هديّة :
في كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله عن الحسن بن محمّد ، عن خالد بن يزيد . ۱
 في بعض النسخ : «اسم اللّه غيره» بالضمير مكان لفظة الجلالة ، يعني اسمه اللفظيّ والنفسيّ . 
 (وكلّ شيء) في الخارج (وقع عليه اسم شيء) أي اسم من الأسماء ، أو اسم الشيئيّة ، فالغرض صحّة الإطلاق بأنّه تعالى شيء كما مرّ بابه . 
 أو المراد من «الاسم» الاسم النفسيّ ، ومن «الشيء» الاسم اللّفظي ، فالمعنى أنّ كلّ موجود يمكن أن يطابقه مفهومه ما خلا اللّه . فالغرض بيان وجه من وجوه المباينة الكلّيّة بين الخالق والمخلوق . 
 (فأمّا ما عبرته الألسن) بالتخفيف ، من العبارة . يقال : عبرت الرؤيا عبارةً ، كنصر : فسّرتها . قال اللّه تعالى في سورة يوسف : «إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ»۲ . 
 (أو عملت الأيدي) يعني الأسماء المكتوبة . 
 (فهو مخلوق) أي باتّفاق من العقلاء . 
 (واللّه غاية من غاياته) أو «من غايات» كما في بعض النسخ ، يعني والمفهوم من «اللّه » في الأذهان مفهوم من مفهوماته بأسمائه اللفظيّة فيها ، فمحصور متناه ذو غاية . 
 و(المغيّا) يعني وذو الغاية (غير الغاية) قطعا، (والغاية موصوفة) محدودة، (وكلّ موصوف) محدودٍ (مصنوع) والصانع غير موصوف محدود بحدّ معيّن . 
 (بصنع غيره) متعلّق ب«الكينونيّة» . 
 (لا يذلّ) بالذال المعجمة على المعلوم من باب فرّ . وفي بعض النسخ : «لا يزلّ» بالزاي على المعلوم أيضا منه . 
 (وهو التوحيد الخالص) ناظر إلى نفي الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه . 
 (بحجاب أو بصورة أو بمثال) ردّ على طوائف من أهل الشرك لا سيّما الصوفيّة القدريّة . 
 وقد مضى بيان «من عرف اللّه باللّه » . 
 (ليس بين الخالق والمخلوق شيء) استئناف بيانيّ ، وناظر إلى حديث «هو خلو من خلقه ، وخلقه خلوّ منه» . ۳ أي شيء مشترك . 
 (لا من شيء كان) ردّ على طوائف من أهل الشرك أيضا . 
 وقال الفاضل الإسترابادي : 
 الظاهر «عن خالد» كما في كتاب التوحيد . 
 «اسم اللّه غيره» سيجيء في باب ما اُعطي الأئمّة من اسم اللّه الأعظم ما ينفع ذلك . 
 «فأمّا ما عبرته» إشارة إلى اللّفظ وإلى النقش . ومعنى «عبرته» جعلته عبارة . 
 «واللّه غاية من غاياته» أي لفظ اللّه اسم من أسمائه . و«المعنى» بالمهملة والنون «غير الغاية» أي المعنى غير اللّفظ . 
 «والغاية موصوفة» أي الاسم موصوفة ، أي يجوز تحديدها ، أي تعريفها بأن يقال : كيفيّة عارضة للهواء معتمدة على المخارج . 
 «مسمّى لم يتكوّن» خبر بعد خبر . 
 «ولم تتناه» على لفظ الخطاب ، يعني أنّه لم يبلغ ذهنك إلى اسم إلّا كان ذلك الاسم غيره تعالى . ۴
 وقال برهان الفضلاء : 
 «اسم اللّه غيره» يعني ليس اسم من أسمائه مفهوما عَلَميّا كما توهّم جمع أنّ «اللّه » عَلَمَ ، وآخرون أنّ «الرّحمن» أيضا عَلَم . 
 «وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء» بمعنى أنّه موجود في نفسه ، في الخارج أو في الذهن ، جوهرا كان أو عرضا، فهو حادث بالتدبير . 
 «ما خلا اللّه » يعني ليس اسم من أسمائه قديما ، فردّ على الأشاعرة القائلين بأنّ سبعة من أسمائه . ۵ وقد ذكرت في بيان الأوّل : كلّ منها موجود في نفسه في الخارج ، قديم بكلا وجوديه : وجوده في نفسه ، ووجوده الرابطي ، وقائم بذاته تعالى «فهو مخلوق» ثانيا، أي بلا نزاع فيه لأحد . 
 «فأمّا ما عبرته الألسن» من العبور من باب نصر كما من النهر بالتدريج . والمراد عبور اللسان من اللفظ حرفا حرفا . 
 ولمّا بيّن أنّه ليس اسم من أسمائه تعالى عَلَما شخصيّا له ، وكان أكثر التوهّم في لفظ «اللّه » صرّح بخصوصه ليرتفع الاشتباه . 
 و«الغاية» بمعنى العلامة ؛ فإنّ غاية العسكر وعلامته بمعنى ، يعني ولفظة «اللّه » علامة من علاماته تعالى . 
 «والمعنى غير الغاية» بالعين المهملة والنون ؛ بمعنى المقصد أو المقصود ، يعني والذي يتصوّر بتلك العلامة فهو غير تلك العلامة ؛ لأنّ العلامة متصوّرة بالكنه فحادثة مدبّرة لغيرها ، والمدبّر للأشياء لا يتصوّر بالكنه بل بالوجه فقط . 
 «من فهم هذا الحكم» أي الحكمة . 
 وقال بعض المعاصرين : 
 «واللّه غاية من غاياته» أي المفهوم من اسم اللّه حدّ من حدود ما عبرتْه الألسن ، أو عملتْه الأيدي ينتهيان إليه ، وهما غير المفهوم منهما ، والمفهوم منهما موصوف بهما فمصنوع يصفه الواصف في ذهنه . ۶
 وقال السيّد الأجلّ النائيني : 
 «اسم اللّه غيره» أي اسم اللّه تعالى غير ذاته الذي هو المسمّى بالاسم . 
 «وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء» يُقال له : إنّه اسم شيء «فهو مخلوق» غير اللّه وما خلاه . 
 وقوله : «ما خلا اللّه » إمّا استثناء من المبتدأ ، أو خبر بعد خبر ، أو صفة للخبر . ولمّا كان مظنّة أن يتوهّم من قوله : «ما خلا اللّه » أنّ اللّه غير مخلوق ولو بلفظه أو نقشه ، دفعه بقوله : «فأمّا ما عبرته الألسن» وجعلته عبارة «أو عملت الأيدي» أي اللّفظ أو النقش «فهو مخلوق» . 
 «واللّه عانة من عاناه» يحتمل أن يكون لفظ «اللّه » موردا على سبيل القسم . 
 و«عانة من عاناه» خبر لقوله : «هو» أو خبر مبتدأ محذوف . وتقدير الكلام: فهو مخلوق واللّه هو عانة من عاناه . 
 ويحتمل أن يكون «اللّه » مبتدأ ، ويكون المراد به الاسم ، و«عانة من عاناه» خبره ، فالمعنى وهو أو الاسم ملابس مَنْ لابسه ومباشر مَنْ باشره . 
 وفي النهاية الأثيريّة : معاناة الشيء : ملابسته ومباشرته . ۷
 أو مهمّ من اهتمّ به . وفي النهاية : عنيتُ به فأنا عانٍ ، أي اهتممت به واشتغلت . ۸
 أو هو أسير من أسره وذليل من أذلّه . وفي النهاية : العاني الأسير . وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان . ۹
 أو هو محبوس من حبسه . وفي النهاية : وعنّوا بالأصوات ، أي احبسوها واخفوها . ۱۰
 «والمعنى غير العانة» أي المقصود بالاسم المتوسّل به إليه غير العانة ؛ أي غير ما تتصوّره وتفعله . 
 «والعانة موصوفة» أي كلّ ما تتصوّره أو تفعله فتلابسه أو تسخّره أو تهتمّ به، أو هو ذليل مخلوق مأسور موصوف بصفات الممكن وتوابع الإمكان، «وكلّ موصوف بها مصنوع» . 
 والمحفوظ في النسخ التي رأيناها «غاية من غايات» بالغين المعجمة فيهما ، ويفسّر بأنّ اسم اللّه غاية من غايات ، أي اسم من أسمائه تعالى ، ولكن في أكثر ما رأيناه من النسخ العتيقة وقع إصلاح في لفظ «غايات» حيث كانت مكتوبة بالهاء المدوّرة، فحُكّت وأصلحت وكُتبت بالتاء المستطيلة . 
 و«العانة» أصله عانية حذفت الياء كما حذفت عن العاني في حديث المقدام: «الخال وارث من لا وارث له، يفكُّ عانه» . ۱۱
 وفي النهاية : أي عانيه ، فحذفت الياء . ۱۲
 وأمّا «التاء» في «العانة» فإذا جعل خبرا لقوله : «هو» يكون للمبالغة ، وفي غيره يحتمل المبالغة والتأنيث . 
 «لا يذلّ من فهم هذا الحكم أبدا» أي لا يذلّ ذلّ الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه . 
 «وهو» أي سلب جميع ما يغايره عنه «التوحيد الخالص» . 
 «فارعوه» من الرعاية . وفي بعض النسخ : «فاوعوه» بالواو ، أي فاحفظوه . وفي بعضها بالدال ، أي كونوا مدّعين له مصدّقين به . والمعاني فيها متقاربة . ۱۳
 
                        1.التوحيد ، ص ۱۹۲ ، باب ۲۹ ، ح ۶ . وفيه «عليّ بن الحسن بن محمّد» .
2.يوسف (۱۲) : ۴۳ .
3.تقدّم في باب إطلاق القول بأنّه شيء .
4.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۲۰ .
5.كذا في النسخ التي بأيدينا .
6.الوافي ، ج ۱ ، ص ۴۶۸ ، بتفاوت يسير .
7.النهاية لابن الأثير ، ج ۳ ، ص ۵۹۸ (عنا) .
8.المصدر .
9.المصدر .
10.المصدر .
11.سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۱۳۸ ، ح ۲۹۰۱ ؛ سنن البيهقي ، ج ۶ ، ص ۲۴۳ ، ح ۱۲۱۷۹ .
12.النهاية لابن الأثير ، ص ۵۹۸ .
13.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۸۱ ـ ۳۸۴ ، بتفاوت يسير .