191
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الحديث الرابع

۰.روى في الكافي عن الثلاثة ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ ،۱عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«خَلَقَ اللّه ُ الْمَشِيئَةَ بِنَفْسِهَا ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِالْمَشِيئَةِ» .

هديّة :

دفع لشبهة مشهورة هي: أنّه تعالى إن كان خلق الأشياء بالمشيئة وكانت المشيئة مخلوقة فتحتاج إلى مشيئة اُخرى ، وهكذا فيتسلسل .
والجواب أنّ المشيئة من صفات الفعل وجميع ما خلق اللّه تعالى خلق بالمشيئة إلّا المشيئة فإنّها خُلقت بنفسها . وظاهر أنّ توسّط فعل الفاعل بين قدرته ووجود المفعول لا يحتاج إلى فعل الفعل ، كما أنّ وجود المفعول يحتاج إلى توسّط الفعل . ويوضّح الجواب بظهور الفرق بين الفعل والمفعول ، فجميع العالم سوى المشيئة فعل بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، والمشيئة فعل لا بهذا المعنى ، غاية ما في الباب اشتهار التجوّز في الإطلاق وهو أوجب الإشكال ولا يوجب ، فخلقه مخلوقه ومخلوقه خلقه ، ولذا جرى وشاع إطلاق الخلق على المخلوق وبالعكس ، وهو الخالق لجميع ما سواه تعالى شأنه .
وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
المراد بالمشيئة هنا مصداق المشيئة ، وهو ما لا يتحقّق المشيئة بدونه ، وليس هو ـ كما ورد في النصّ ـ سوى الماء الذي هو أوّل المخلوقات ومادّتها . ۲ وسيجيء في الحديث أنّ المشيئة متقدّمة على الإرادة والتقدير والقضاء والإمضاء . ۳
و(بنفسها) متعلّق ب(خلق) يعني لا بمادّة .
وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله :
«خلق اللّه المشيئة بنفسها» . الأئمّة عليهم السلام تارةً يطلقون المشيئة والإرادة على معنى واحد ، وتارةً يطلقونهما على معنيين مختلفين كما سيجيء .
والمراد بهذه العبارة الشريفة أنّ اللّه تعالى خلق اللّوح المحفوظ ونقوشها من غير سبق سبب آخر من لوح ونقش ، وخلق سائر الأشياء بسببهما ، وهذا مناسب لقولهم عليهم السلام : «أبى اللّه أن يجري الأشياء إلّا بأسبابها» . ۴
أقول : سبحان اللّه كلّ حديث من أحاديثهم عليهم السلام في كلّ باب لا سيّما في باب التوحيد بحر زخّار لا ينزف ولو بالفرض والتقدير ، ولا يصل إلى ساحله سيّاح بالعلاج والتدبير بل كلّ متبحّرٍ يسيح في حوالي لجّته بقدر قوّته من التصوّر والتصوير ، وكثير من القوّة هنا قليل من الكثير .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«خلق اللّه المشيئة بنفسها» أي أبدع المشيئة واخترعها بنفسها لا بمشيئةٍ اُخرى ، فكانت المشيئة أوّل صادر عنه ، ثمّ أبدع الأشياء المرادة بالمشيئة ، فكان صدور الأشياء عنه بعد صدور المشيئة عنه .
ولمّا كان بين المشيئة والمراد مراتب ـ كما ستطّلع عليه ـ أتى بلفظة «ثمّ» الدالّة على التراخي . وإطلاق الخلق هنا بمعناه الأعمّ ، ولذا صحّ إسناده بالمشيئة التي هي من عالم الخلق . ۵
وقال السيّد الدّاماد رحمه الله :
المراد ب«المشيئة» في هذا الحديث : مشيئة العباد لأفعالهم الاختياريّة ؛ لتقدّسه سبحانه عن مشيئة مخلوقه، زائدة على ذاته عزّ وجلّ .
وب«الأشياء» : أفاعيلهم المترتّب وجودها على تلك المشيئة ، وبذلك تنحلّ شبهة ربّما اُوردت هاهنا : أنّه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الإرادة مسبوقة بإرادة اُخرى وتسلسلت الإرادات لا إلى نهاية . ۶
وقال بعض المعاصرين :
أفاد عليه السلام أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة ، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة اُخرى ، بل هي مخلوقة بنفسها ؛ لأنّها نسبة وإضافة بين الشّائي والمشيء ، تتحصّل بوجوديهما ۷ العيني والعلمي ، ولذا أضاف خلقها إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ كلا الوجودين له وفيه ومنه .
وفي قوله عليه السلام : «بنفسها» دون أن يقول : «بنفسه» إشارة لطيفة إلى ذلك ، نظير ذلك ما يقال : إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود ، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر ، بل إنّما يوجد بنفسه . فافهم راشدا . ۸ انتهى .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة» .

2.الكافي ، ج ۸ ، ص ۹۴ ، ح ۶۷ ؛ علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۸۳ ، باب ۷۷ ، ح ۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵ ، ص ۲۴۰ ، ح ۲۳ .

3.سيجيء في السادس عشر من باب البداء .

4.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۸ .

5.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۷۰ .

6.راجع التعليقة على اُصول الكافي ، ص ۲۴۸ .

7.ما أثبتناه من المصدر ، و في المخطوطات : «بوجوديها» .

8.الوافي ، ج ۱ ، ص ۴۵۸ ـ ۴۵۹ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
190
  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 96684
صفحه از 508
پرینت  ارسال به