هديّة :
«نصيبين» بفتح النون : بلدةٌ ، والنسبة «نصيبي» بإسقاط النون ، و«نصيبيني» بإثباتها ، والأوّل أكثر .
قال السيّد الأجلّ النائيني : والأحد ما لا ينقسم أصلاً لا وجودا ولا عقلاً ولا وهما ، لا إلى أجزاء ولا إلى ماهيّة وذاتيّة ۱ مغايرة لها ، ولا إلى جهة قابليّة وجهة فعليّة . ۲
ونصب (أحدا صمدا) على التميز للنسبة ، و(أزليّا صمديّا) على النعت للصّمد ، وياء النسبة للمبالغة ، كالأحمري ، أو نصب الكلّ على المدح .
وممّا رواه الصدوق ، عن أبي البختري وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام أنّه قال : «الصمد الذي لا جوف له ، والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصّمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصّمد الذي لا ينام ، والصّمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال» . وقال الباقر عليه السلام : «كان محمّد بن الحنفيّة يقول : الصّمد القائم بنفسه الغنيّ عن غيره . وقال غيره : الصمد: المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير» .
وقال الباقر عليه السلام : «الصمد السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه» . قال : وسئل عليّ بن الحسين عليهماالسلام عن الصمد ، فقال : «الصمد الذي لا شريك له ، ولا يؤده حفظ شيء ، ولا يعزب عنه شيء» . ۳
وقال زيد بن عليّ : الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له : كُن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالاً وأرواحا ، ۴ وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ . ۵
قال وهب بن وهب القرشي : وحدّثني الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه عليهم السلام : «إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام يسألونه عن الصمد ، فكتب إليهم : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، قد سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : مَن قال في القرآن بغير علمٍ فليتبوّأ مقعده من النار ، وأنّ اللّه سبحانه قد فسّر الصّمد فقال : «اللّه ُ أحد * اللّه الصمد» ، ثمّ فسّره فقال : «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ» «لم يلد» لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا تتشعّب منه البدوات كالسِنَةِ والنوم والخطرة والوهم ۶ والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والسأمة والجوع والشبع . تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف . «ولم يولد» لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء ، كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها ، كالشيء من الشيء ، والدابّة من الدابّة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار ؛ ولا كما يخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها ، كالبصر من العين ، والسمع من الاُذن ، والشمّ من الأنف ، والذوق من الفمّ ، والكلام من اللِّسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو اللّه الصّمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد . ۷
قل للصّوفي القدري : أرأيت معجزة أقصم لظهوركم من سورة نسبة الربّ تعالى شأنه ، فلولا البغض والعناد ليقول «وَ لَـكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَـفِرِينَ» . ۸
(لا ظلّ له يمسكه) أي لا حافظ عليه ممّا سواه .
قال برهان الفضلاء :
«الظلّ» يُقال لمن ألقى مظلّة على شيء قصد حفظه عن التلف ليترتّب عليه أثره ، كصاحب البستان على الفواكه ، فإن كان قصده خيرا يسمّى باليمين ، وإلّا بالشمال ، واللّه تبارك وتعالى يقرّر ظلالاً من خلقه على سائر خلقه ، فظلّ رحمة يقوم بأمره موافقا لرضاه وآخر على خلافه ، قال اللّه تعالى في سورة النحل : «يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدا للّه ِِ وَهُمْ دَاخِرُونَ»۹ ؛ إفراد اليمين ؛ لندرته ، وجمع الشمال ؛ لكثرته. فلان في ظلّ فلان : في كنفه .
وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : لا ظلّ له ؛ أي لاكِنَّ له . ۱۰
و«الكنّ» بالكسر والتشديد : وقاء كلّ شيء وستره ، كالكنّة والكنان بكسرهما ، والجمع : أكنان وأكنّة .
وقال السيّد الأجلّ النائيني :
الظلّ من كلّ شيء شخصه أو وقاؤه وستره ؛ أي لا شخص له ولا شبح له يمسكه ، كالبدن للنفس ، والفرد المادّي للحقيقة ، أو لا واقي له يقيه .
«وهو يمسك الأشياء بأظلّتها» أي بأشخاصها وأشباحها ، أو بوقاياتها .
وفيه تنبيه على أنّ صمديّته تعالى ليس بكونه مصمتا ۱۱ لا تجويف له كما للأجسام ، بل بكونه جامعا في ذاته بمبادئ كلّ الكمالات والخيرات ، ولا يكون فيه قابليّة لشيء هو يفقده . ۱۲
وقال بعض المعاصرين :
أي لا مادّة له ، وقيل : أي لا جسم له . وفي حديث ابن عبّاس : الكافر يسجد لغير اللّه وظلّه يسجد للّه ؛ أي جسمه ، ويُقال للجسم الظلّ ؛ لأنّه عنه . وقيل : لأنّه ظلّ الروح ؛ لأنّه ظلمانيّ والروح نوراني وهو تابع له يتحرّك بحركته النفسانيّة ويسكن بسكونه النفساني . ۱۳
أقول : «وظلّه» في حديث ابن عبّاس، يعني صنمه الذي اعتقد أنّه حافظه وحاميه .
(عارف بالمجهول) أي لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ؛ ۱۴ فإنّ نسبة علمه تعالى إلى الظواهر والخفايا نسبة كونه محيطا بكلّ شيء .
(معروف عند كلّ جاهل) بشواهد الربوبيّة ، وبفطرة اللّه التي فطر الناس عليها . ۱۵
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «معروف عند كلّ جاهل» بأنّه فردانيّ «لا خلقه فيه ولا هو في خلقه» .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
أي ظاهر غاية الظهور حتّى أنّ ما من شأنه أن يخفى عليه الأشياء ويكون جاهلاً بها هو معروف عنده غير مخفيّ عليه ؛ لأنّ مناط معرفته مقدّمات ضروريّة ، ومعرفته بسلب صفات الأشياء عنه تعالى ونفي شبهها ، فمن جهل الأشياء ، وعرفه بأنّه منفيّ عنه صفات الممكن وشبهها ، كان عارفا به غاية العرفان ؛ حيث لا سبيل إلى معرفة حقيقته إلّا بسلب شبه الممكنات عنه ، ولا ينافيها الجهل بماهيّات الممكنات وأوصافها المخصوصة بها . ۱۶
(فردانيّا) نسبة إلى الفرد بزوائد النسبة للمبالغة . نصب على الحال .
و«المجسوس» بالجسم الممسوس .
(علا فقرب ، ودنا فبعد) لهاتين الفقرتين تفسيرات : منها : أنّه تعالى علا جميع ما سواه ، فبشواهد ربوبيّته معروف عند كلّ جاهل ؛ ودنا بقطع الجميع على وجوده وقدرته وعلمه وصنعه وتنزّهه عن صفات المخلوقات ، فبعُد عن العقول والأوهام بكنهه وحقيقته .
وقال برهان الفضلاء :
يعني علا عند الذين علموا أنّ العلم بأسمائه وصفاته وأحكامه لا يمكن بدون توسّط الوحي والحجّة المعصوم ، فقرُب منهم ودنا ، أي انحطّت مرتبته عند من حكم في أسمائه وصفاته وأحكامه من عند نفسه فبعُد عنهم .
وقال السيّد الأجلّ النائيني :
«علا فقرب ، ودنا فبعُد» أي علم بأعلى مراتب الماهيّات في الوجود «فقرب» منها ؛ لمعرفتها به بحسب تلك المراتب ، وذلك الإيجاد والماهيّات ۱۷ بحسب مرتبتها بالعقل كما قال الفيلسوف : العقل هو الأشياء كلّها .
«ودنا» أي علم بمرتبتها الدّنيا التي هي بحسب مادّيتها وجسمانيّتها ، «فبعُد» عنها؛ لعدم معرفتها بحسب تلك المرتبة . ۱۸
وقال الفاضل الإسترابادي :
أي علا عن مشابهة ۱۹ الممكنات ، وكان كاملاً من جميع الجهات ، فلأجل ذلك قرب إليها من حيث العلم بها ، ودنا من حيث العلم بها ، فبُعد عنها من حيث الذات . ۲۰
(فشكر) أي فرضي وجزى .
(لا تحويه أرضه) أي لا يحيطه أهل أرضه بالأوهام .
(ولا تقلّه) على المعلوم من الإفعال ، أقلّه : رفعه على كتفه للحمل وأطاق حمله . أي ولا تطيق حمل جلالته أهل سماواته ولا سمواته.
«غلط فيه» كعلم ، وكذا «لعب» .
(ولا لإرادته فصل) ناظر إلى قوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» . ۲۱
(وفصله جزاء) أي حكمه بالعدل جزاء الأعمال .
(وأمره واقع) أي أمر السّاعة كلمح بالبصر ، ۲۲ وحشر جميع الأجساد من الأوّلين والآخرين .
(لم يلد فيورث) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل ؛ أي فيورث ولده سلطنته .
(ولم يولد فيشارك) والده في السلطنة «قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» . ۲۳
(ولم يكن له كفوا أحد) جامع لجميع ما عرفت في بيان النسبة .
1.في المصد : «إنّيّة» .
2.الحاشية على اُصول الكافي ، ۳۰۷ .
3.التوحيد ، ص ۹۰ ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح ۳ ؛ معاني الأخبار ، ص ۷ ، باب معنى الصمد ، ح ۳ .
4.في المصدر : «أزواجا» .
5.التوحيد ، ص ۹۰ ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح ۴ ؛ معاني الأخبار ، ص ۷ ، باب معنى الصمد ، ح ۳ .
6.في المصدر : «الهمّ» .
7.التوحيد ، ص ۹۰ ـ ۹۱ ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح ۵ .
8.الزمر (۳۹) : ۷۱ .
9.النحل (۱۶) : ۴۸ .
10.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۱ .
11.في المصدر : «تنبيه على أنّه ليس صمديّته بكونه مصمتا» .
12.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۰۹ .
13.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۶۴ . وليس في المصدر : «أي لا مادّة له . وقيل» .
14.إشارة إلى آية ۵ من آل عمران (۳) .
15.إشارة إلى آية ۳۰ من الروم (۳۰) .
16.الحاشية على اُصول الكافي، ص ۳۰۹ ـ ۳۱۰ .
17.في المصدر : «وذلك لاتّحاد الماهيّات» .
18.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۱۰ ـ ۳۱۱ .
19.في المصدر : «مشاهدة» .
20.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۱ .
21.يس (۳۶) : ۸۲ .
22.إشارة إلى آية ۷۷ من النحل (۱۶) .
23.الزخرف (۴۳) : ۸۱ .