الحديث الثالث
۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنْ وَاصِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«أَمَرَ اللّه ُ وَلَمْ يَشَأْ ، وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ ؛ أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِادَمَ ، وَشَاءَ أَنْ لَا يَسْجُدَ ، وَلَوْ شَاءَ لَسَجَدَ ، ۲ وَنَهى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ ، وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ، وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ» .
هديّة :
قد سبق وحقّ أنّ شيئا لا يقع إلّا بمشيّته تعالى مأمورا به كان أو منهيّا عنه ، وأنّه سبحانه لا يأمر إلّا بالخير ولا ينهى إلّا عن الشرّ ، وأنّه لا يشاء إلّا أن يجري الخير على يد مَنْ يحبّه والشرّ على يد من لا يحبّه .
وسيجيء أنّ له تعالى إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، فلذا يأمر ولا يشاء ويشاء ولا يأمر ؛ يأمر بالخير مَنْ يحبّه ومن لا يحبّه . وقد لا يشاء أن يصدر ۳ عمّن لا يحبّه ؛ لعلمه الأزلي بأنّه مع قدرته على الفعل والترك يختار الترك ، وقد يشاء أن لا يصدر عمّن يحبّه ؛ لحكمةٍ ، كالعلم بالأصلح له ، كما في التالي من أنّه «أمر إبراهيم بذبح إسحاق ولم يشأ أن يفعل » . وسيجيء في الخامس : أنّه «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه» الشامل على ما يجري على يد العبد على خلاف ما يفعله باختياره لولا غلبة مشيئة اللّه ـ لحكمة ـ على مشيّته ، وهو من البداء قبل الإمضاء . وينهى عن الشرّ من يحبّه ومن لا يحبّه ، فقد يشاء صدور ما علم بعلمه الأزلي أنّ فاعله يختاره وقد لا يشاء لحكمةٍ ۴ كما مرّ .
والإشكال المتوهّم في المقام يدفع بأنّه سبحانه عَلِم بعلمه الأزلي أنّ بعض من يحبّه لا يفعل باختياره وتوفيق اللّه إلّا الخير ، وبعضه كذلك غالبا ؛ وأنّ من لا يحبّه لا يفعل باختياره وخذلان اللّه إلّا الشرّ أو غالبا . ومصداق الأوّل في الثاني مثل الكافر الذي يكون عمره بين إدراكه وموته قليلاً .
وصدور الخير دائما أو كثيرا عمّن يحبّه ۵ اللّه ، وكذا الشرّ عمّن لا يحبّه اللّه دلالة واضحة على قدرته سبحانه على الحيلولة بين العبد ومراده بالتوفيق أو الخذلان ، وعلى جعله العبد قادرا على الفعل والترك ، فلا جبر ؛ ولذا قد يتخلّف الخير عمّن يحبّه والشرّ عمّن لا يحبّه .
قال برهان الفضلاء في شرح هذا الحديث :
وذلك لأنّ مشيّته تبارك وتعالى يتعلّق بكلّ واقع حتّى بالمعاصي ، وأمره سبحانه لا يتعلّق إلّا بالطاعة تقع أم لا ، فلا تلازم بينهما .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
يعني أمر اللّه بشيء لم يشأه مشيئةً منجرّة إلى وقوعه ، وشاء مشيئةً منجرّةً إلى وقوع المُشاء ولو بالتّبع ، كما أمر إبليس بالسجود لآدم عليه السلام ولم يشأ أن يسجد ، بل شاء أن لا يسجد بالتّبع مشيئةً منجرّةً إلى الوقوع ، ولو شاء كذلك لسجد ، ونهى آدم عن أكل الشجرة ولم يشأ تركه بل شاء أن يأكل بالتّبع ، ولو لم يشأ لم يأكل . ۶
وقال بعض المعاصرين :
سرّ هذا الحديث أنّ للّه سبحانه بالنسبة إلى عباده أمرين : أمرا إراديّا إيجاديّا ، وأمرا تكليفيّا إيجابيّا .
والأوّل بلا واسطة الأنبياء عليهم السلام ولا يحتمل العصيان ، والمطلوب منه وقوع المأمور به ۷ ويوافق مشيّته تعالى طردا وعكسا لا يتخلّف عنها البتّة ، فيقع المأمور به لا محالة وإليه اُشير بقوله عزّ وجلّ : «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»۸ .
والثاني يكون بواسطة الأنبياء عليهم السلام ، والمطلوب منه قد يكون وقوع المأمور به فيوافق مشيّته تعالى ويقع المأمور به من غير معصية فيه ، كالأوامر التي كلّف اللّه بها الطائعين . وقد يكون نفس الأمر من دون وقوع المأمور به ؛ لحِكَم ومصالح يرجع إلى العباد ، فهذا الأمر الذي لا يوافق المشيئة ولا الإرادة ؛ يعني وما لم يشأ اللّه به وقوع المأمور به ولا إرادة ، وإن شاء الأمر به وأراد وأمر ؛ ولذلك لم يقع المأمور به . ۹ انتهى .
وفيه ـ بعد ما فيه من أنّ الأمر من غير طلب ليس بأمر ـ أنّ تحقيقه هذا لا يوافق سرّه تحقيق ۱۰ السابق في البداء في بابه ، على أنّ أمر إبليس بالسجود قبل بعث الأنبياء عليهم السلام .
1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد» .
2.في «ج» : «لسجدون» .
3.في «ب» و «ج» : «أن لا يصدر» .
4.في «ب» و «ج» : - «لحكمة» .
5.في «ب» و «ج» : «لا يحبّه» .
6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۴۸۷ .
7.في «ألف»: - «به».
8.النحل (۱۶) : ۴۰ .
9.الوافي ، ج ۱ ، ص ۵۲۲ .
10.في «ألف» : «تحقيقه» .