الحديث السادس
۰.روى في الكافي ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ البزنطي ،۱
قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام :«قَالَ اللّه ُ ـ تبارك وتعالى ـ : ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ لِنَفْسِكَ مَا تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ، جَعَلْتُكَ سَمِيعا بَصِيرا قَوِيّا «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه ِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» وَذَلكَ ۲ أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذَلكَ ۳ أَنَّنِي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» .
هديّة :
من بيّنات براهين ما بيّناه أوّلاً في هديّة سابقه .
في بعض النسخ : «ياابن آدم» بإثبات حرف النّداء .
(بمشيّتي) المراد هنا بالمشيئة : القدر المشترك بين المشيئة السابقة على الإرادة والإرادة ، أي بجعلي فيك القدرة على الفعل والترك ، وبإرادتي إجراء الخير أو خلافه على يدك بعلمي وحكمتي .
(أنت الذي تشاء لنفسك) باختيارك وقدرتك التي تحت قدرتي ومغلوبة لها ؛ لقدرتي على قلبها إن شئتُ بعلمي وحكمتي من كلّ واحد من طرفي الاختيار إلى الآخرَ ما تشاء من الخير وخلافه .
(وبقوّتي أدّيت فرائضي ) أي بقوّتي الغالبة على قوّتك عند صدور فعل عنك لا بالجبر ولا بالتفويض ، بل بأمرٍ بين الأمرين ، أو المعنى : وبخلقي القدرة فيك وتوفيقيلك على اختيارك فعل الحسنة . وهذا أنسب بالفقرة التالية .
في بعض النسخ : «فريضتي» مكان «فرائضي» .
(وبنعمتي قويت على معصيتي) أي وبكرامتي وخلقي فيك القدرة والقوّة والجوارح والآلات . وفسّر التكريم في قوله : «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ»۴ بإعطاء القدرة والاختيار . ۵
وهذه الفقرة توبيخيّة بدليل تاليها وهي تعليليّة .
(ما أصابك من حسنة ) أي باختيارك بتوفيق اللّه (فمن اللّه ) بعلمه وحكمته .(وما أصابك من سيّئة) باختيارك بخذلان اللّه (فمن نفسك) كذلك (وذلك أنّي) بفتح الهمزة تعليليّة ، أي ولذلك حسناتك بعلمي وحكمتي وتوفيقي منسوبة إلى رضائي ، وسيّئاتك بعلمي وحكمتي وخذلاني إيّاك منسوبة إليك وعدم رضائي بها .
وفي الصحيفة الكاملة السجّادية : «وإذا هممنا بهمّين يرضيك أحدهما عنّا ، ويسخطك الآخر علينا ، فَمِلْ بنا إلى ما يرضيك عنّا ، وأوهن قوّتنا عمّا يسخطك علينا ، ولا تُخَلّ في ذلك بين نفوسنا واختيارها ؛ فإنّها مختارة للباطل إلّا ما وفّقت ، أمّارةٌ بالسوء إلّا ما رحمت» . ۶
ولمّا كان وجه الرّضاء وعدمه المتعلّقين معا بحكمة الخذلان مع قدرته سبحانه ، على الحيلولة غير معلوم لنا ، قال عليه السلام : (وذلك أنّني لا اُسأل عمّا أفعل وهم يُسألون) .
قال برهان الفضلاء ما حاصله :
إنّ معصية العبد بمحض تمكين اللّه إيّاه عليها ، وأمّا طاعته فبانضمام تقويته سبحانه إيّاه عليها بالتمكين . ۷ وحاصله : أنّ الطاعة بالتوفيق والمعصية بالخذلان فإنّ كلّاً من المعصية والطاعة إنّما هو بأمر بين الأمرين .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«بمشيّتي » أي بالمشيئة التي خلقتها فيك وجعلتك ذا مشيئة ، ـ وهي من آثار مشيئة اللّه سبحانه ـ كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك على وفق هواها ما تشاء ، وبالقوّة التي خلقتها فيك ـ وهي من آثار قوّة اللّه ، ولعلّ المراد هنا القوّة العقلانيّة ـ أدّيت فريضتي ، وبنعتمي التي أنعمتها عليك من قدرتك على ما تشاء ، والقوى الشهوانيّة والغضبيّة ـ التي بها حفظ الأبدان والأنواع وصلاحها ـ قويت على معصيتي . ۸
«جعلتك سميعا بصيرا قويّا» . السمع باعتبار حمل القوّة على القوّة العقلانيّة ، والبصر ناظر إلى الفقرة الثانية ، والقوّة إلى الفقرة الثالثة .
«ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه » لأنّه من آثار ما اُفيض عليه من جانب اللّه . «وما أصابك من سيئة فمن نفسك» لأنّه من طغيانها هواه .
«وذلك أنّي أولى بحسناتك منك » بيان للفرق مع أنّ الكلّ مستند إليه ومُنْتهٍ به بالأخرة . وللعبد في الكلّ مدخل بالترتّب على مشيّته وقوّة ۹ العقلانيّة والنفسانيّة بأنّ ما يؤدّي إلى الحسنات منها أولى به سبحانه ؛ لأنّه من مقتضيات خيريّته سبحانه وآثاره الفائضة من ذلك الجناب بلا مدخليّة النفوس إلّا القابليّة لها . وما يؤدّي إلى السيّئات منها أولى بالأنفس ؛ لأنّها مناقص من آثار نفسها ۱۰ لا يستند إلّا إلى ما فيه منقصة .
«وذلك أنّني لا اُسأل عمّا أفعل وهُم يُسألون » بيان لكونه أولى بالحسنات بأنّ ما يصدر ويفاض من الخيّر المحض من الجهة الفائضة منه لا يسأل عنه ولا يؤاخذ به ؛ فإنّه لا مؤاخذة بالخير الصرف ، وما ينسب إلى الخيّر المحض ، ومن فيه شرّية ينبعث منه الشرّ يؤاخذ بالشرّ ، والشرور وإن كان من حيث وجودها منتسبة إلى خالقها فمن حيث شرّيتها منتسبة إلى منشئها وأسبابها القريبة المادّية . صدق اللّه العظيم . ۱۱ انتهى .
لو سأل السائل عن منقصة بيانه لا منقصة فيه سوى أنّه يُستشمّ من عدّة من فقراته أنّها كأنّها مبتنية على طائفة من اُصول الفلاسفة من الإيجاب وكون الآثار باقتضاء الطبائع ، وفي وجه وهو لا يسئل ما فيه .
1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2.في الكافي المطبوع : «ذاك» .
3.في الكافي المطبوع : «ذاك» .
4.الإسراء (۱۷) : ۷۰ .
5.راجع : مجمع البيان ، ج ۶ ، ص ۶۶۲ ، ذيل الآيه ۷۰ من الإسراء (۱۷) .
6.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۵۹ ـ ۶۰ ، الدعاء التاسع .
7.في «ألف» : «إلى التمكين» .
8.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۴۸۸ ـ ۴۸۹ .
9.في المصدر : «قواه» .
10.في المصدر : «نقصها» مكان «نفسها» .
11.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۴۸۸ ـ ۴۸۹ .