الحديث الثاني
۰.روى في الكافي وقال : عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«اعْلَمْ ـ عَلَّمَكَ اللّه ُ الْخَيْرَ ـ أَنَّ اللّه َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ قَدِيمٌ ، وَالْقِديمُ ۱ صِفَتُهُ الَّتِي دَلَّتِ الْعَاقِلَ عَلى أَنَّهُ لَا شَيْءَ قَبْلَهُ ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ فِي دَيْمُومِيَّتِهِ ، فَقَدْ بَانَ لَنَا بِإِقْرَارِ الْعَامَّةِ مُعْجِزَةَ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ قَبْلَ اللّه ِ ، وَلَا شَيْءَ مَعَ اللّه ِ فِي بَقَائِهِ ، وبَطَلَ ۲ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ ؛ وَذلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ فِي بَقَائِهِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ خَالِقا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقا لِمَنْ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ؟! وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ ، كَانَ الْأَوَّلَ ذلِكَ الشَّيْءُ ، لَا هذَا ، وَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلى بِأَنْ يَكُونَ خَالِقا لِلثَّانِي . ۳
ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ بِأَسْمَاءٍ دَعَا الْخَلْقَ ـ إِذْ خَلَقَهُمْ وَتَعَبَّدَهُمْ وَابْتَلَاهُمْ ـ إِلى أَنْ يَدْعُوهُ بِهَا ، فَسَمّى نَفْسَهُ سَمِيعا ، بَصِيرا ، قَادِرا ، قَائِما ، نَاطِقا ، ظَاهِرا ، بَاطِنا ، لَطِيفا ، خَبِيرا ، قَوِيّا ، عَزِيزا ، حَكِيما ، حليما ، ۴ عَلِيما ، وَمَا أَشْبَهَ هذِهِ الْأَسْمَاءَ . فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْغَالُونَ ۵ الْمُكَذِّبُونَ ـ وَقَدْ سَمِعُونَا نُحَدِّثُ عَنِ اللّه ِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِثْلُهُ ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْخَلْقِ فِي حَالِهِ ـ قَالُوا : أَخْبِرُونَا ـ إِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا مِثْلَ لِلّهِ وَلَا شِبْهَ لَهُ ـ كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنى ، فَتَسَمَّيْتُمْ بِجَمِيعِهَا؟! فَإِنَّ ذلِكَ ۶ دَلِيلاً عَلى أَنَّكُمْ مِثْلُهُ فِي حَالَاتِهِ كُلِّهَا ، أَوْ بَعْضِهَا ۷ دُونَ بَعْضٍ ؛ إِذْ جَمَعَتْكُم ۸ الْأَسْمَاءَ الطَّيِّبَةَ . قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللّه َ تَعَالى أَلْزَمَ الْعِبَادَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي ؛ وَذلِكَ كَمَا يَجْمَعُ الِاسْمُ الْوَاحِدُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَالدَّلِيلُ عَلى ذلِكَ قَوْلُ النَّاسِ الْجَائِزُ عِنْدَهُمُ الشَّائِعُ ، وَهُوَ الَّذِي خَاطَبَ اللّه ُ بِهِ الْخَلْقَ ، فَكَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً فِي تَضْيِيعِ مَا ضَيَّعُوا ؛ فَقَدْ يُقَالُ لِلرَّجُلِ : كَلْبٌ ، وَحِمَارٌ ، وَثَوْرٌ ، وَسُكَّرَةٌ ، وَعَلْقَمَةٌ ، وَأَسَدٌ ، كُلُّ ذلِكَ عَلى خِلَافِهِ وَحَالَاتِهِ ، لَمْ تَقَعِ الْأَسَامِي عَلى مَعَانِيهَا الَّتِي كَانَتْ بُنِيَتْ عَلَيْه ؛ ۹ لِأَنَّ الْاءِنْسَانَ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلَا كَلْبٍ ، فَافْهَمْ ذلِكَ رَحِمَكَ اللّه ُ . وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه ُ بِالْعِلْمِ لِغَيْرِ ۱۰ عِلْمٍ حَادِثٍ عَلِمَ بِهِ الْأَشْيَاءَ ، و ۱۱ اسْتَعَانَ بِهِ عَلى حِفْظِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِهِ ، وَالرَّوِيَّةِ فِيمَا يَخْلُقُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَيُفْسِدُ مَا مَضى بِما ۱۲ أَفْنى مِنْ خَلْقِهِ ، مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ذلِكَ الْعِلْمُ وَيَعِينُهُ ۱۳ كَانَ جَاهِلاً ضَعِيفا ، كَمَا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا عُلَمَاءَ الْخَلْقِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْعِلْمِ لِعِلْمٍ حَادِثٍ ؛ إِذْ كَانُوا فِيهِ جَهَلَةً ، وَرُبَّمَا فَارَقَهُمُ الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ ، فَعَادُوا إِلَى الْجَهْلِ .
وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه ُ عَالِما ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُ شَيْئا ، فَقَدْ جَمَعَ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ اسْمُ الْعَالِمِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى عَلى مَا رَأَيْتَ . وَسُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعا لَا بِخَرْتٍ فِيهِ يَسْمَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَلَا يُبْصِرُ بِهِ ، كَمَا أَنَّ خَرْتَنَا ـ الَّذِي بِهِ نَسْمَعُ ـ لَا نَقْوى بِهِ عَلَى الْبَصَرِ ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ ، لَيْسَ عَلى حَدِّ مَا سُمِّينَا نَحْنُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ بِالسَّمْعِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهكَذَا الْبَصَرُ لَا بِخَرْتٍ مِنْهُ أَبْصَرَ ، كَمَا أَنَّا نُبْصِرُ بِخَرْتٍ مِنَّا لَا نَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ ، وَلكِنَّ اللّه َ بَصِيرٌ لَا يَحْتَمِلُ شَخْصا مَنْظُورا إِلَيْهِ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهُوَ قَائِمٌ لَيْسَ عَلى مَعْنَى انْتِصَابٍ وَقِيَامٍ عَلى سَاقٍ فِي كَبَدٍ كَمَا قَامَتِ الْأَشْيَاءُ ، وَلكِنْ «قَائِمٌ» يُخْبِرُ أَنَّهُ حَافِظٌ ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : الْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فُلَانٌ ، وَاللّه ُ هُوَ الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، وَالْقَائِمُ أَيْضا فِي كَلَامِ النَّاسِ : الْبَاقِي ؛ وَالْقَائِمُ أَيْضا يُخْبِرُ عَنِ الْكِفَايَةِ ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : قُمْ بِأَمْرِ بَنِي فُلَانٍ ، أَيِ اكْفِهِمْ ، وَالْقَائِمُ مِنَّا قَائِمٌ عَلى سَاقٍ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ وَلَمْ يَجْمَعِ ۱۴ الْمَعْنى .
وَأَمَّا اللَّطِيفُ ، فَلَيْسَ عَلى قِلَّةٍ وَقَضَافَةٍ وَصِغَرٍ ، وَلكِنْ ذلِكَ عَلَى النَّفَاذِ فِي الْأَشْيَاءِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُدْرَكَ ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : لَطُفَ عَنِّي هذَا الْأَمْرُ ، وَلَطُفَ فُلَانٌ فِي مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ ، يُخْبِرُكَ أَنَّهُ غَمَضَ فِيهِ الْعَقْلُ وَفَاتَ الطَّلَبُ ، وَعَادَ مُتَعَمِّقا مُتَلَطِّفا لَا يُدْرِكُهُ الْوَهْمُ ، فَكَذلِكَ لَطُفَ اللّه ُ تَعَالى عَنْ أَنْ يُدْرَكَ بِحَدٍّ ، أَوْ يُحَدَّ بِوَصْفٍ ؛ وَاللَّطَافَةُ مِنَّا : الصِّغَرُ وَالْقِلَّةُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى .
وَأَمَّا الْخَبِيرُ ، فَالَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَفُوتُهُ ، لَيْسَ لِلتَّجْرِبَةِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ بِالْأَشْيَاءِ ، فَعِنْدَ التَّجْرِبَةِ وَالِاعْتِبَارِ عِلْمَانِ وَلَوْ لَا هُمَا مَا عُلِمَ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ ، كَانَ جَاهِلاً وَاللّه ُ لَمْ يَزَلْ خَبِيرا بِمَا يَخْلُقُ ، وَالْخَبِيرُ مِنَ النَّاسِ : الْمُسْتَخْبِرُ عَنْ جَهْلٍ ، الْمُتَعَلِّمُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى .
وَأَمَّا الظَّاهِرُ ، فَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلَا الْأَشْيَاءَ بِرُكُوبٍ فَوْقَهَا ، وَقُعُودٍ عَلَيْهَا ، وَتَسَنُّمٍ لِذُرَاهَا ، وَلكِنْ ذلِكَ لِقَهْرِهِ وَلِغَلَبَتِهِ الْأَشْيَاءَ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : ظَهَرْتُ عَلى أَعْدَائِي ، وَأَظْهَرَنِي اللّه ُ عَلى خَصْمِي ، يُخْبِرُ عَنِ الْفَلْجِ وَالْغَلَبَةِ ، فَهكَذَا ظُهُورُ اللّه ِ عَلَى الْأَشْيَاءِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ ظَّاهِرُ ۱۵ لِمَنْ أَرَادَهُ وَلَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِكُلِّ مَا يُرى ، ۱۶ فَأَيُّ ظَاهِرٍ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنَ اللّه ِ تَعَالى؟ لِأَنَّكَ لَا تَعْدَمُ صَنْعَتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ ، وَفِيكَ مِنْ آثَارِهِ مَا يُغْنِيكَ ، وَالظَّاهِرُ مِنَّا : الْبَارِزُ بِنَفْسِهِ ، وَالْمَعْلُومُ بِحَدِّهِ ، فَقَدْ جَمَعَنَا الِاسْمُ وَلَمْ يَجْمَعْنَا الْمَعْنى .
وَأَمَّا الْبَاطِنُ ، فَلَيْسَ عَلى مَعْنَى الِاسْتِبْطَانِ فِي الْأَشْيَاءِ ۱۷ بِأَنْ يَغُورَ فِيهَا ، وَلكِنْ ذلِكَ مِنْهُ عَلَى اسْتِبْطَانِهِ لِلْأَشْيَاءِ عِلْما وَحِفْظا وَتَدْبِيرا ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَبْطَنْتُهُ : يَعْنِي خَبَرْتُهُ وَعَلِمْتُ مَكْتُومَ سِرِّهِ ، وَالْبَاطِنُ مِنَّا : الْغَائِبُ فِي الشَّيْءِ ، الْمُسْتَتِرُ ، وَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى .
وَأَمَّا الْقَاهِرُ ، فَلَيْسَ عَلى مَعْنى عِلَاجٍ وَتَصَلُّبٍ ۱۸
وَاحْتِيَالٍ وَمُدَارَاةٍ وَمَكْرٍ ، كَمَا يَقْهَرُ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَالْمَقْهُورُ مِنْهُمْ يَعُودُ قَاهِرا ، وَالْقَاهِرُ يَعُودُ مَقْهُورا ، وَلكِنْ ذلِكَ مِنَ اللّه ِ تَعَالى عَلى أَنَّ جَمِيعَ مَا خَلَقَ مُلَبَّسٌ بِهِ الذُّلُّ لِفَاعِلِهِ ، وَقِلَّةُ الِامْتِنَاعِ لِمَا أَرَادَ بِهِ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ : «كُنْ» فَيَكُونُ ، وَالْقَاهِرُ مِنَّا عَلى مَا ذَكَرْتُ وَوَصَفْتُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهكَذَا جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَسْتَجْمِعْهَا كُلَّهَا ، فَقَدْ يَكْتَفِي الِاعْتِبَارُ بِمَا أَلْقَيْنَا إِلَيْكَ ، وَاللّه ُ عَوْنُكَ وَعَوْنُنَا فِي إِرْشَادِنَا وَتَوْفِيقِنَا» .
1.في حاشية «ج» والكافي المطبوع : «والقِدَم» .
2.في الكافي المطبوع : «بطل» بدون الواو .
3.في المخطوطات : «للأوّل» . وقال في هامش الكافي المطبوع بعد ضبطه «للثاني» : «هكذا في «ف» وهو الصحيح . وفي سائر النسخ والمطبوع : «للأوّل» . والمراد به الأوّل المفروض أوّلاً . وفي التوحيد : «خالقا للأوّل الثاني» .
4.في الكافي المطبوع : - «حليما» .
5.كذا في حاشية «الف» والكافي المطبوع . وفي المخطوطات : «القالون» .
6.في الكافي المطبوع : «في ذلك» .
7.في الكافي المطبوع : «في بعضها» .
8.في الكافي المطبوع وحاشية «ج»: «جمعتم».
9.في الكافي المطبوع : «عليها» .
10.في الكافي المطبوع : «بغير» .
11.في الكافي المطبوع : - «و» .
12.في الكافي المطبوع: «ممّا».
13.في الكافي المطبوع : «يغيبه» .
14.في الكافي المطبوع : «لم نجمع» .
15.في الكافي المطبوع : «الظاهر» .
16.في الكافي المطبوع: «برأ».
17.في الكافي المطبوع : «للأشياء» . وفي حاشية «ب» : «بالأشياء» .
18.في الكافي المطبوع : «ونَصَبٍ» .