469
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

هديّة :

(ما لم يكون) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل . وكذا (قد كوّن) يعني ألك وسعة القدرة على ما لم يتعلّق به إيجاد اللّه سبحانه؟ وهو متوقّف على تحقّق الخصال السبع على ما مرَّ بيانه .
في بعض النسخ : «آلات الاستطاعة» على الجمع .
(ثمّ لم يفوّض إليهم) يعني بل جعل تأثير الاستطاعة موقوفا على المشيئة والإيجاد .
(فهم مستطيعون للفعل في وقت الفعل مع الفعل) نصّ على ۱ أنّ فاعليّة العبد إنّما هو ۲ بخالقيّة الربّ ، وأنّ مشيئة العبد بمشيّة اللّه «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ»۳ ؛ أي فللعباد وسعة القدرة على الفعل عند تعلّق مشيئة اللّه وإيجاده بما علم صدوره عنهم بمشيّتهم واختيارهم .
(إذا فعلوا ذلك الفعل) أي بمشيّة اللّه وإيجاده .
(فإذا لم يفعلوه في ملكه) حيث لم يشأ .
(قال : علم منهم فعلاً) أي ما يصدر عنهم باختيارهم .
(فإذا فعلوا) أي بمشيّة اللّه وإيجاده ومدخليّة قدرتهم .
(كانوا مع الفعل مستطيعين) وإن لم يكونوا مستقلّين .
والحاصل : أنّ سبب الفعل مشيئة الفاعل واختياره ، ولا ينافي هذه السببيّة كون مشيئة الخالق وإيجاده من شروط الوجود .
قال برهان الفضلاء :
كأنّ هنا وقع سهو من نسّاخ الكافي ؛ فإنّ الظاهر «سأل» مكان «سألت» ، و«عليّ بن مبشّر بن الحكم» مكان «عليّ بن الحكم» ، و«ابن مبشّر» من أصحاب الصادق عليه السلام ، و«ابن الحكم» من أصحاب أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام . يعني قال ابن مبشّر : سأل ذلك الرجل .
لا يقال : فلابدّ من «قالا» مكان «قال» ؛ لأنّا نقول : تفرّد الضابط لمتن الحديث بلفظ الإمام عليه السلام والسائل ممكن .
ولمّا كان الحسن البصري ـ لعنه اللّه ـ من المعتزلة قائلاً باستقلال العبد في قدرته بالتفويض الثاني من تفويضيهم فسأل الرجل البصري عن الاستطاعة ؛ يعني عن كمال الوسعة في القدرة على المكلّف به بحيث لا يكون أكمل منه .
و«الآلة» : ما يعين الفاعل على الفعل ، وإضافتها لاميّة .
وفي بعض النسخ : «وقت الفعل» بدون «في» .
وحاصل جملة الجواب : أنّ العبد ليس له استطاعة قبل وقت الفعل بل أصل القدرة أيضا ، فبطل التفويض الثاني للمعتزلة . وكذا ليس له وقت الفعل كمال الاستطاعة بحيث يمكنه الفعل بدون تعلّق مشيئة اللّه تعالى شروعا وإتماما ، فبطل التفويض الأوّل للمعتزلة أيضا . فثبت ما هو الحقّ من أنّ العبد في وقت الفعل مستطيع في الجملة بوسعة قدرته بحيث يصحّ تكليفه، وكونه مكلّفا مختارا وإن لم يكن مستقلّا في قدرته ؛ لكونها تحت قدرة اللّه وتوقّفها بمشيّة اللّه وإيجاده توقّف المشروط على الشرط لا المسبّب على السبب .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«أتستطيع أن تعمل ما لم يكوّن؟» أي أتستطيع أن تعمل ما لم يتمّ أسباب وجوده ؟ وكيف تكون مستطيعا في وقت عدم شيء لعدم استجماع شرائط وجوده لذلك الشيء في ذلك الوقت ، وعدم سبق ما لا يدخل في الوجود إلّا بسبقه كمشيّة اللّه وإرادته وقَدَره ، وكالمعدّات ۴ المُهَيِّئة للموادّ؟!
«فتستطيع أن تنتهي عمّا قد كوّن ؟» أي في زمان وجوده . والاستطاعة للشيء : التمكّن منه وانقياد حصول ذلك الشيء له . واستطاعة أحد الطرفين لا يستلزم استطاعة الآخر بخلاف القدرة ؛ فإنّ القدرة ؛ على أحد الطرفين يلزمه القدرة على الآخر ، والقدرة على الفعل يسبقه بمراتب بخلاف الاستطاعة .
«فجعل فيهم آلة الاستطاعة» أي آلة حصولها وما به يتمّ حصولها .
«ثمّ لم يفوّض إليهم» الأمر في حصول الاستطاعة وحصول ما أعطاهم آلة استطاعته .
«فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع وجود الفعل» بإتيانهم به «فإذا لم يفعلوه في ملكه» وسلطانه الشامل لهم ، وهم تحت قدرته وإرادته وقَدَره وقضائه «لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلاً لم يفعلوه» ولم يكن في مشيّته وإرادته وقَدَره ؛ لأنّه تعالى أعزّ من أن يضادّه أو يعارضه أحدٌ في ملكه بالتصرّف بإيجاد ما لم يوجده سبحانه ولم يشأه ولم يقدّره .
«لو كانوا مجبورين كانوا معذورين» لقبح المؤاخذة على ما ليس باختياريّ . ۵
وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه :
أقول : في كتاب التوحيد لابن بابويه أحاديث كثيرة بظاهرها مخالفة للحديثين المذكورين في هذا الكتاب ، وأحاديث موافقة .
فمن المخالفة : حدّثنا أبي رضى الله عنهقال : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عمّن رواه من أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام يقول : «لا يكون العبد فاعلاً إلّا وهو مستطيع ، وقد يكون مستطيعا غير فاعل ، ولا يكون فاعلاً أبدا حتّى لا يكون ۶ معه الاستطاعة» . ۷
حدّثني أبي رضى الله عنهبإسناده ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم استطاعة ، ثمّ أمرهم ونهاهم فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلّا باستطاعة متقدّمة قبل الأمر والنهي ، وقبل الأخذ والترك ، وقبل القبض والبسط » . ۸
حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن الوليد بإسنادهما ، عن عوف بن عبداللّه الأزدي ، عن عمّه، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الاستطاعة ، فقال : «وقد فعلوا » ، فقلت : نعم، زعموا أنّها لا يكون إلّا عند الفعل ، وإرادة في حال الفعل لا قبله فقال : «أشرك القوم» . ۹
ومن الأحاديث الموافقة ؛ حدّثنا أبي رضى الله عنه بإسناده ، عن مروك بن عبيد ، عن عمر ۱۰ رجل من أصحابنا ، عمّن سأل أبا عبداللّه عليه السلام فقال له : إنّ لي أهل بيت قَدَريّة يقولون : نستطيع أن نفعل ۱۱ كذا وكذا ونستطيع أن لا نعمل ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «قُل تستطيع أن لا تذكر ما تكره ولا تنسى ما تحبّ؟ فإن قال : لا ، فقد ترك قوله ، وإن قال : نعم ، فلا تكلِّمه أبدا ، فقد ادّعى الربوبيّة » . ۱۲
ومعنى الحديث الأخير أنّه إذا لم تستطع حفظ معنى في خاطرك فكيف تستطيع أن تعمله؟
ويمكن الجمع بين الأخبار بما ذكرناه في الحواشي السابقة من أنّ الاستطاعة قسمان : ظاهريّة وباطنيّة ، وأنّ الظاهريّة مناط التكليف وأنّها متقدّمة على التكليف . ألا ترى أنّ الحجّ يجب على من يموت في طريق مكّة ، وأنّ الاستطاعة الجامعة للظاهريّة والباطنيّة إنّما يحصل في وقت الفعل والترك . ۱۳ انتهى كلام الفاضل الإسترابادي رحمه الله .
أقول : فرق بيِّن بين أسباب الاستطاعة من المشيئة والإرادة والقَدَر ، وبين سبب تأثيرها وهو الإذن والإمضاء . فمعنى الحديث الأوّل : لا يكون العبد فاعلاً إلّا وهو مستطيع بالاستطاعة الكاملة بإذن اللّه سبحانه ، وقد يكون مستطيعا بحصول الاستطاعة بالمشيئة والإرادة والقدر غير فاعل بانتفاء شرط التأثير وهو الإذن فلا مخالفة .
ومعنى «ثمّ أمرهم ونهاهم» في الثاني : أنّه أمرهم بالخير ونهاهم عن الشرّ ؛ لتؤثّر استطاعتهم بإذن اللّه إذا أذن توفيقا أو خذلانا . فمناط التكليف الاستطاعة المتقدّمة الحاصلة بأسبابها قبل الإذن الذي هو شرط التأثير ومن شأنها التأثير بالإذن .
ومعنى «وقد فعلوا» في الثالث : أنّ نسبة الأفعال إلى العباد لا يكون إلّا بالاستطاعة الكاملة عند الفعل كما في التالي ، ووجه إشراك القوم زعمهم عدم الفرق بين أسباب تحقّق الاستطاعة وسبب تأثيرها، فيلزمهم القول باستقلال العبد في القدرة على الفعل والترك من دون توقّف وسع قدرتهم على مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وتأثير استطاعتهم على إذن اللّه تعالى .
ومعنى الأمر بالسؤال في الرابع بتبيين ما هو الحقّ وتوضيحه من أنّ الفاعل لفعل العبد وإن كان هو العبد بمدخليّة قدرته المخلوقة فيه كاختياره ومشيّته وإرادته وقدره واستطاعته إلّا أنّ الخالق في الوجود مطلقا من الخارجي والذهني هو اللّه سبحانه لا غيره .

1.في «الف» : «في» مكان «على» .

2.في «ب، ج»: - «إنّما هو».

3.الإنسان (۷۶) : ۳۰ .

4.في «ب» و «ج» : «كالمعدّات» بدون «واو» العطف .

5.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۵۰۹ ـ ۵۱۰ .

6.كذا في النسخ ، وفي المصدر : «حتى يكون» .

7.التوحيد ، ص ۳۵۰ ، باب الاستطاعة ، ح ۱۳ .

8.التوحيد ، ص ۳۵۲ ، باب الاستطاعة ، ح ۱۹ .

9.التوحيد ، ص ۳۵۰ ، باب الاستطاعة ، ح ۱۲

10.في التوحيد : «عن عمرو» .

11.في التوحيد والمصدر : «نعمل».

12.التوحيد ، ص ۳۵۲ ، باب الاستطاعة ، ح ۲۲ .

13.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۳۴.


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
468

الحديث الثاني

۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ اللّه ِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعا ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ أبو عبد اللّه عليه السلام :«أَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْمَلَ مَا لَمْ يُكَوَّنْ؟» ، قَالَ : لَا ، قَالَ : «فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْتَهِيَ عَمَّا قَدْ كُوِّنَ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَمَتى أَنْتَ مُسْتَطِيعٌ؟» ، قَالَ : لَا أَدْرِي .
قَالَ : فَقَالَ ۲ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ خَلَقَ خَلْقا ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الِاسْتِطَاعَةِ ، ثُمَّ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِمْ ، فَهُمْ مُسْتَطِيعُونَ لِلْفِعْلِ في ۳ وَقْتَ الْفِعْلِ مَعَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ الْفِعْلَ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوهُ فِي مُلْكِهِ ، لَمْ يَكُونُوا مُسْتَطِيعِينَ أَنْ ۴ يَفْعَلُوا فِعْلاً لَمْ يَفْعَلُوهُ ؛ لِأَنَّ اللّه َ تعالى أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُضَادَّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ» .
قَالَ الْبَصْرِيُّ : فَالنَّاسُ مَجْبُورُونَ؟ قَالَ : «لَوْ كَانُوا مَجْبُورِينَ ، كَانُوا مَعْذُورِينَ» . قَالَ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ : «لَا» . قَالَ : فَمَا هُمْ؟ قَالَ : «عَلِمَ مِنْهُمْ فِعْلاً ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الْفِعْلِ ، فَإِذَا فَعَلُوا كَانُوا مَعَ الْفِعْلِ مُسْتَطِيعِينَ» .
قَالَ الْبَصْرِيُّ : أَشْهَدُ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى وعليّ بن إبراهيم جميعا ، عن أحمد بن محمّد» .

2.في الكافي المطبوع : + «له»

3.في الكافي المطبوع : - «في» .

4.في «ب» و «ج» : «من أن» .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 96260
صفحه از 508
پرینت  ارسال به