39
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الحديث السادس

۰.روى في الكافي، بإسناده عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ۱، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كَفى لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِخَلْقِ الرَّبِّ الْمُسَخِّرِ ، وَمُلْكِ الرَّبِّ الْقَاهِرِ ، وَجَلَالِ الرَّبِّ الظَّاهِرِ ، وَنُورِ الرَّبِّ الْبَاهِرِ ، وَبُرْهَانِ الرَّبِّ الصَّادِقِ ، وَمَا أَنْطَقَ بِهِ أَلْسُنَ الْعِبَادِ ، وَمَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ ، وَمَا أَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ ، دَلِيلاً عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ» .

هديّة :

(الزهري) كهذلي : نسبةٌ إلى زهرة . وزهرة بن كلاب : أبو حيّ من قريش . وبنو زهرة : جماعة من الشيعة بحلب .
«الباء» في (بخلق الربّ) كما في «وَكَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا»۲ .
قال في القاموس : وتكون زيادة واجبة ، كأحسن بزيدٍ ، أي أحسن زيد ، أي صار ذا حسن . وهي في فاعل كفى : ك «كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» . ۳
و(المسخّر) على اسم الفاعل من التفعيل . واحتمال اسم المفعول منه حتّى تكون الأوصاف كلّها للمضاف ـ كما قيل ـ ليس بشيء ، فغير الأوّل كذلك ؛ أي بمخلوقاته وهو مسخّر لها وبسلطنته إلى آخر الحديث . يعني كفى لذوي العقول دليلاً على توحيد ربّ العالمين بالتدبير المبين في الصنع المتين كلّ واحد من هذه الثمان من الحجج القاطعة والبراهين الساطعة القاصمة ظهور ۴ الزنادقة من الفلاسفة وأهل التناسخ والثنويّة والدهريّة والقدريّة ، ومن مذاهبهم حدوث الأفاعيل والآثار باللزوم والإيجاب واقتضاء الطبائع والاتّفاق .
أمّا الحجّة الاُولى : فإنّا رأينا وثبت أنّ العالم مسخّر بجميع نظامه من المركز إلى المحدّب في الحركات ، والسكنات ، والتحيّز ، ومقتضى الطبائع والإرادات ، فلا الرّبع المسكون يمكنه عدم الانكشاف بمقتضى الطبيعتين ، ولا الهواء في الجوّ يمكنه السكون إذا كان مقتضى طبيعته ذلك ، ولا التحرّك بنهج واحد وقدر مضبوط ووقت خاصّ كذلك ، ولا السحاب المسخّر بين السماء والأرض يمكنه السقوط على الأرض حين تثاقله جدّا . وأظهر من الشمس، أنّ الشمس لم يتحيّز بمقتضى طبعها في الفلك الرابع في ذلك الحيّز الخاصّ منه ، وكذا القمر في السماء الدنيا . وفوائد وضع المنطقتين في نظام المشارق والمغارب ، واختلاف الأيّام ، وليالي الدّهور ، وفصول السنين ، وأهلّة الشهور، وغير ذلك من الآثار الظاهرة والآيات الباهرة، بنظم واحد متّسق، ونسق خاصّ متّفق، علمنا وثبت أنّ القاهر لجميع هذه المدبّرات المسخّرات ربٌّ قديم واحد ؛ لوجوب الغلبة بالربوبيّة ، والتغاير بالخالقيّة ، وبطلان التعدّد عقلاً وجمعا .
وأمّا الحجّة الثانية : فيبنى نظامها على الملك والسلطنة ، بأنّه ليس بدّ في مثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم، من ملك قادر وسلطان قاهر؛ لتخصيص كلّ جرم من الأجرام العلويّة بوضع خاصّ وحيّز مخصوص ، وكلّ قسم من الأجسام السفليّة بمحاذاة معيّنة ومكان معلوم مع اتّحاد الطبيعة في عامّة الأجزاء في غالب الأجرام ، كما في تمام بعض الأقسام في عامّة الأجسام .
والحجّة الثالثة : ينتظم نسقها على الجلالة والعظمة ، بأنّ جلالة الآثار الظاهرة وعظمة الآيات الباهرة بحيث لا تدرك الأوهام قدرها بالأنظار ، وتحيّرت عقول الفحول عند ملاحظتها بالأفكار ، دلالة ظاهرة على أنّها إنّما هي بتدبير عظيم من ملك عظيم قادر ، وتقدير جليل من سلطان جليل قاهر ، سبّوح عن العجز والنقصان ، قدّوس عن الحاجة إلى الأعوان . وقد ثبت عقلاً وسمعا ـ كما باختلاف المنظر في الهندسة ـ أنّ مقدار جرم الشمس ـ وهو يرى بالأنظار قدر وأحد من الأشبار ـ ثلاثمائة وستّون أضعاف كرة الأرض . فانظر إلى فلك القمر وسعته، وهو كحلقة في جيب الثاني ، والثاني كحلقة في جيب الثالث وهكذا ، فلو جلّلته عدّة من الشموس كما قد يجلّل لبنات من الذهب سقفا من السقوف يكون مقدار كلّ لَبِنَة من تلك اللّبنات ثلاثمائة وستّين أمثال تمام الأرض ، والأرض ربعها مكشوف، ونصف ربعها ـ لا بل نصف ثمنها تقريبا ـ سبعة أقاليم من خطّ الاستواء إلى عرض التسعين ، ومن الاُفق الغربي إلى الاُفق المبين ، فتبارك اللّه ربّ العالمين ، عظمت قدرته وجلّت عظمته .
والحجّة الرابعة : ينوّر برهانها بالنور الباهر الممتاز المتميّز به ، لا باقتضاء الطبيعة والإيجاب النور من النور والظلمة ، والظلمة من الظلمة والنور ، والحقّ من الباطل ، والصلاح من الفساد ، والإيمان من الكفر والضلال ، وهو نور الأنوار، وقد قال صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري»، ۵ و«أنا وعليّ من نور واحد» ۶ .
والحجّة الخامسة : يبرهن بالبرهان الصادق القرآن المجيد وقَيِّمَه الناطق .
والحجّة السادسة : يتنطّق بإحكام الصنع والتدبير في الإنسان، وإتقان الخلق والتقدير، وبتقدير في الأبدان ، من حالة العلقة إلى الصورة وتمام الخلقة . والعينان أوّلاً نقطتان في المضعة تدركان بالبصر أم لا ، ثمّ يصلان بصنع القدرة في طبقاتهما وجلدتيهما ـ كما ترى ـ إلى حيث يصل ، ويرى شعاع نورهما في لَمْحة هيئات النجوم وأشكال البروج في فلك البروج . وكذا الاُذنان أوّلاً ، ثمّ يصلان إلى حيث يسمعان الصوت الذي قد يصير بحركة الشفتين واللِّسان حروفا مبيّنة سائرة متدرّجة من مبدأ الفم على دُرَج تموّج الهواء إلى منتهى الصماخ . وكذا كلّ عضو من الأعضاء من الفرق إلى القدم بأفاعيله وخواصّه ، ثمّ مِنْ أوّل النشوء إلى أرذل العمر ، وما أنطق اللّه به اللّسان اُنمُوذَج من سائر الصنائع والتدابير في الأبدان . قال اللّه تبارك وتعالى في سورة المؤمنون : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاما فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْما ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ»۷ . والجميع في جميع الأحوال باختلافها ، وتمام الأوضاع بتغايرها مربوب محتاج في بقاء بنيان البدن وسلامته من الآفات إلى ربٍّ متّصفٍ بما رخّص العباد في الاعتقاد بأنّه متّصف به من الصفات . وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» . ۸
والأركان الأربعة لبيت المعرفة كما قال الصادق عليه السلام : «معرفة العبد ربّه ، ونفسه ، وأنّه لماذا خلقه ، وعدوّ دينه » ۹ . وظاهر أنّ جميع البيانات والكلمات التي صدرت وتصدر إلى آخر الدنيا من أهل المعارف الحقّة إنّما هو بيان لهذه الكلمات الأربع ، ولقد كفى بإيماننا بيانا كافيا لأهل الإيمان .
أمّا معرفة العبد ربّه ، فبما عرّفه به نفسه ، وأخبر به حججه المعصومون صلوات اللّه عليهم .
وأمّا معرفة العبد نفسه ، فبما أشرنا إليه من العلم بالنطفة وحالاتها وعجائب صنائع الربّ تعالى ، وغرائب تدابيره فيها .
وأمّا معرفة العبد أنّ خالقه لماذا خلقه ، فإيمانه بأنّه تبارك وتعالى إنّما خلقه للمعرفة والطاعة بطاعة مفترض الطاعة فيما أمر به ونهى عنه من العقائد والأعمال .
وأمّا معرفة العبد عدوّ دينه ، فبما أخبر به الحجج عليهم السلام من ذلك أنّ ذلك اللّعين الرئيس للشياطين عدوٌّ مبين غير مبين لأنظار الناظرين يجيء ببغضه وعداوته؛ لكي يضلّ بني آدم من جهات الستّ، وهم لا يرونه ولا يشعرون به، وله مجرى في الأبدان مجرى الدم في العروق ، وقد ينفذ الرئيس ـ وليس لهم سلطان على الذين آمنوا ـ في بدن رئيس من الصوفيّة وجماعة من أبالسته في طائفة من المريدين فيرقصون ويَرْقُصُونهم ، فتجدهم حالة المصروعين الذين يتخبّطهم الشيطان من المسّ ، وتحمرّ عيونهم وألوانهم ويجدون فيهم قوّةً وحالة لم تكن من قبل، ولا يشعرون أنّها من الشيطان ، بل يقطعون أنّهم شربوا شراب التوحيد واتّصلوا كالقطرة إلى بحر التجريد، وهم واصلون إلى جهنّم وبئس المصير . لا يرضى هؤلاء الملحدون ـ كما صرّح به ابن العربي في فتوحاته ـ بمنزلة الإمامة أو بمرتبة النبوّة، ويدّعون ما يدّعون. قال اللّه عزّ وجلّ في سورة يس : «أَوَلَمْ يَرَ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ»۱۰ .
والحجّة السابعة : تعجز الزنادقة بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة للحجج المعصومين الممتازين عن الجميع حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام ، وقد ضبط نسب موسى بن جعفر عليهماالسلام عند فحول العلماء وأهل التاريخ من المؤالف والمخالف في الأصلاب الطاهرة إلى هابيل بن آدم عليهماالسلام ، فأين نسب الثاني وهو شرّ الثلاثة ومعتمدهم ؟ نعم، ضبط بالاتّفاق أنّ امرأة واحدة كانت اُخته واُمّه وعمّته ، وأين نسب ابن العربي صاحب الفتوحات المكّيّة ، والبسطامي صاحب سبعين معراجا في ليلة من ليالي الجمعة ، والحلّاج وهو على معتقدهم صاحب الصور وآية «وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ»۱۱ في سورة القارعة! وهم لا يشعرون أنّ حلّاجهم صار محلوجا من قبل في أي جهنّم من دركات النار ؟ وأين نسب الرومي؟ وهو عندهم صاحب القرآن الفارسي ، وفي الدفتر الخامس من قرآنه : أنّ الشريعة بمنزلة الدّواء للمريض والإكسير لعمل الكيمياء وأنّ السالك يصل برياضته الكاملة إلى حيث يصحّ ويبرأ من الأمراض النفسانيّة ، فيصير صفره ذهب ، فينجو عن قيد الشريعة وأسْرها ، حلالها وحرامها ، فيحلّ له ما كان حراما من شرب الخمر ونكاح الاُمّ والبنت والاُخت ونحو ذلك ۱۲ ، كما في شرع المجوس ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» ۱۳ . فاعرف عدوّ دينك واستعذ باللّه من الشيطان الرجيم ، وتوكّل على العزيز الرحيم .
والحجّة الثامنة : كما تعاقب الملاحدة بتعاقب العقوبات النازلة العاجلة وتتابع الآفات المتواترة الشاملة على أهل العناد من العباد ، كأصحاب الفيل ، وقوم ثمود ، وعاد ، وآل فرعون ذي الأوتاد، تعذّبهم بالكتب النازلة ، والآيات الكاملة في كلّ دهرٍ وزمان إلى قيام القيامة بظهور القائم صاحب هذا العصر والزمان صلوات اللّه عليه .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن البرقي ، عن أبيه ، عن عليّ بن النُعمان ، عن ابن مسكان» .

2.النساء (۴) : ۷۹ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۴۸۰ (الباء) .

4.جمع «ظَهْر» .

5.عوالي اللآلي ، ج ۴ ، ص ۱۰۰ ، ح ۱۴۰ ؛ وعنه في البحار ، ج۱ ، ص ۹۷ ، ح ۷ .

6.الخصال ، ص ۳۱ ، ح ۱۰۸ ؛ وعنه في البحار ، ج ۳۵ ، ص ۳۴ ، ح ۳۳ .

7.المؤمنون (۲۳) : ۱۲ ـ ۱۶ .

8.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ح ۲۰ ، ص ۲۹۲ ، ح ۳۳۹ . ورواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في البحار ، ج ۲ ، ص ۳۲ ، ح ۲۲ .

9.لم نعثر عليه.

10.يس (۳۶) : ۷۷ .

11.القارعة (۱۰۱) : ۵ .

12.إشارة إلى ما قاله المّلا الرومي في مقدمة الدفتر الخامس من المثنوي ، وما قاله المصنّف هنا وفهم من كلام الملّا الرومي غير صحيح . راجع المثنوى ، ص ۷۲۶ .

13.عوالي اللآلي ، ج ۱ ، ص ۱۶۶ ، ح ۱۷۵ ؛ جامع الأخبار ، ص ۱۶۱ ، الفصل ۱۲۶ ؛ وعنهما في المستدرك ، ج ۱۲ ، ص ۳۱۷ ، ح ۱۴۱۹۰ ؛ و ج ۱۸ ، ص ۱۸۵ ، ح ۲۲۴۵۷ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
38
  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 99463
صفحه از 508
پرینت  ارسال به