الباب الخامس : بَابُ الْمَعْبُودِ
وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :
الحديث الأوّل
۰.روى في الكافي ، عَنْ عَلِيّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ السرّاد ،۱عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ عَبَدَ اللّه َ بِالتَّوَهُّمِ ، فَقَدْ كَفَرَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ أَشْرَكَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى بِإِيقَاعِ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ ، وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلَانِيَتِهِ ، فَأُولئِكَ أَصْحَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حَقّا» . وفي حديث آخر : «اُولئك هم المؤمنون حقّا» .
هديّة :
في العنوان يعني تعيين المعبود بالحقّ من معبود سائر الفِرَق .
(بالتوهّم) أي بغير ما عرّف به نفسه بالإرسال والإخبار ، كما توهّم الصوفيّة القدريّة أنّه تعالى ذات وما سواه عوارض الذات وشؤوناتها .
(ومن عبد الاسم دون المعنى) المراد بالمعنى الحقيقة العينيّة . والاسم لفظيّ وذهنيّ ، والثاني ذاتي ووصفي ، يعني إمّا صورة الذات في الذهن أو صورة الصفة فيه ، فعلى الأوّل ردّ على مثل الحروفيّة من الملاحدة ، وعلى الأوّل من الثاني على الصوفيّة القدريّة . وقد قال ابن عربيّهم ما قال في صورة الفَرَس ، وهو لم يعبد بعد غيبة الصورة عن نظره إلّا الصورة الذّهنيّة . وكذا على الثاني من الثاني .
(ومن عبد الاسم والمعنى) ردّ على من ردّتهم الفقرتان السابقتان ، وإشارة إلى أنّهم طوائف .
(بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه) أي باعتقاد عينيّة صفاته التي وصف بها نفسه ، بدليل الردّ في الفقرات السابقة .
(فعقد) على ما لم يسمّ فاعله أولى ؛ لما لا يخفى . والمعرفة صنع اللّه في قلوب المؤمنين .
(وفي حديث آخر) كلام ثقة الإسلام طاب ثراه .
قال برهان الفضلاء :
«التوهّم» تصوّر الشيء بلا توسّط عنوانه ، كما يكون في غير المشتقّات ، مثل العلم والقدرة من المصادر ، والجسم والبِلَّوْر والبدن من أسماء الجنس ، وزيد وعمرو من الأعلام .
و«الاسم» يُطلق على اللفظ ، مثل لفظ «اللّه » و«العالم» و«القادر» وعلى الصورة الذهنيّة التي تحصل في الذهن من لفظ «اللّه » و«العالم» و«القادر» وأمثالها . والمراد هنا المعنى الثاني .
والمراد بـ«المسمّى» الذي عبّر عنه هنا بـ«المعنى» ما يكون في خارج الذهن ويكون مطابقا لاسمه ، بمعنى أن يصحّ الكلام إذا جعل مبتدأ واسمه خبرا . وقد ثبت أنّ الأسماء الجامدة كالأعلام وأسماء الأجناس والمصادر ونحوها هي عين مسمّاها، بخلاف الأسماء المشتقّة ، بدليل أنّ الخبر لا يقال له : الخابر ، والنار لا يُقال لها : الناير . وسيجيء في بيان الثالث أنّ سرّ ذلك أنّ القيام الذي هو معتبر في المشتقّات حقيقي لا الأعمّ من الحقيقي والمجازي ، كما زعمه الفاضل الدّواني . وأمّا ما ذكره أهل المنطق من المشتقّات في أمثلة النوع والجنس والفصل فَوَهم ، أو على المسامحة .
ومعنى الحديث أنّ العباد من العباد المنتسبين إلى الإسلام على أربعة أقسام :
الأوّل : من اعتقد على التوهّم أنّ اسما من أسمائه تعالى عين المسمّى ، كمن اعتقد أنّه سبحانه جسم أو بدن ، أو اعتقد إمكان رؤيته بالبصر ، وكمن اعتقد مثل الدواني أنّه وجود وعلم وقدرة من دون قصد المجاز ، وأنّه العالم بمعنى العلم القائم بنفس العلم بالقيام المجازي ، وهكذا في أنّه موجود وقادر مثلاً ، وكمن زعم أنّ لفظ «اللّه » علم شخصي له تعالى، لا شبيه بالعلم كما هو الحقّ ، فبتوهّمه «الاسم» بمعنى الصورة الذهنيّة توهّم أنّه المسمّى فعبد المتوهّم وكفر .
الثاني : من تعمّق في اسم من أسمائه وإن اعتقد أنّ اسما من أسمائه ليس عين المسمّى بل كلّها مشتقّات ، أو تجاوز عن الأسماء التي في المحكمات كأكثر المتكلّمين حيث يتّبعون الفلاسفة ولا يسكتون في الأسماء المختلف فيها، فيدخلون الاسم الغلط في الأسماء الصحيحة، ويحكمون أنّ المجموع من حيث المجموع من الأسماء، والحال أنّ المجموع لا يصدق على شيء ؛ إذ بعدم صدق الجزء يلزم عدم صدق المجموع من حيث المجموع ، فلا يكتفون باسم العالم مثلاً ، بل يقولون بالتعمّق في الفكر أنّه عالم بالعلم الإجمالي ، فعبد ۲ الاسم فقط وكفر .
الثالث : من عبد الاسم والمعنى ، كالأشاعرة وهم قائلون بأنّ المشتقّ منه لكلّ اسم من أسمائه تعالى موجود في الخارج قديم ؛ إذ من المعلوم أنّ كمال الذات المتّصفة بصفات موجودة كماليّة إنّما بتبعيّة صفاته ، فعبد الاسم والمعنى وأشرك .
الرابع : من عبد المعنى بإيقاع الأسماء المنصوصة عليه عزّ وجلّ بلا تجاوز عنها إلى الاسم المختلف فيه كالمرئي والبادي والعائد والنازل والمتشكّل والوجود والمكر ونحو ذلك فاُولئك المؤمنون حقّا . وبعبارة اُخرى : فاُولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حقّا . انتهى كلام برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى .
كما أنّ لكلّ اسم لفظيّ صورة في الذهن كذلك لكلّ مسمّى عينيّ صورة فيه ، وكما أنّ الاسم يُطلق على اللفظ المؤلَّف من الحروف كذلك يُطلق على الصورة الذهنيّة للمسمّى العينيّ ، فكما لا خلاف أنّ الاسم بالمعنى الأوّل غير المسمّى لا خلاف في أنّه بالمعنى الثاني عينه إذا كان جامدا ، بمعنى أنّه لا يقال للخُبز خابز ، فصورة الذات وحدها . والأصحّ في الاسم المشتقّ بالمعنى الثاني أنّه غير مسمّاها ومباينه ، فصورة الذات وصفتها معا وجميع الأسماء المنصوصة التي لنا رخصة في إطلاقها عليه سبحانه مشتقّات بالمعنى الثاني ، بمعنى أنّها غير المسمّى ومباينها كما أنّها غيره بالمعنى الأوّل .
وإن قلنا : إنّ المشتقّ بالمعنى الثاني عين مسمّاه أيضا كالجامد ، فمراده سلّمه اللّه تعالى ـ كما يظهر من كلامه ـ أنّ جميع أسماء اللّه تعالى مشتقّات بالمعنى الثاني ؛ بمعنى أنّها غير مسمّاها ومباينها حتّى لفظ الجلالة ، عَلَما كانت أو شبيهة بالعَلَم على القولين ؛ فإنّ ما يعقل منه سبحانه في معرفته بأسمائه بالمعنى الثاني ليس صورة المسمّى العيني ولا كنه له ، وهو غير محدود ، غير موهوم ، غير مدرك كما هو ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولذا لا رخصة لأحد في إطلاق اسم عليه تعالى إلّا بما عرّف به نفسه ، ووصف به ذاته تعالى ، وورد به الكتاب والسنّة ؛ لئلّا يقيس فيقول : هو وجود بحت ، هو علم بحت ونحوهما ، فيقعَ في المهالك ، كالصوفيّة القدريّة .
وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله :
«من عبد اللّه بالتوهّم» أي بأن يتوهّمه محدودا مدركا بالوهم .
«ومن عبد الاسم» أي بالحروف أو بالمفهوم الصفتي له «دون المعنى» أي المعبّر عنه بالاسم «فقد كفر»؛ لأنّ الحروف والمفهوم غير واجب الوجود الخالق إله الكلّ سبحانه ، إنّما الاسم بلفظه ومفهومه تعبير عن المعنى المقصود أن يعبّر عنه ؛ أي ذاته الأحديّ المتعالي عن إحاطة العقول والإدراكات .
«ومن عبد الاسم والمعنى» أي مجموعهما أو كلّ واحدٍ منهما «فقد أشرك» حيث أدخل في عبادته غيره تعالى . «ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه» أي كما وصف «فعقد عليه قلبه» أي اعتقد المعنى والهيئة «ونطق به لسانه في سريرته وعلانيته» فإنّ الاعتقاد بالقلب إذا فارق اختيارا الإقرار باللِّسان لم يكن كافيا في الإسلام والإيمان ، «فاُولئك من أصحاب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه حقّا» . ۳