465
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الباب الحادي والثلاثون : بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ

وأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْقَاسَانِيِّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ،۱قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ :«يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ بَعْدَ أَرْبَعِ خِصَالٍ : أَنْ يَكُونَ مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ ، لَهُ سَبَبٌ وَارِدٌ مِنَ اللّه ِ» .
قَالَ : قُلْتُ له ۲ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَسِّرْ لِي هذَا ، قَالَ : «أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ يُرِيدُ أَنْ يَزْنِيَ ، فَلَا يَجِدُ امْرَأَةً ثُمَّ يَجِدُهَا ، فَإِمَّا أَنْ يَعْصِمَ نَفْسَهُ ، فَيَمْتَنِعَ كَمَا امْتَنَعَ يُوسُفُ عليه السلام ، أَوْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِرَادَتِهِ ، فَيَزْنِيَ ، فَيُسَمّى زَانِيا ، وَلَمْ يُطِعِ اللّه َ بِإِكْرَاهٍ ، وَلَمْ يَعْصِهِ بِغَلَبَةٍ» .

هديّة :

معنى العنوان ثبوت وسعة القدرة للعبد على الفعل والترك بعدم المانع مع نفي استقلاله فيها ، لكون قدرته تحت قدرة الخالق تعالى ، وصدور فعل العبد بمدخليّة قدرته من دون استقلاله فيها ، وقدرة الخالق بالاستقلال والغالبيّة . والقدرة على أحد الطرفين يلزمها القدرة على الآخر بخلاف الاستطاعة لأحدهما ؛ لتوقّفها على حصول أسباب حصولها من مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه . وحصول أسباب أحد الطرفين لا يستلزم حصول أسباب حصول الآخر كما سيذكر في هديّة الثاني .
و(السرْب) بالفتح : السبيل .
وقرأ برهان الفضلاء : «سليم الخوارج» بالمعجمة والجيم جمع خارجة ، يعني الآلات الخارجة عن البدن كالزّاد والراحلة .
و«السبب الوارد» بمعنى الشرط ، دون العلّة المشيئة والإرادة والقَدَر والقضاء والأجل والكتاب والإذن .
(فإمّا أن تعصم) على ما لم يسمّ فاعله .
(فيمتنع) أي بتوفيق اللّه تعالى .
(فيزني) أي بخذلان اللّه عزّ وجلّ .
(بإكراه) أي بل باختياره واستطاعته وتوفيق اللّه .
(بغلبة) أي ولم يعصه بمغلوبيّة ، بل بمدخليّة قدرته وخذلان اللّه . أو المعنى ولم يعصه بغالبيّة قدرته .
فالعبد لعدم المنافاة بين نفي مغلوبيّته أصلاً وثبوت مغلوبيّته في الجملة بفاعليّته بالاستطاعة وخالقيّة الربّ بالاستقلال لا مغلوبٌ مطلقا ولا مستقلٌّ مطلقا ، والأمر والنهي بَعْدَ ۳ العلم الأزلي بما يصدر عن المكلّف لإتمام الحجّة عليه لمكان اختياره واستطاعته ، ألا ترى أنّ السيّد إذا أخبرك أنّ عبده الفلاني لم يقبل أمره في أمر كذا فشاء أن يصدّق عليك قوله فأمره امتحانا وإتماما للحجّة .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
«الاستطاعة» أخصّ من القدرة ولا يستعمل إلّا في قدرة المخلوقين ، وهي قدرة تكون معها وسعة في الجملة ، ويختلف الوسعة بالشدّة والضعف . والعبد ليس مكلّفا بمجرّد خلق القدرة فيه ، بل اللّه سبحانه لا يكلّفه إلّا مع الاستطاعة وذلك من فضل رحمته . قال اللّه تعالى في البقرة : «لَا يُكَلِّفُ اللّه ُ نَفْسا إِلَا وُسْعَهَا»۴ ، فلم يكلّف بالحجّ مثلاً بمجرّد القدرة على المشي بل بعد حصول ما يصير سببا لوسعة القدرة من الزاد والراحلة والرفقة .
و«السرب» بالفتح : الطريق ، وفلان آمن في سِربه بالكسر ، أي في نفسه ، وفلان واسع السِرب بالكسر أيضا، أي رخيّ البال .
و«الخوارج» في الموضعين بالمعجمة والجيم : جمع خارجة ، يعني الآلات الخارجة عن البدن كالزاد والراحلة والرفقة للحاجّ .
والمراد من «السبب الوارد» تعلّق مشيئة اللّه سبحانه حين مشيئة العبد ، وكلّ واحدة من الخصال السبع سبب لوسعة القدرة على حدة ، والمجموع لوسعة كاملة . والمشار إليه ل«هذا» : السبب الوارد .
و«أن يكون» خبر لمبتدأ محذوف ؛ أي تفسيره .
«ولم يعصه بالغلبة» أي بغالبيّة قدرته بكونه مستقلّاً غالبا بقدرته ومشيّته على قدرة اللّه ومشيّته ، كما ذهب إليه المخطّئة .
والحاصل : أنّ مشيّته تعالى إذا منعت العبد لمصلحة من الفعل مع استطاعته فليس بالجبر وإذا لم يمنع فليس بالتفويض .
وقال الفاضل الإسترابادي :
«السرب» بكسر السّين وفتحها .
«فإمّا أن تعصم نفسه» تفسير الإذن بأنّه التخلية في آخر الأمر أو الحيلولة .
وقوله : «ولم يطع اللّه » لفّ ونشر مرتّب ، فقوله : «ولم يطع اللّه » ناظر إلى قوله : «فيمتنع» وقوله : «ولم يعصه» ناظر إلى قوله : «فيزني» . ۵
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«مخلّى السّرب» أي مخلّى الطريق ، مفتوحه «صحيح الجسم» من الأمراض المانعة «سليم الجوارح» التي هي آلات له . «له سبب وارد من اللّه » سبحانه من عصمة نفسه ، أو التخلية بينه وبين إرادته .
«فيزني فيسمّى زانيا» لترتّب الزنا على إرادته . «ولم يطع اللّه بإكراه» بل بإرادة وعصمة اللّه إيّاه من موانع المطلوب «ولم يعصه بغلبة» منه بل بإرادة وتخلية الأمر بينه وبين إرادته . ۶

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن الحسن بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد القاساني ، عن عليّ بن أسباط» .

2.في الكافي المطبوع : - «له» .

3.كذا في «الف» وهو الصواب . وفي «ب» و «ج» : «بعدم» .

4.البقرة (۲) : ۲۸۶ .

5.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۳۲ .

6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۵۰۸ ، بتفاوت يسير .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
464
  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 95624
صفحه از 508
پرینت  ارسال به