الحديث الثاني
۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ إِلَيْهِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ» .
هديّة :
أوّل الحديث ردّ على الأشاعرة ، وناظر إلى آية سورة الأعراف : «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللّه ُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّه َ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»۲ .
قال برهان الفضلاء :
فسّرت «الفاحشة» بالاقتداء بأئمّة الجور ، وفسّرت «الفحشاء» بالآراء الباطلة والعقايد الفاسدة والحكم بمقتضاهما .
وآخر الحديث ردّ على المعتزلة المفوّضة القائلين باستقلال العبد واستطاعته ، فضمير «إليه» الزاعم ، والظرف متعلّق بالتفويض تقديرا .
وعلى الصوفيّة القدريّة أيضا ، وهم قائلون بنسبة الخير والشرّ إلى ذات العبد بطلبه بلسان الاستعداد ما استعدّ له منهما .
ويحتمل أن يكون ضمير «إليه» له سبحانه ، فردّ على الأشاعرة أيضا ، وهم قائلون بأنّه تعالى كما هو خالقهما فاعلهما أيضا . وقد عرفت الفرق بين الخلق والفعل ، وأنّ العبد فاعل فعله بمدخليّة قدرته واختياره ، واللّه سبحانه خالق فعل العبد .
قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه اللّه تعالى :
«مَن زعم أنّ اللّه يأمر بالفحشاء» إشارة إلى فساد قول الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين ، وتجويز أن يأمر بما نهى عنه ممّا يحكم العقل بقبحه ، وأن يأمر بالسوء والفحشاء ؛ فإنّ إبطال حكم العقل فيما يحكم به بديهةً أو بالبرهان باطل ، والأمر القبيح قبيح ، ومن جوّز القبيح على اللّه فقد كذب عليه .
«ومن زعم أنّ الخير والشرّ إليه» إشارة إلى فساد قول المعتزلة من أنّ الخير والشرّ من أفعال العباد مفوّض إليهم ، وأنّ العبد مستقلّ بإيجاد أفعاله ، وأنّ اللّه سبحانه يجري في ملكه خلق شيء وإيجاده لا بإرادته ، وأنّه ۳ قول بخالق وموجد سواه ، وبتحقّق مخلوق لا يكون وجوده منه بقدرته وإرادته كقول المجوس في الشرور . ومَن زعم هذا «فقد كذب على اللّه » وأبطل ملكه وسلطانه .
ويحتمل أن يكون المراد أنّ من زعم أنّ الخير والشرّ إلى اللّه سبحانه من غير مدخليّة إرادة العبد وقدرته ـ كما يقوله الأشاعرة ـ فقد كذب على اللّه ، فيكون إشارة إلى فساد قول الأشاعرة أيضا كالفقرة الاُولى . واللّه أعلم . ۴