هديّة :
قيل : يعني من أن يعرف بخلقه حقّ معرفته ، فلا إشكال بالأوّل ، بل العباد يعرفون باللّه . وقد قال الصادق عليه السلام : «لولا اللّه ما عُرِفنا ، ولولا نحن ما عُرِف اللّه » . ۱ وقيل : بل العباد يعرفون بصنعه وتدبيره أنّهم مخلوقون محتاجون بكمال العجز ونهاية الاحتياج .
وضبط برهان الفضلاء : «يعرفون» على المعلوم ، بخلاف «يعرف» على خلافه ، قال : يعني بل عباد اللّه المعصومون يعرفون اللّه بأسمائه وصفاته بإخباره تعالى وتعليمه إيّاهم .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
يعني من أن يُعرَف بوجوده وصفاته الكماليّة وتقدّسه وتنزّهه عمّا لا يليق به بوساطة العلم بصدق خلقه كالنبيّ والحجج ، وبإخباره ؛ لأنّ اللّه سبحانه أوّل الأشياء ، وبرهانه أوّل البراهين وأظهر الأشياء ، وبرهانه أظهر البراهين ، وصدق الأنبياء والحجج إنّما يُعرف بمعرفة اللّه سبحانه [فكيف يُعرف اللّه سبحانه] ۲ بقولهم؟!
أو المراد من أن يتوقّف معرفته على وجود خلقه ، ولا يعرفه أحد إلّا بتوسّط معرفته بخلقٍ غيره وبمخلوقيّة خلقٍ ؛ لأنّه سبحانه أعظم وأجلّ من أن لا يقدر على إقامة البراهين لمعرفته بلا توسّط معرفة خلقٍ آخر أو معرفة مخلوقيّة شيء من الأشياء، وأكرم وألطف بعباده من أن يقدر عليها ولا يقيم لها ولا يهديهم إليها ، بل معرفة الأنبياء والحجج تتوقّف على معرفة باعثهم وخالقهم .
ويحتمل «يعرفون» على المعلوم ؛ أي بل العقلاء من خلقه يعرفون اللّه باللّه ، لا بتوسّط المخلوق ، ويكون إشارةً إلى طريقة الصدِّيقين الذين يستدلّون بالحقّ ، لا عليه . ۳ انتهى .
لقوله : «بل معرفة الأنبياء والحجج تتوقّف على معرفة باعثهم وخالقهم» تفصيل ، إجماله أنّ المعرفة العقليّة مجملة ، والشرعيّة مفصّلة ، والإيمان المنجي إنّما هو الثانية بدعائمها، وهي درجات ، وأصل النجاة بأدناها ، على ما ستعرفه إن شاء اللّه تعالى .
وقال الفاضل الإسترابادي :
يعني من أن يتصوّر من باب التشبيه بخلقه ، كأن يقال : هو مثل ضوء الشمس أو مثل النور ، بل الخلق يعرفون الماهيّات الممكنة بسبب اللّه تعالى ، أي بسبب خلقه لهم ، أو بسبب فيضان المعاني من اللّه على نفوسهم ؛ فإنّ المعرفة صنع اللّه في قلوبهم ، أو بخلق يعرفون اللّه باللّه ؛ لأنّه لولا ألهمهم اللّه بنفسه لما عرفوه . ۴
1.التوحيد ، ص ۲۹۰ ، ذيل الحديث ۱۰ من باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به .
2.أضفناه من المصدر .
3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۲۸۱ ـ ۲۸۲ .
4.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۳۹ .