هديّة :
(يراها ويسمعها) يعني هل يرى نفسه كما يرى غيره؟ وهل يسمع كلامه كما يسمع كلام غيره ؟
(لأنّه لم يكن يسألها) أي لم يكن يدعو نفسه كما يدعوه خلقه ويطلب منه الحاجة .
(قدرته نافذة) استئناف بياني ؛ أي في كلّ ما شاء ، (فليس يحتاج) إلى (أن يسمّي نفسه) فيطلب منه الحاجة .
(لم يعرف) بأنّه الربّ المدعوّ منه الحاجة .
(فأوّل ما اختاره لنفسه العليّ العظيم) أي من الأسماء اللفظيّة ، كما أنّ أوّل ما اختاره لخلقه منها «اللّه الرحمن الرحيم» وقد ذكر في الحديث الأوّل .
(فمعناه اللّه ) أي مدلول لفظة الجلالة .
وقرأ برهان الفضلاء : «ويُسمعها» على المعلوم من الإفعال ، يعني وهل يُسْمع نفسه الكلام اللفظي ، ثمّ قال :
«هو نفسه ، ونفسه هو» إبطال لمذهب الغلاة القائلين بالاتّحاد بين اللّه وبين الإمام ، ومذهب الصوفيّة القائلين باتّحاده تعالى مع كلّ شيء كالشمعة بتشكّلاته والبحر بأمواجه .
ونفوذ قدرته تعالى عبارة عن تجرّده ، إشارة إلى انحصار التجرّد فيه تعالى ، وتعلّق قدرته بكلّ شيء بلا وجوب توسّط مجرّد فيما بينه وسائر مخلوقاته ، فإبطال لمذهب الفلاسفة والصوفيّة التابعين لهم في هذا الأصل أيضا ، وهو أصل من اُصول الكفر .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«قلت يراها ويسمعها» لمّا زعم السائل أنّ المعرفة بالإدراك الجزئي كالرؤية والاسم الخاصّ ، وأنّ الخلق بذكر اسمه سبحانه ، فإذا كان عارفا بنفسه قبل الخلق كان يرى نفسه قبل الخلق ، وإذا كان عارفا بنفسه قبل الخلق وكان خلقه بذكر اسمه كان يسمّي نفسه قبل الخلق ويسمعها بذكر اسمه ، سأله عمّا كان يزعمه بقوله : «يراها ويسمعها» . ولا يبعد أن يكون مكان «يسمعها» «يسمّيها» وإن لم يوجد في النسخ التي وصلت إلينا .
فأجاب عليه السلام بقوله : «ما كان محتاجا إلى ذلك» لعدم المغايرة بين المدرك والمدرك ، والرؤية تقتضي المغايرة بينهما وهو نافذ القدرة لا يحتاج إلى أن يسمّى نفسه وأن يستعين بالاسم . ۱
«فأوّل ما اختاره لنفسه العليّ العظيم» أي هذا الاسم أحقّ الأسماء كلّها بأن يختار له سبحانه ، أو أنّه من الأسماء الثلاثة الظاهرة ، وأوّليّته بالنسبة إلى غيرها من الأسماء ؛ لأنّه من نسب الأسماء الثلاثة ، أو أنّه أوّل الثلاثة في الترتيب إن قدّر ولوحظ ترتيب بينها ، فإذن يكون أوّل بالنسبة إلى الكلّ .
«لأنّه أعلى الأشياء» أي جميع الأشياء حتّى الأسماء ، فهو أحقّ الأسماء بالتعبير عنه سبحانه ، أو أوّل الأسماء النسبيّة ومقدّم عليها ، أو أوّل جميع الأسماء ومقدّم على ما سواه .
«فمعناه اللّه » أي ذاته المقصود بالاسم «اللّه » . وفيه دلالة على أنّ «اللّه » اسم بإزاء الذات لا باعتبار صفة من الصفات .
«واسمه العليّ العظيم» أي هذا الاسم «هو أوّل أسمائه» التي باعتبار الصفات والنسب إلى الغير . ۲