هديّة :
(كان ولم يزل) الواو للحال ؛ أي وأنّه قديم ، أو للعطف على كان ، فـ «حيّا» خبر عنهما .
(ولم يكن له كان) يحتمل أن يكون «كان» من الأفعال الناقصة ؛ أي لم يصحّ له متى كان و«كان» بالرّفع على المصدر كما احتمل برهان الفضلاء ؛ أي الاشتداد ، بمعنى صيرورة الشيء قويّا على التدريج .
وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه :
أي لا مجال للمعنى الحقيقي للفظ «كان» في حقّه تعالى ؛ لأنّه اعتبرت في معناه الحقيقي قطعة مخصوصة من الزمان الماضي ، ولا يستعمل في حقّه تعالى إلّا مجرّدا عن الزمان . ۱
(ولا كان لكونه كون كيف ، ولا كان له أين) يحتمل إضافة «الكون» إلى «الكيف» والتنوين ، أي حدوث . فـ «كيف» للاستفهام الإنكاري ، و«الواو» بعدها للحال .
وفي بعض النسخ ـ كما ضبط برهان الفضلاء ـ : «ولا كان لكونه كيف» بدون المضاف .
(ولا ابتدع لمكانه مكانا) أي لمرتبة علوّه . والأوّل مصدر ميمي ، والثاني اسم مكان .
(ولا كان مستوحشا) أي كالغريب من الغربة .
(ولا يشبه شيئا مذكورا) أي كلّ يذكره الذّكر ويخطر بالخاطر .
(خلوّا) بالكسر أي خاليا .
و(الملك) بالضمّ : السلطنة ، فضمير (إنشائه) للملك بالكسر المفهوم سياقا ، أو للملك بالضمّ ، أي لبعض من خلقه ، أو ـ كما قال برهان الفضلاء ـ : للشيء المذكور . وكذا ضمير (ذهابه) .
(بلا حياة) أي حادثة ، بدليل التصريح بعد .
(وملكا جبّارا) أي ذا قوّة وغَلَبة في أفاعيله ؛ منها إبقاء ما شاء من خلقه المقتضي بذاته الفناء .
والهرم محرّكة ، والمهرم ، والمهرمة : أقصى الكبر ، هرم كصعق .
(ولا يصعق) لا يخاف ، ولا يدهش .
(ولا كون موصوف) بالتوصيف أي محدود . واحتمل برهان الفضلاء الإضافة . وكذا (لا كيف محدود ، ولا أين موقوف عليه) فمعنى الأخيرة على التوصيف : ولا أين مستقرّ . وعلى الإضافة : ولا أين من حُبس على الأين ، أو «الموقوف» بمعنى الواقف .
(بل حيّ يعرف) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد ، أي بآثار حياته ، نعت ل «الحيّ» كَ «لم» يزل ل «الملك» .
(وكُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ) ناظر إلى آية سورة القصص ، ۲ ومن تفاسيرها : «هالك» أي ساقط عن درجة الاعتبار إلّا دينه القائم بحجّته المعصوم .
و(له الخلق والأمر) إلى آية سورة الأعراف . ۳ ومن العلماء من فسّر «الأمر» بعالم المجرّدات ، و«الخلق» بعالم الأجسام . والمستفاد من أحاديثهم عليهم السلام تفسير الخلق بخلق ما خلق اللّه ، والأمر بوضع الشرائع .
(لا تغشاه) : لا تحيطه .
و«الشّبهة» بالضمّ : الالتباس والشكّ ، أي الوضوح حججه وسطوع براهينه ، أو «به» بمعنى «عليه» أي لا يتحيّر من الشكّ والالتباس عليه .
(ولا يحار) على المعلوم من الحيرة . واحتمل برهان الفضلاء : «يجار» بالجيم على المجهول ، من الإجارة ، من الجوار بمعنى الكَنَف . و«يجأر» على المعلوم مهموز العين من الجأر ، بمعنى النداء والاستغاثة .
(ولا يجاوره) شيء بالمجاورة المكانيّة . وقرئ : «ولا يجاوزه» بالجيم من المجاوزة ، أي بغفلته عن ذلك شيء .
(ولا تنزل به الأحداث) أي ليس محلّاً للحوادث والعوارض كما زعمت الصوفيّة القدريّة ، قال شبستريهم :
من وتو عارض ذات وجوديممشبّك هاى مشكوة وجوديم
(ولا يسأل عن شيء) بل هم يُسألون .
«ندم» كعلم .
(ولا تأخذه سِنة ولا نوم) اقتباس من آية الكرسي . ۴
ولبعض المعاصرين في بيان هذا الحديث كلام طويل يذكر مهمّه عنده، قال :
ليعلم أنّ نسبة ذاته تعالى إلى مخلوقاته يمتنع أن يختلف بالمعيّة واللّا معيّة ، وإلّا فيكون بالفعل مع بعض وبالقوّة مع آخرين، فيتركّب ذاته من جهتي فعل وقوّة ، ويتغيّر صفاته حسب تغيّر المتجدّدات المتعاقبات تعالى عن ذلك ، بل نسبة ذاته التي هي فعليّة صرفة وغناء محض من جميع الوجوه إلى الجميع ـ وإن كان من الحوادث الزمانيّة ـ نسبة واحدة ومعيّة قيمومة ثابتة غير زمانيّة ولا متغيّرة أصلاً ، والكلّ بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات ، كلٌّ في وقته ومحلّه وعلى حسب طاقته ، وإنّما فَقْرها وفقدها ونقصها بالقياس إلى ذواتها ، وقوابل ذواتها، وليس هناك إمكان وقوّة ألبتّة فالمكان والمكانيّات بأسرها بالنسبة إلى اللّه تعالى كنقطة واحدة في معيّة الوجود «وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ»۵ ، والزمان والزمانيّات بآزالها وآبادها كان واحدا عنده في ذلك . جفّ القلم بما هو كائن ، ما من نسمة كائنة إلّا وهي كائنة والموجودات كلّها شهاديّاتها وغيبيّاتها كموجود واحد في الفيّضان عنه «مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ»۶ . وإنّما التقدّم والتأخّر والتجدّد والتصرّم والحضور والغيبة في هذه كلّها بقياس بعضها إلى بعض في مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان المسجونين في سجن المكان لا غير وإن كان هذا لممّا يستغربه الأوهام ، ويشمئزّ عنه قاصروا الأفهام .
وأمّا قوله عزّ وجلّ : «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ»۷ فهو كما قاله بعض أهل العلم: إنّها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها ، ولعلّ من لم يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فَيَصُول ويرجع ، فيقول : كيف يكون وجود الحادث في الأزل؟ أم كيف يكون المتغيّر في نفسه ثابتا عند ربّه ؟ أم كيف يكون الأمر المتكثّر المتفرّق وحدانيّا جميعا؟ أم كيف يكون الممتدّ ، أعني الزمان واقعا في غير الممتدّ ، أعني اللّازمان مع التقابل الظاهر بين هذه الاُمور ؟ فلنمثّل له بمثالٍ حسّيّ يكسر سورة استبعاده ؛ فإنّ مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحسّ والمحسوس فليأخذ أمرا ممتدّا كحبل مختلف الأجزاء في اللون ، ثمّ لَيُمرره في محاذاة نملة ، فتلك الألوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها يظهر لها شيئا فشيئا ؛ لضيق نظرها ، ومتساوية في الحضور لديه يراها كلّها دفعة ؛ لقوّة إحاطة نظره وسعة حدسه ، «وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ»۸ . ۹ انتهى كلام بعض المعاصرين .