85
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وعلى النسخة الاُخرى تفسير لقوله: «لَا يَعْقِلُونَ» ، بأن يُراد بالعقل النطق، أو أنّهم لا يعقلون طريق النطق، ولا يشعرون به وبكيفيّة الاعتذار، كما أشار إليه بقوله: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» . ۱
قال البيضاوي:
عطف «فَيَعْتَذِرُونَ» على «يُؤْذَنُ» ليدلّ على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقاً، ولو جعله جواباً لدلّ على أنّ عدم اعتذارهم لعدم الإذن، فأوهم ذلك أنّ لهم عذراً، لكن لم يؤذن لهم فيه. ۲
وقيل: إنّما خصّ عليه السلام التفريع بالبُكم؛ لأنّه يعلم منه حال أخويه بالمقايسة، أو اُريد بهما الحقيقة. ۳ انتهى.
وأنت خبير بأنّه إذا جعل قوله: «لا ينطقون» إلخ، تفسيراً لقوله: «لَا يَرْجِعُونَ» كما ذكرناه، لا يسع لي هذا التوجيه المتعسّف.
(وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه) .
قيل: أي تقترفوه من ركبت الذنب ـ كسمعت ـ إذا اقترفته، أو تتّبعوه من ركبت الأثر: تبعته، أو تعلوه من ركبت الفرس: علوته، فقد شبّه المنهيّ عنه بالمركوب في أنّه يصل بصاحبه إلى مقام البُعد من الحقّ، كما يشبه الطاعة به في الإيصال إلى مقام القُرب، ولمّا كانت عرصة اللسان وسيعة؛ لحكايته عن أحوال المبدأ والمعاد والشرائع والأحكام والأشياء الموجودة والموهومة وعقائد القلوب وأفعال الجوارح، كانت خطيئاته غير محصورة، وزلّاته غير معدودة، بالغ في حفظه مكرّراً. ۴
وقال: (وعليكم بالصَّمت) إلى قوله: (ويأجُركم عليه) .
والمراد بما ينفعكم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد الخلق، والوعظ والنصيحة لهم، وغير ذلك من الأقوال الواجبة والمندوبة، ثمّ لمّا أمر بالنافع إجمالاً أشار إلى بعضه تفصيلاً بقوله: «وأكثروا من التهليل»، أي قول: «لا إله إلّا اللّه».

1.المرسلات(۷۷): ۳۶.

2.تفسير البيضاوي، ج۵، ص۴۳۶.

3.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج۱۱، ص۱۸۰.

4.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج۱۱، ص۱۸۰.


البضاعة المزجاة المجلد الأول
84

كفرح، فهو أبكم وبَكيم، الجمع: بُكمان. انتهى. ۱
واعلم أنّ الظاهر في هذه الأخبار الثلاثة الأخيرة كونها بصيغ المصدر ليصحّ الحمل، وكونها بصيغ الجمع لا يخلو عن تكلّف، وفي بعضها لا يستقيم، وحملها على اسم «إنّ» من قبيل حمل المسبّب على السبب مبالغة.
(يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة) .
الجملة حاليّة أو وصفيّة. والضمير الأوّل راجع إلى العبد، والثاني إلى كلّ من المَقت وما عطف عليه، يقال: أورثه الشيء أبوه، أي تركه له ميراثاً، ولما كانت تلك الاُمور ثمرة ذلاقة اللسان، وتصل إليه في النشأة الآخرة سمّاه ميراثاً.
(فتصيروا) بهذه الرذائل.
(كما قال اللّه تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ»۲ ) جمع الأصمّ والأبكم والأعمى.
( «فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» ) .
في بعض النسخ: «لَا يَعْقِلُونَ»۳ ، وكلاهما في سورة البقرة.
قال البيضاوي:
أي لا يعودون إلى الهُدى الذي باعوه وضيّعوه، أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيّرون لا يدرون [أ] يتقدّمون أم يتأخّرون، وإلى حيث ابتدؤوا منه كيف يرجعون؟! ۴ انتهى.
أقول: لمّا سدّ هؤلاء مسامعهم عن الإصغاء إلى نداء الحقّ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، ولم يتبصّروا الآيات وطرق الحقّ بأبصارهم وبصائرهم، جعلوا كأنّما ائفَت مشاعرُهم، وانتفت قُواهم، ۵ هذا مكافاتهم الدنيويّة، وأمّا مجازاتهم الاُخرويّة ـ وهي المراد هاهنا ـ فهم لا يسمعون نداء الرحمة، ولا يقدرون على الكلم بالمعذرة، ولا يتصيّرون الجنّة.
فقوله عليه السلام : (يعني لا ينطقون) تفسير لقوله تعالى: «لَا يَرْجِعُونَ» ، أي لا يرجعون إلى النطق والكلام، ولا يمكنهم ذلك.

1.القاموس المحيط، ج۴، ص۸۱ (بكم).

2.البقرة(۲): ۱۸.

3.البقرة(۲): ۱۷۱.

4.تفسير البيضاوي، ج۱، ص۱۹۸.

5.نحوه في تفسير البيضاوي، ج۱، ص۱۹۴.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108235
صفحه از 630
پرینت  ارسال به