الحديث الثالث
۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا حَجَبَ اللّه ُ عَنِ الْعِبَادِ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ» .
هديّة :
أي من المعارف الدينيّة ، كبعض خصوصيّات الربوبيّة ، وخصائص النبوّة والإمامة ممّا لا يحتاجون إليه في الدِّين كسرّ محبّة اللّه لأهل الخير ، فإجراُء الخير على يدهم ؛ وسخط اللّه على أهل الشرّ ، فإجراء الشرّ على يدهم ، كما مرَّ في الثاني من باب السعادة والشقاء حيث قال عليه السلام في آخره : «وهو سرّه تبارك وتعالى» .
وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «عن العباد » أي عن المستضعفين من العباد من ربوبيّته ، فالتكليف بمقتضاه موضوع عنهم .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«ما حجب اللّه عن العباد» أي ما لم يعرفوه . وبيانه ظاهر .
ولعلّ معرفة اللّه سبحانه في الجملة ليس ممّا حجبه اللّه عن عبد من عباده وإن كان حجابا ۲ فبصنعه لا بصنع اللّه سبحانه ؛ لأنّه سبحانه لم يحجبها عن أحد ، بل أوضحها وأظهرها بدلائلها وإعطاء ما يكفي للوصول إليها ، وإن لم يقع الوصول فمن جهتهم لا من حَجْبه سبحانه إيّاها عنهم .
نعم ، المعرفة على وجه الكمال ربّما يُقال بحجبها عن بعض النفوس الناقصة . وفي استناد هذا الحجب إليه سبحانه نظر .
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : «ما حجب اللّه عن العباد» ما لم يكن في وسعهم وحُجبوا عنه بما من جانب اللّه ، فيكون موضوعا عنهم ، كما في الحديث الذي بعد هذا . ۳ انتهى .
أقول : ملخّص أقوال الأصحاب في هذا الباب : أنّ اللّه تبارك وتعالى لا يكلّف العباد بشيء ولا يحتجّ عليهم إلّا بعد البيان والتعريف وإعطاء الوسع والطاقة وما به الاستطاعة ؛ «لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ» ، ۴ فهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة . ۵ والمعيار العدل للفطن المتأمّل في البيانات في هذا الباب تمييزه بين المعرفة الفطريّة التي لا تكليف فيها أصلاً والمعرفة الدينيّة التي مناط التكليف ، ولا تحصل إلّا بالتعريف إذا أقبل وقَبِل فحيّ عن بيّنة ، بخلاف من أنكر وأدبر فهلك عن بيّنة . والمستضعفون أيضا مكلّفون بقدر وسعهم ، ولذا ثبت أنّ للّه فيهم المشيئة في المؤاخذة والعفو عنهم . ۶ واللّه أعلم بالصواب .
1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2.كذا في النسخ، وفي المصدر: «حجابٌ».
3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۵۱۶ .
4.النساء (۴) : ۱۶۵ .
5.اقتباس من الآية ۴۲ ، الأنفال (۸) .
6.في «ألف» : - «عنهم» .