرَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ : الضَّمِيرُ وَمَا يَبْدُو لَهُمْ بَعْدَ ذلِكَ مِنَ الْفِعْلِ ، وَأَمَّا مِنَ اللّه ِ ، فَإِرَادَتُهُ إِحْدَاثُهُ لَا غَيْرُ ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَوِّي ، وَلَا يَهُمُّ ، وَلَا يَتَفَكَّرُ ، وَهذِهِ الصِّفَاتُ مَنْفِيَّةٌ عَنْهُ ، وَهِيَ صِفَاتُ الْخَلْقِ ؛ فَإِرَادَةُ اللّه ِ تَعَالى هي ۲ الْفِعْلُ لَا غَيْرُ ذلِكَ ؛ يَقُولُ لَهُ : «كُنْ» فَيَكُونُ بِلَا لَفْظٍ ، وَلَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ ، وَلَا هِمَّةٍ ، وَلَا تَفَكُّرٍ ؛ وَلَا كَيْفَ لِذلِكَ ، كَمَا أَنَّهُ لَا كَيْفَ لَهُ» .

هديّة :

(الضمير) : الخاطر ، يعني تصوّر الفعل مع ما يظهر للمريد من اعتقاد النفع أو ظنّه ، ثمّ الرويّة ، أي القصد الراجح ، ثمّ الهمّة ، أي تأكّد القصد وهو العزم الجازم ، ثمّ انبعاث الشوق ، ثمّ تأكّده إلى أن يصير إجماعا باعثا على الفعل . وكلّ ذلك فينا إرادة بأعوانها بين ذاتنا وبين الفعل ، وهي أسباب الفعل فقوله : (من الفعل) أي من أسباب الفعل .
وقيل : المشار إليه ل«ذلك» مجموع ما يتوسّط . ۳
(وكيف لذلك) أي خصوصيّة متعلّقة للأذهان .
(كما أنّه لا كيف له) تعالى بهذا المعنى . والمنفيّ عنه تعالى الكيف بهذا المعنى دون خصوصيّة الحقيقة التي كيّف الكيف فصار كيفا .
وقال برهان الفضلاء :
«الضمير» على خمسة أقسام :
الأوّل : القدر المشترك بين التصوّر والتصديق .
والثاني : التفكّر في شيء .
والثالث : طلب شيء في الكلام النفسي الذي هو مدلول الكلام اللّفظي .
والرابع : ميل الطبع إلى شيء، سواء كان مع عزم فعله أو لا . وهذا القسم يسمّى بالهمّة أيضا كقوله تعالى في سورة يوسف : «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا»۴ ، والميل أعمّ من الميل إلى صدور من المائل أو من غيره .
والخامس : العزم على الفعل .
والأوّل لا يسمّى بالإرادة وكذا الثاني ، بخلاف البواقي .
و«البداء» بالمدّ : حدوث إرادة فعل لفاعلٍ مختار لا يكون فعله لازما عقليّا لعلّة تامّة لفعله .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«أخبرني عن الإرادة من اللّه ومن الخلق» الظاهر أنّ المراد بالإرادة المخصّص أحد الطرفين وما به يرجِّح القادر أحد مقدورَيْه على الآخر ، لا ما يطلق في مقابل الكراهة كما يقال : يريد الصّلاح والطاعة ويكره الفساد والمعصية .
والجواب : أنّ «الإرادة من الخلق الضمير» أي أمر يدخل خواطرهم وأذهانهم ويوجد في نفوسهم ، ويحلّ فيها بعدما لم يكن فيها وكانت هي خالية عنه .
«وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل» يحتمل أن يكون جملة معطوفة على الجملة السابقة ، والظرف خبرا للموصول .
ويحتمل أن يكون الموصول معطوفا على قوله : «الضمير» ضمن عطف المفرد على المفرد ، فيكون «من الفعل» بيانا للموصول .
والمعنى على الأوّل : أنّ الإرادة من الخلق الضمير الذي يدخل في قلبهم ، والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل لا من إرادتهم .
وعلى الثاني : أنّ إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم وما يكون لهم من الفعل المرتّب عليه . والمقصود هنا بالفعل ما يشمل الشوق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة ، فالإرادة من الخلق ۵ حادثة في ذواتهم حاصلة فيها بدخولها فيهم وقيامها بهم بعد خلوّهم بذواتهم عنها .
وأمّا الإرادة من اللّه فيستحيل أن يكون كذلك ؛ فإنّه يتعالى عن أن يقبل شيئا زائدا على ذاته ويدخله ما يزيد عليه ويغايره ، إنّما إرادته المرجّحة للمراد من مراتب إلاحداث لا غير ذلك ؛ إذ ليس في الغائب إلّا ذاته الأحديّة ، ولا يتصوّر هناك كثرة معانٍ ، ولا له بعد ذاته وما لذاته بذاته إلى ما ينسب إلى الفعل ممّا لا يدخله ولا يجعله بحالة وهيئة له مغايرة لحالة وهيئة اُخرى يصحّ عليه دخول هذه فيه أو تلك ، فإنّ الاتّصاف بالصفات الحقيقيّة الزائدة إنّما هو من شأن المخلوق لا الخالق تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فإرادته تعالى من مراتب الفعل المنسوب إليه لا غير ذلك . ۶
وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله :
«فإرادته إحداثه» هذه العبارة صريحة في أنّ إرادته تعالى زيدا ـ مثلاً ـ عين إيجاده إيّاه ، وقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»۷ ناظر إلى هذا المعنى . وما في كلامهم عليهم السلام من أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها ناظر إلى هذا المعنى أيضا . وسيجيء في كلامهم عليهم السلام إطلاق المشيئة والإرادة على معنى آخر . ۸
أقول : نصّه عليه السلام بأنّ إرادته تعالى هي إحداثه لا غير ذلك دلالة على أنّ الخلق الأوّل من مخلوقاته تعالى هو الإرادة ، فبتأويل قوله صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري» ۹ ب«أوّل ما خلق اللّه بالإرادة نوري» يندفع الإشكال . وأيضا جميع المخلوقات بتوسّط الإيجاد ولا واسطة للإيجاد ، فأوّليّته في المخلوقات لا ينافي تلك الأوّليّة ، وهذا معنى قولهم عليهم السلام ـ كما سيجيء ـ : خلق اللّه المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة» .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى» .

2.في الكافي المطبوع : - «تعالى هي» .

3.راجع الوافي ، ج ۱ ، ص ۴۵۶ .

4.يوسف (۱۲) : ۲۴ .

5.في المصدر : + «حالة» .

6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۶۸ ـ ۳۶۹ ، بتفاوت يسير .

7.يس (۳۶) : ۸۲ .

8.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۸ .

9.عوالي اللآلي ، ج ۴ ، ص ۹۹ ، ح ۱۴۰ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۵ ، ص ۲۴ ، ح ۴۴ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 96682
صفحه از 508
پرینت  ارسال به