الحديث الثاني
۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى؟ قَالَ : «نَعَمْ» . قُلْتُ : وَأَحَبَّ؟ قَالَ : «لَا» . قُلْتُ : وَكَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى وَلَمْ يُحِبَّ؟! قَالَ : «هكَذَا خَرَجَ إِلَيْنَا» .
هديّة :
(شاء ) أي في أفعال العباد أو مطلقا ، ف«نعم» أي مطلقا ، و(لا) أي لا مطلقا ، بل أحبّ ورضى إذا أمر ، وأبغض وكره إذا نهى على ما مرّ بيانه آنفا .
(قلت : وكيف شاء) تقرير لشبهة مشهورة هي أنّه قد ثبت وجوب الرضا بالقضاء وعدم جواز الرضا بالكفر والمعاصي ؛ فإذا كان الكفر والمعاصي بالقضاء فكيف التوفيق؟ والجواب : أنّ القضاء لا منافاة بين تعلّقه بالخير لمن أحبّه ، ۲ وبين تعلّقه بالشرّ لمن أبغضه ، كما لا منافاة بين محبّته لمن أحبّه وبغضه لمن أبغضه .
ويعضد هذا الجواب أنّه لا منافاة بين الرضا بإجرائه تعالى الخير على يد من أحبّه والشرّ على يد مَنْ أبغضه ، وبين البغض لما أبغضه تعالى ، بل لا يتخلّف كلّ منهما عن الآخر في مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ؛ فإنّه لا يرضى بالقضاء إلّا ببغضه لما أبغضه اللّه ، ولا يبغض ما أبغضه اللّه إلّا برضاه بقضاء اللّه وكفّه عن قول : كيف ذا؟ وكيف ذا؟ ولِمَ أحبّ هذا؟ ولِمَ يحبّ هذا ، وحكمة إعراض الإمام عن تفصيل الجواب معه عليه السلام (هكذا خرج إلينا ) أي بالتحديث ، أو من الكتب الإلهيّة . وقيل : «لا» يعني لا دائما ؛ لمكان التوفيق للطاعة والخذلان للمعصية .
وقال برهان الفضلاء :
المراد من الجواب أنّ هذا النزاع ليس في المعنى ، والمذكور في الآيات القرآنية أنّ كلّ واقع حتّى المعصية إنّما هو بمشيّة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه ، قال اللّه عزّ وجلّ في سورة البقرة : «لَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا اقْتَتَلُوا»۳ ، وفي سورة هود : «وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللّه ُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ»۴ ، وفي سورة الدهر وسورة التكوير : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ»۵ . وأنّه سبحانه لا يحبّ المعصية ؛ قال اللّه تعالى في سورة النساء : «لَا يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ»۶ ، وفي البقرة : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»۷ .
وفي بعض النسخ ـ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله ـ : «هكذا اُخرج إلينا» على المجهول من الإفعال ، قال :
يعني هكذا نقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله ووصل منه إلينا .
ولمّا كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحةٍ والحكمةُ مقتضية لعدم بيانه للسائل اكتفى ببيان المأخذ النقلي عن التبيين العقلي .
ثمّ قال :
ولعلّ عدم المنافاة بين تعلّق الإرادة والمشيئة بشيئين ۸ وأن لا يحبّه ؛ لأنّ ۹ تعلّق المشيئة والإرادة بما لا يحبّه بتعلّقها ۱۰ بوقوع ما يتعلّق به إرادة العباد وبإرادتهم وترتّبه عليها ، فتعلّقهما بالذات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتّبها على إرادتهم ، وتعلّقهما بما هو مرادهم بالتّبع ، ولا بجبر ۱۱ في كون متعلّقهما بالتّبع شرّا غير محبوب له ؛ فإنّ دخول الشرّ وما لا يحبّه في متعلّق مشيّته وإرادته بالعرض جائز ، فلكلّ من تعلّق مشيّته وإرادته بخير وعلم لزوم شرّ له شرّيةً لا تقاوم خيريّته تعلّق ۱۲ بذلك الشرّ بالتّبع ، وذلك التعلّق بالتّبع لا ينافي أن يكون المريد خيّرا محضا ، ولا يكون شرّيرا ومحبّا للشرّ . ۱۳
أقول : أنت خبير بأنّ الغرض من ذكر بيانات جماعة من معظم الأصحاب معرفتك مقادير قوّة كلّ منهم في السباحة في بحار أحاديثهم عليهم السلام حيث لا يتجاوزون ـ وإن بالغوا في بذل الجهد لها ـ عن أداني سواحلها .
1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2.في «ب» و «ج» : «لمن أحبّه» .
3.البقرة(۲) : ۲۵۳ .
4.هود (۱۱) : ۳۴ .
5.الإنسان (۷۶) : ۳۰ ؛ التكوير (۸۱) : ۲۹ .
6.النساء (۴) : ۱۴۸ .
7.البقرة (۲) : ۲۲۲ .
8.في حاشية «ج» والمصدر : «بشيء» .
9.في هامش المصدر : قوله : «لأنّ» خبر «لعلّ» . وقوله : «وأن لايحبّه» عدلُ مدخول «بين» أي عدم المنافاة بين تعلّقهما بشيء وعدم حبّه لأجل هذا .
10.في المصدر : «بتعلّقهما» .
11.في المصدر : «لا حَجْر» مكان «ولا يجبر» .
12.في المصدر : «تعلّقتا» .
13.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۴۸۶ .